كيف ينظر اليمين الإسرائيلي إلى “خطة القرن” المتوقع نشرها بعد الانتخابات؟
“لا تثقوا في الاسخياء، في إنسان ليس له حاجة”، تقول الآية في التهيليم، وتفسيرها: “لا تثقوا بشخص ليست له حاجة حقيقية لإنقاذكم”. هذا درس يعكس الوضع والعلاقة التي هي بين دولة إسرائيل وإدارة ترامب، والتي -برأي الخبراء- تقوم على أساس الصداقة الخاصة التي نشأت بين رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس دونالد ترامب.
ليس صدفة أن جيسون جرينبلات، مبعوث الرئيس ترامب إلى الشرق الأوسط، أعلن مؤخراً بأن خطة السلام الأمريكية للشرق الأوسط لن تنشر قبل الانتخابات في إسرائيل، وذلك بعد يومين فقط من إعلان الرئيس ترامب في قمة “جي 7 ” في باريس بأن ثمة احتمال لنشر الخطة قبل الانتخابات، وفقاً لصحيفة “معاريف” العبرية.
لا شك بأن في القدس من يعرف شيئاً ما عن هذه الخطة ومعناها، ولا سيما نتنياهو، عشية معركة الانتخابات. إذا كان هذا يفيد نتنياهو عشية الانتخابات، وسمعنا على الملأ عن هذه الخطة، يمكن أن نفهم بأن نشرها بعد الانتخابات سيشكل مشكلة لنتنياهو، إذا كان هو من سيشكل الحكومة المقبلة.
حتى بعد أن أوفى ترامب بوعده في نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وفرض العقوبات على إيران، بقيت في معسكر الشكاكين لترامب، لأن موقفه من كل وعد يبقى محدود الضمان. أنا أيضاً أرى فيه شخصاً غير متوقع: وهذا نتعرف عليه من موقفه من موضوع كوريا الشمالية بل والإيرانيين، حين يعتبرهم من جهة عدواً خطيراً، ومن جهة أخرى يتصرف تجاههم بانبطاح. هذا السلوك وجد تعبيره أيضاً في انسحاب ترامب من العراق وترك الأكراد لمصيرهم، في ظل تجاهل حلفاء مثل السعودية ودول الخليج.
وفي هذه الأثناء، عودة إلى جبهتنا: كيف سيواجه اليمين في إسرائيل نشر خطة ستتضمن، أغلب الظن، بادرات طيبة للفلسطينيين كتعويض عن نقل السفارة إلى القدس؛ كفيلة بأن تثبت مكانة الفلسطينيين في القدس من خلال مؤسسات حكم في شرقي المدينة؛ وتؤدي إلى إخلاء بؤر استيطانية غير قانونية مع تثبيت حدود الدولة الفلسطينية على أساس حدود 4 يونيو 1967؟
كما هو معروف، التقى جارد كوشنير، صهر ومستشار ترامب، مع كثيرين في العالم العربي وإسرائيل بهدف بلورة خطة القرن، وقد تعلم من إخفاقات الماضي التي منعت تطبيق خطط مشابهة. حقيقة أن كوشنير هو الذي حاول منع نشر الخطة قبل الانتخابات تعزز حقيقة أنها خطة إشكالية لنتنياهو، وكفيلة بأن تلحق به ضرراً سياسياً كبيراً. من هنا، وبعد الانتخابات، بانتظار الحكومة المقبلة مهمة كبرى: التصدي لخطة غير بسيطة، أساساً لأولئك الذين يعارضون الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل وأولئك الذين يحلمون بتوسيع الاستيطان الإسرائيلي في يهودا والسامرة. صحيح أن نتنياهو في هذه الأثناء حقق مكسباً سياسياً غير قليل من الموقف الخاص الذي يمنحه له ترامب، ولكن -كما أسلفنا- كل شي محدود الضمان ومؤقت: هذا الموقف من شأنه أن يصبح سهماً مرتداً.