كيف يمكن أن يحدد الجيش الجزائري مصير بوتفليقة وهوية خليفته بالرئاسة؟
بعد فترة ركود مؤقتة، عاد الجيش الجزائري إلى صدارة الساحة السياسية من جديد بزعامة جنرال جديد، ولكن بشكل مختلف عن الماضي، بعد أن ظن خصومه أنهم أضعفوا نفوذ المؤسسة العسكرية، ولكن يبدو أن رهاناتهم خاطئة.
فقد أصبح الجيش الجزائري يضطلع بدور محوري، مستفيداً من مساهمتهفي تفكيك خلية لتهريب الكوكايين، والتي أطاحت بمسؤولين كبار مثل مدير الأمن العام اللواء عبد الغني هامل المقرب من عائلة بوتفليقة، وعدد من القضاة، ونجل رئيس وزراء سابق؟
ونُشرت قضية الكوكايين مع اكتشاف الجيش الجزائري مئات الكيلوغرامات من هذه المخدرات على متن باخرة نقل بضائع قادمة من البرازيل. في حين نشر موقع وزارة الدفاع الجزائرية صوراً لعُلب شبيهة بتلك التي يُعلّب فيها اللحم، وهو منتج تستورده الجزائر، خاصة من البرازيل.
وفي خضم هذه التغييرات والغموض الذي يحيط بالبلاد، يبرز اسم الفريق أحمد قايد صالح، قائد أركان الجيش الجزائري ونائب وزير الدفاع (وزير الدفاع هو الرئيس عبد العزيز بوتفليقة نفسه).
وتثار تساؤلات حول هل سيكون قايد صالح المحركَ الرئيسيَّ لأي تغيير سياسي يمكن أن تشهده البلاد، حسب تقرير لموقع Le Centre Français de Recherche sur le Renseignement الفرنسي.
لقد بدا أن بوتفليقة قد نجح في تقليص نفوذ الجيش أخيراً
حتى مشارف عام 2016، كانت دائرة الاستعلام والأمن مسؤولة عن إدارة وتنظيم السلطة السياسية والمالية في الجزائر.
وتشكل هذه الدائرة جهاز المخابرات الجزائري، وهي تضم هيكلاً مترامي الأطراف كان يقوده الجنرال القوي محمد مدين، المعروف باسم الجنرال توفيق. وبعد حل هذا الجهاز الاستخباراتي، بات زمام السلطة في عهدة رئاسة الجمهورية.
واقتداءً بالنموذج السياسي الذي طبَّقه الملك حسن الثاني في المغرب والرئيس زين العابدين بن علي في تونس، زاد الرئيس بوتفليقة صلاحيات وامتيازات المديرية العامة للأمن الوطني التي بلغ عدد عناصرها 285 ألف عنصر، بالإضافة إلى تعزيز صفوف عناصر الدرك الوطني، ليبلغ عدد عناصره 175 ألف دركي.
وتؤكد هذه الخطوة أن بوتفليقة يولي قوات الأمن الداخلي أهمية كبرى على حساب الجيش، في محاولة منه للحد من نفوذ العسكر داخل البلاد، حسب تقرير الموقع الفرنسي.
فقد حدث انتقال بمركز السلطة التي كانت في السابق مع الجيش
منذ فترة حكم الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، برزت في الجزائر فئة جديدة من البارونات مدعومة من مسؤولين رفيعين بالدولة، وقد كانت متورطة في عدة عمليات تهريب كانت تتم بعيداً عن رقابة الرئيس السابق لدائرة الاستعلام والأمن، حسب تقرير الموقع الجزائري.
ومع تحويل مركز السلطة في قصر المرادية (قصر الرئاسة) إلى سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس، طرأت تغييرات شاملة على المشهد السياسي، ما أسهم في بروز طبقة سياسية-مالية جديدة أسست إمبراطورية واسعة، وأنشأت علاقات دولية تمتد من ريو دي جانيرو، مروراً بمرسيليا وفالنسيا، وصولاً إلى دبي.
وهكذا تم تهميش الجيش لأول مرة منذ عقود
وقد اعتمد سعيد بوتفليقة على رئيس منتدى رؤساء المؤسسات، علي حداد. ويبدو أن حداد، المحميّ من شقيق الرئيس، ينوي الترشح لخلافة الرئيس الجزائري في عام 2019، وفقاً للموقع الفرنسي.
لقد تسببت هذه العملية التي يمثلها شقيق الرئيس، في تهميش الجيش، الذي يشكل الإطار الفعلي للنظام ومؤسسات الدولة الجزائرية.
كما أنه من الواضح أن النفوذ الممنوح للجيش لم يكن يروق للجميع، وخير دليل على ذلك حالة انعدام الثقة التي تطغى على البلاد.
ولكن تفكيك خلية تهريب المخدرات جاءت في وقت دقيق
أُعيد خلط الأوراق من جديد بعد أن لاحت في الأفق قضية كمال الشيخي، الملقّب بـ»الجزار» (البوشي)، الذي ينشط في توريد اللحوم من البرازيل والباراغواي، والذي اتُّهم في قضية تهريب كوكايين.
وخلال شهر مايو/أيار 2018، تم تفكيك خلية تهريب الكوكايين في ميناء وهران.
إن هذه القضية متشعبة وتمتد فروعها إلى دوائر بالسلطة، وقد تسبَّب التحقيق في فقدان 10 قضاة مناصبهم إلى جانب العديد من المسؤولين الرفيعين؛ على غرار المدير العام للأمن الوطني اللواء عبد الغني هامل، وقائد الدرك الوطني اللواء مناد نوبة.
وفي حين تتصدر فضيحة الكوكايين عناوين الصحافة الجزائرية والدولية، يعتبر بعض متتبعي السياسة الجزائرية أن هذه القضية ما هي إلا مرآة جديدة لصراع قديم يدور بين أطراف السلطة في الجزائر، خاصة أن هذا البلد مقبل على انتخابات رئاسية مجهولة المصير في أبريل/نيسان 2019، وفق تقريرلـ»فرانس 24«.
وثمة أيضاً من يقول إن قضية الكوكايين ما هي إلا محاولة أخرى لتصفية الحسابات السياسية بين مسؤولين كبار في المؤسسة العسكرية الجزائرية وجهاز الشرطة، علماً أن اسم الجنرال عبد الغني هامل، مدير الأمن الوطني المقالَ، كان من بين الأسماء المتداولة لخلافة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة.
وبعد ما حدث لهذين الجهازين الأمنيين فُتح الباب أمام الجيش ليقول كلمته في الرئيس القادم
وقد أدت هذه الإقالات إلى فتح الطريق أمام الجيش ليعود من جديد ويمسك بزمام الأمور على حساب هذين الجهازين الأمنيَّين (الأمن الوطني والدرك الوطني ) اللذين عول عليهما بوتفليقة للحد من نفوذ العسكر. كما أسهم ذلك أيضاً في جعل الجيش بمركز السلطة، في حين عزز الفريق قايد صالح من نفوذه وأصبح يسيطر على قرابة 80% من القوة العامة بالجزائر.
وتدل هذه المعطيات على أن الجيش الوطني الشعبي الجزائري سيكون له كلمة الفصل بشأن ترشح بوتفليقة لولاية خامسة أو رئيس جديد يكون من الحاشية العسكرية.
وتم تغيير قيادات مهمة لتعزيز هيمنة الجيش.. وهؤلاء يقدمون أنفسهم كمرشحين للخلافة
ومن بين الأسماء التي تداولتها الإشاعات، رئيس الحكومة السابق عبد المجيد تبون، ورئيس الحكومة الحالي أحمد أويحيى، الذي لم يتردد في الكشف عن دوره كـ»رجل المهام القذرة»، حسب وصف تقرير موقع Le Centre Français de Recherche sur le Renseignement الفرنسي.
وكي يفتح رئيس الأركان الأبواب المغلقة في وجه الجيش والتي تعيق مساعيه للعب الأدوار القيادية في الجزائر، سارع بتنصيب كل من الفريق علي بن علي قائداً للحرس الجمهوري، والفريق بشير طرطاق على رأس دائرة الاستعلام والأمن وجهاز التنسيق بين الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى إنهاء مهام اللواء حبيب شنتوف قائد الناحية العسكرية الأولى في ولاية البليدة.
ويبقى السؤال المطروح حول ما إذا كان رئيس هيئة الأركان سيُقدم على اتخاذ قرارات جريئة للإطاحة بحاشية بوتفليقة. إن هذا التساؤل يشغل بال السفارات الغربية والرأي العام الجزائري، الذي ليس أمامه خيار سوى الاكتفاء بالمشاهدة.
ولكن لماذا يعتمد قائد الجيش الجزائري على هذا الثلاثي الصاعق؟.. إنهم مختلفون
يعتمد قايد صالح على ما يصفه تقرير الموقع الفرنسي بـ»الذئاب الفتيّة» الطموحة التي تتمتع برؤية شاملة وواقعية للوضع الذي تمر به الجزائر حالياً.
ولفت الموقع إلى ما يسمى «الثلاثي الصاعق»، الذي يضم شخصيات لا تسلَّط عليهم هالة إعلامية كبيرة مقارنة برئيسهم قايد صالح، وهم سكرتيره اللواء محمد يونسي، ومستشار ديوانه اللواء جمال قروي، واللواء فاطمة بودواني المكلفة التعاون الدولي ضمن مجموعة «5+5» في مجال الدفاع، وتحظى بوداني بصفات المحلل الاستراتيجي الناجح بشهادة نظرائها.
ويهتم هذا الثلاثي الصاعق في الحاضر والمستقبل بتطوير الاستراتيجية العسكرية والسياسية للجزائر. ومن المرجح أن يكون هذا الثلاثي هو من يهمس في أذن رئيس هيئة الأركان للقيام بترقيات داخلية واتخاذ قرارات متعلقة بالقضايا السياسية الاستراتيجية.
صورة جديدة مشرقة للجيش، ولكن هذه الحادثة أثرت عليها
يبدو أن صورة الجيش المنيع مهدَّدة رغم الجهود التي يبذلها رئيس أركان الجيش، ونائب وزير الدفاع الجزائري قايد صالح، الرامية إلى ترسيخ صورة مشرقة لدى الرأي العام الجزائري، حسب الموقع الفرنسي.
وقد اهتزت صورة الجيش بعد الهجوم الدامي الذي خلف قتلى بصفوف عناصر، في 30 يوليو/تموز 2018، بجبل بيسة، تحديداً في القطاع العسكري بسكيكدة التابع للناحية العسكرية الخامسة.
فخلال عمليات التمشيط، فقد الجيش الجزائري قرابة 20 من جنوده إثر اشتباكه مع عناصر إرهابية. وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل 4 إرهابيين، حسب ما أفادت به السلطات.
الجيش الجزائري يتوسع في التسليح في مجالات عدة ومن أبرز صفقاته حاملة المروحيات قلعة بني عباس
يبدو محتوى الرسالة التي نقلها المعتدون واضحاً لرئيس هيئة الأركان، ومفادها أنه غير قادر على احتواء «مخلفات الإرهاب» ومكافحة جميع أنواع التهريب.
كما أسهمت هذه الحادثة في تعزيز موقف معارضي سيطرة الجيش، وزادت من حدَّة الانتقادات الصادرة عن أولئك الذين لم يتقبلوا بعدُ إقالة الجنرال توفيق من رئاسة دائرة الاستعلام والأمن؛ وهو ما أضعف موقف الجيش