لاجئون سوريون يخاطرون بحياتهم لمغادرة ألمانيا
«من دون تأشيرة خرج من البلاد وعبَر النهر بشكل غير شرعي»، لم تكن هذه رحلة لجوء تقليدية هرباً من سوريا، بل إنها رحلة هجرة عكسية خاضها واحد من العديد من اللاجئين السوريين الذين يغادرون ألمانيا.
وبعض هؤلاء اللاجئين السوريين الذين يغادرون ألمانيا يخاطرون في سبيل إتمام رحلة الخروج، ولكن يصرون على خوضها.
فلماذا تحدث هذه الظاهرة؟ وإلى أين يذهب هؤلاء اللاجئون؟ وهل يعودون لبلادهم، أم يذهبون إلى بلد ثالث؟.
لماذا يخاطر بعض اللاجئين السوريين في ألمانيا بحياتهم للرحيل عن هذا البلد؟
تصاعد الحديث عن تزايد أعداد اللاجئين السوريين الذين يغادرون ألمانيا.
وبات من الواضح أن الأمر لا يحدث، فقط بسبب مشكلات يواجهها اللاجئون أو فشلهم في التأقلم، ولكن أيضاً بتشجيع غير معلن من قِبل السلطات الألمانية رغم تحفّظ المنظمات الدولية على هذه الهجرة غير العكسية.
وتحدثت تقارير صحفية وتلفزيونية، في العامين الماضيين، عن حركة لجوءعكسي غير قانونية لسوريين موجودين في ألمانيا، لأسباب مختلفة.
ومن هذه المشكلات صعوبة تعلّم اللغة والتأقلم، أو تأخّر لم. شمل العائلات فترات طويلة جداً، جراء حظر لمّ شمل الحاصلين على حماية مؤقتة.
ومقصد حركة اللجوء العكسية هذه قد يكون العودة إلى سوريا أو الذهاب إلى دولة أخرى غير ألمانيا، مثل تركيا.
إذ كشفت تقارير إعلامية أن بعض اللاجئين السوريين الذين يغادرون ألمانيا يسافرون بوثائقهم الألمانية إلى اليونان عضو الاتحاد الاوروبي، ثم يعبرون نهر إيفروس إلى تركيا بشكل غير شرعي؛ نظراً إلى عدم تمكنهم من الحصول على تأشيرة لدخول تركيا.
وحسب تجارب بعض هؤلاء المهاجرين، فإن الشرطة اليونانية لم تحاول منعهم من العبور إلى تركيا، كما يُفترض أن تقوم به.
وقال بعض هؤلاء اللاجئين في شهادة أدلوا بهالفيلم وثائقيصُور عن هذه الظاهرة، إنهم يفضلون العودة إلى تركيا على الحياة في ألمانيا.
ما هي أعداد اللاجئين السوريين الذين يغادرون ألمانيا؟
لا توجد إمكانية لإحصاء أعداد اللاجئين السوريين الذين يغادرون ألمانيا بشكل دقيق، بسبب عودة الكثيرين بطرق غير قانونية.
إلا أن قناة ألمانية عامة نشرت قبل أيام، في 16 يناير 2019، إحصائيات رسمية للعودة الطوعية بالتشاور مع السلطات الحكومية.
ويمكن الاستئناس بهذه الإحصاءات باعتبارها مؤشرات على تيار الهجرة العكسي هذا.
اللاجئون السوريون خاطروا بحياتهم خلال هجرتهم إلى ألمانيا ومنها
وذكر تلفزيون «MDR» العام الألماني، أن عدد اللاجئين السوريين العائدين طوعاً بدعم مالي من السلطات الاتحادية والولايات ارتفع العام الماضي (2018)، مقارنة بالعام الذي سبقه.
وقال متحدث باسم وزارة الداخلية أن عدد اللاجئين السوريين الذين غادروا ألمانيا ارتفع من 199 شخصاً في عام 2017 إلى 273 شخصاً في عام 2018، ناقلة عن السلطات قولها إن التوجه هذا متصاعد.
وتضم الإحصائيات، وفقاً لوزارة الداخلية، الحالات التي تم تقديم دعم من قِبل الولايات فيها للاجئين، ثم قدمت الولايات طلب إعادة تمويل التكاليف إلى الحكومة الاتحادية.
لذا، يُعتقد أن العدد الفعلي للعائدين طوعياً لسوريا في العامين الماضيين، أعلى مما هو مسجل لديهم.
ولايات ألمانيا تقدم برامج لعودة السوريين.. والمنظمة الدولية للهجرة ترفضها
ويحصل العائدون عادة على بطاقة طائرة مجانية، ودعم مالي لبدء حياة جديدة يتراوح بين 500 و1300 يورو لكل شخص.
وتشير المحطة إلى أن السلطات الألمانية الاتحادية أنفقت على ذلك 517 ألف يورو في عام 2018.
ويتم هذا من خلال برامج عودة طوعية خاصة بالولايات، لا تكون معروفة على نطاق واسع.
ويشير الموقع الحكومي الألماني الخاص بالعودة الطوعية، إلى أنه من غير الممكن حالياً تنفيذ العودة الطوعية إلى سوريا من خلال برامج المساعدة المقدمة من المنظمة الدولية للهجرة (REAG/GARP) ومعونة البدء (StarthilfePlus)؛ «نظراً إلى الوضع الأمني العصيب الحالي» هناك.
ولفت الموقع إلى أن بعض الولايات الألمانية تسمح بالعودة الطوعية إلى سوريا، ولكن تحت برامج مختلفة ليس لها علاقة بالبرامج المرتبطة بالمنظمة الدولية للهجرة.
وهذه هي الفئات الأكثر رغبة في العودة إلى بلادها
وأوضحت وزارة الداخلية الألمانية أن العائدين طوعاً إلى سوريا هم على نحو خاص، المتقدمون في السن والمعوزون.
وسردت مجلة «إكساكت» الألمانية، في هذا السياق، قصة عودة زوجين متقدمين في السن إلى سوريا، رافقتهما كاميرا القناة منذ قرار عودتهما في شرق ألمانيا وإنهائهما آخر الإجراءات بمساعدة استشاري، كإلغاء عقود الهاتف والبنك مثلاً، حتى وصولهما لمطار دمشق ولبيت عائلتهما هناك.
في حين بقي ابنهما الذي كان حِرفياً في سوريا وعائلته، كشأن الكثير من الشباب الذين يأملون مستقبلاً أفضل في ألمانيا، رغم صعوبة قرار فراق العائلة على جميع أفرادها.
وحصل الزوجان على تذكرتي طائرة و2600 يورو، من وزارة الداخلية الاتحادية الألمانية، التي تشرف على برنامج العودة الطوعي.
وتتحدث الأم زينب أزاد (52 عاماً) عن شوقها إلى بلادها، كسبب لعودتها.
ولكنها أرجعت قرارها العودة بالأساس، إلى عدم قدرتهما على تعلّم اللغة الألمانية الصعبة، لقلة الوقت المتاح أمامها، لأن عليها رعاية زوجها المريض البالغ من العمر 80 عاماً، وهو الأمر الذي لم تتفهمه السلطات الألمانية.
وكان الزوجان وصلا لمدينة تزفيكاو بولاية ساكسونيا الشرقية في عام 2015، برفقة ابنهما عبد الله.
ويشير الوالدان إلى عدم خشيتهما من العودة، لأنهما متقدمان في السن عكس الشباب، الذين قد يواجهون متاعب مع السلطات.
ورغم ذلك، ما زال عدد العائدين ضئيلاً
ورغم تصاعُد تيار العودة بين السوريين، فإن عدد العائدين يظل ضئيلاً مقارنة بإجمالي عدد السوريين الموجودين في ألمانيا والذي يُقدر بـ700 ألف.
وترجع منظمة «هيومان رايتس ووتش» الحقوقية بمقرها في بيروت، ذلك إلى المخاطر التي تحيق بهم في موطنهم.
وذكرت المنظمة أنه كثيراً ما يتم إلزام الرجال الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً، على نحو خاص، الخدمة العسكرية على الجبهات.
وقالت إن الكثيرين منهم جاءوا إلى ألمانيا فراراً من المخابرات، التي تحتجزهم أو تخفيهم أو تعذبهم.
فهناك مليون ونصف المليون من اللاجئين مهدَّدون بالسجن
وتقول المنظمة إن السجن يتهدد قرابة مليون ونصف المليون من الملاحَقين من قِبل النظام عند عودتهم.
وتضرب محطة «MDR» الألمانية مثالاً لهؤلاء المهدَّدين بالاضطهاد، بالسجين السياسي والمعارض للنظام محمد حاج درويش، الذي يعيش في مدينة لايبتزغ.
ولا يستطيع درويش العودة رغم اشتياقه إلى وطنه، وهو يربط عودته وعائلته إلى موطنه والمشاركة في إعادة بنائه، برحيل نظام الأسد.
وذلك عكس وضع عائلة زينب أزاد، التي يراها النظام على أنها غير مرتبطة بالسياسة وسيكون بوسعها العيش دون مشاكل، وفقاً للمحطة.
وتنقل المحطة عن معين المرعبي، وزير الدولة لشؤون النازحين في لبنان، قوله إنه يتوجب على العائدين من المعارضين للنظام توقّع الموت.
وأشار إلى ورود اتصالات من اللاجئين العائدين لهم، يحدثونهم فيها عن عمليات خطف وقتل وتعذيب لمواطنيهم.