كيف يفسر ظريف إعلان إسرائيل تجربة إطلاق صاروخي عابر للقارات؟
تبني القوى العظمى لنفسها قدرات ردع ورد متطرفة على نحو خاص، تعتمد على ثلاثة أقدام: قدم “تحت بحرية” من خلال الغواصات، وقدم جوية، وقدم برية في شكل صواريخ أرض -أرض بعيدة المدى قادرة على حمل رؤوس متفجرة كبيرة. هذه بوليصة تأمين تستهدف منع كل عدو من الانتصار عليك وربما إبادتك أيضاً. وفقاً لمنشورات أجنبية، تحوز إسرائيل قريباً من الصدر بوليصة التأمين الثلاثية هذه. فعندما قال رئيس الأركان الأسبق غادي آيزنكوت مؤخراً لـ “يديعوت احرونوت” إن دولة إسرائيل دولة لا يمكن الانتصار عليها، فإنه قصد على ما يبدو هذه القدرات. وحتى عندما تبكي وزارة المالية ميزانية الدفاع فإنها لا تقصد تمويل الجنود. وهي تعرف إلى أين يذهب المال الكبير.
أعلنت وزارة الدفاع يوم الجمعة عن “تجربة إطلاق منظومة تحريك صاروخية”. هذه التجارب يخطط لها مسبقاً كجزء من خطة عمل عادية تستهدف تعزيز القدرات أو فحص تطويرات جديدة، ولكنها على الطريق تخدم موضوع الردع، وفقا لصحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية.
لا يحتاج الإيرانيون إلى بيانات الناطق بلسان وزارة الدفاع، فبوسعهم أن يكتشفوا بقواهم الذاتية إطلاق صواريخ باليستية من إسرائيل أو الحصول على معلومات من جهات أخرى –الروس مثلاً– الذين يتابعون تجارب من هذا النوع.
وزير الخارجية الإيراني، ظريف، استغل الحدث على الفور في صالح الدعاية الإيرانية، فأعلن بأن إسرائيل تهدد إيران بصواريخ باليستية تحمل رؤوساً متفجرة نووية وهاجم الطلب الأوروبي من إيران نزع صواريخها بعيدة المدى. وسواء كان محقاً بالنسبة للقدرات الإسرائيلية أم لا، فإن هذا القول جزء من لعبة الردع المتبادل الذي يجري بين إسرائيل وإيران، ولا يزال في الملعب التقليدي. في الأشهر الأخيرة احتدمت هذه اللعبة في ضوء الخوف من نوايا إيرانية لتنفيذ هجوم صاروخي ضد أهداف في إسرائيل لردعها عن مواصلة ما يرونه تخريباً على بناء البنية التحتية الإيرانية في سوريا والعراق.
يمكن لظريف بالتأكيد أن يفترض بأن إطلاق الصاروخ الذي أطلق نهاية الأسبوع جاء للإشارة له بأن لإسرائيل قدرة –وربما نية أيضاً– للرد على كل هجوم إيراني بالهجوم على أهداف أليمة على أراضي إيران نفسها، بالصواريخ أيضاً.
كل العالم يخرج من نقطة افتراض أن لإسرائيل -ابتداء من أيلول 1988، حين أطلقت إسرائيل صاروخ التجسس “اوفك 1” إلى الفضاء من خلال وسيلة إطلاق تتحرك بالوقود الصلبة –قدرات على إنتاج صاروخ عابر للقارات يصل إلى مدى بضعة آلاف كيلومتر. وعلى مدى السنين نشرت معطيات عن صاروخ إسرائيلي يصل إلى مدى 4000 – 7000 كيلومتر (هذا منوط بأي فترة ومن كان الناشر). واستخدمت المنشورات الاسم السري التاريخي “مشروع يريحو” الذي ولد في الستينيات في فرنسا في مصانع “باسو” التي أنتجت الصواريخ لإسرائيل في حينه. لا بد أن الأسماء تغيرت منذئذ، تماماً مثلما لم تعد إسرائيل منذ زمن بعيد بحاجة لفرنسا كي تنتج الصواريخ.
فضلاً عن ذلك، وحسب منشورات أجنبية، فإن إسرائيل واحدة من أصل عشر دولة في العالم تنتج وحدها صواريخ عابرة للقارات، بما في ذلك المحركات الصاروخية الثقيلة. المقاول الرئيس للمشروع آنف الذكر، وفقاً لتلك المنشورات، هي الصناعية الجوية، ومصنع المحركات هو مصنع حكومي يسمى “تومر”.
الإيرانيون يفعلون الأمر ذاته. المرحلة الأولى في وسيلة إطلاق الأقمار الصناعية الإيرانية “سفير” هو عملياً الصاروخ الباليستي “شهاب 3” الذي يهدد إسرائيل. يوم الجمعة استعرضت إسرائيل العضلات، إلى الخارج وإلى الداخل. ويمكن للقيادة السياسية أن تبث الآن ثقة أكبر بكثير في ضوء نجاح التجربة. فنحن قوة عظمى.