كيف يتدخل البيت الأبيض للحفاظ على العلاقات مع الحلفاء في الشرق الأوسط رغم التحديات؟
العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والمملكة العربية السعودية استراتيجية رغم التحديات التي تشوبها حالياً، لذلك تدخَّل البيت الأبيض كي يحتوي الآثار السلبية الناجمة عن فرض الكونغرس عقوبات على الدولتين، فما أبعاد تلك العلاقة وأسباب توترها؟ وهل ينجح البيت الأبيض في الحفاظ عليها؟
موقع المونيتور الأمريكي نشر تحليلاً مفصلاً حول القصة، بعنوان: «البيت الأبيض يمنح قُبلة الحياة للعلاقات الأمريكية مع تركيا والمملكة العربية السعودية».
ماذا حدث؟
سارعت إدارة ترامب، هذا الأسبوع، لتخفيف تأثير التشريعات المؤيَّدة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والتي ستفرض عقوبات على تركيا والمملكة العربية السعودية.
ويُعَدُّ البيت الأبيض حصن الدفاع الأخير ضد كل من العقوبات والتوتر المتزايد في العلاقات الثنائية مع كلا البلدين، فبعد أن كانت تركيا والسعودية ركيزتين لسياسة الأمن القومي الأمريكي في المنطقة، تفكَّكَ توافُق الكونغرس بشأن البلدين، نتيجة للحرب في اليمن ومقتل الصحفي جمال خاشقجي، والهجوم التركي على الشركاء الأكراد للولايات المتحدة بسوريا، وشراء أنقرة أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية S-400.
لا أحد يُشكِّك في ضرورة وجود رد أمريكي على تلك الأحداث السابقة على جميع المستويات، فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه فَرَضَ عقوبات على تركيا؛ لعمليتها العسكرية في شمال سوريا (ورَفَعَها بعد أن أعلنت تركيا وقف إطلاق النار)، ومع ذلك، يظل البلدانِ شريكين حيويَّين في مكافحة الإرهابيين، ومواجهة إيران، وإنهاء الحروب في اليمن وسوريا.
تركيا تهدد بمراجعة وضع القواعد العسكرية
أصدر الكونغرس قراراً، هذا الأسبوع، يعترف بالمجازر العثمانية للأرمن قبل أكثر من 100 عام، باعتبارها إبادة جماعية. بالنسبة لمعظم الناس، فإن القرار ببساطةٍ بيان متأخر للحقيقة التاريخية، ولا يحمل القرار أي عقوبات. لكن بالنسبة للحكومة التركية، فإن القرار «مشين» و «ضار» بالعلاقات الأمريكية-التركية.
ويزداد الأمر سوءاً بالنسبة لأنقرة، بعد أن أقرت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ مشروع قانون يفرض عقوبات على تركيا بسبب هجومها العسكري على الأكراد السوريين، وشرائها نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400. وقام رئيس اللجنة، جيمس ريش، السيناتور الجمهوري عن ولاية إيداهو، بتعديل مشاريع قوانين العقوبات السابق؛ لإعطاء الرئيس فسحة أكبر فيما يتعلق بالعقوبات. وسيمنع مشروع القانون تركيا من الحصول على طائرات F-35 وF-16 ما لم تتخلَّ عن نظام S-400 الروسي، حسبما ذكر براينت هاريس مراسل موقع المونيتور في الكونغرس.
ورداً على ذلك، هدَّد وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، هذا الأسبوع، بمراجعة وضع كل من قاعدة إنجرليك الجوية الأمريكية وقاعدة كورجيك التابعة للناتو والمستخدمة في الدفاع الصاروخي، وليست هذه هي المرة الأولى التي تهدد فيها تركيا بمراجعة وضع قاعدة إنجرليك الجوية رداً على إحباطها من السياسة الأمريكية.
يقول الكاتب التركي متين غوركان: «بالنظر إلى آخر التطورات في واشنطن، فإن إثارة موضوع قاعدتي إنجرليك وكورجيك يهدف إلى تعزيز قدرة أنقرة على المساومة». من الواضح أن أنقرة أصبحت أكثر صخباً في استخدام أوراقها الرابحة المتمثلة في قاعدتَي إنجرليك الجوية ورادار كورجيك، وذلك لمضايقة كل من الولايات المتحدة وحلف الناتو. من الصعب التنبؤ بالمدى الذي يمكن أن تذهب إليه في لعبة المساومة هذه، لكن هناك أمر مؤكد: لا يمكن أن تغلق أنقرة قاعدة إنجرليك إلا إذا قررت أنها تستطيع التخلي عن الناتو».
وجاءت مشاركة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في قمة الناتو هذا الشهر (ديسمبر)، لتعكس الانقسام السياسي حول دور تركيا بـ «الناتو». في أثناء توجهها إلى القمة، هددت تركيا بإيقاف خطة حلف الناتو للدفاع عن دول البلطيق حتى يدرج الحلف وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا كمنظمة إرهابية. ومع ذلك، وجد أردوغان ونظراؤه أرضية مشتركة، على الرغم من توتر العلاقات بسبب شراء أنقرة منظومة S-400 الروسية.
ويقول سميح إدز: «تقع حكومة أردوغان الآن في موقف غير مستقر، يتمثَّل في اضطرارها إلى إقناع قاعدة دعمها بأن تركيا لها نفوذا في حلف الناتو فيما يتعلق بمطالبها، مع الاضطرار إلى التعامل مع الحقائق التي تحكم عضويتها في الحلف، وهو ما اضطرها بوضوح إلى الذهاب إلى لندن لحضور قمة التحالف».
البيت الأبيض وَضَعَ خطاً أحمر على العقوبات السعودية
في هذه الأثناء، تدخَّل جاريد كوشنر، صهر الرئيس ترامب وكبير مستشاريه، للتراجع عن بعض البنود العقابية الموجَّهة ضد المملكة العربية السعودية في مشروع قانون ميزانية الدفاع، الذي من المتوقع أن يوقِّع ترامب عليه الأسبوع المقبل.
وقال براينت هاريس: «لقد دفع البيت الأبيض الكونجرس بنجاح إلى إزالة اللهجة المستخدمة في مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني، الذي كان من شأنه أن يفرض عقوبات ملموسة على المملكة العربية السعودية؛ بسبب الحرب في اليمن ومقتل الصحفي جمال خاشقجي».
وأضاف: «على الرغم من أن كلا التعديلين كان له قدر من الدعم من الحزبين، فقد وافق الديمقراطيون على إزالة الأثر الفعلي لكل بند سعودي من الصيغة النهائية لمشروع القانون خلال المفاوضات مع مجلس الشيوخ، الذي يسيطر عليه الجمهوريون». وعلم موقع المونيتور أن «المفاوضين الجمهوريين كافحوا ونجحوا في استبعاد البنود الموجهة ضد السعودية من مشروع القانون النهائي، بعد أن وضع البيت البيت الأبيض عليها خطاً أحمر».
تأتي إزالة البنود الموجهة ضد السعودية بالقانون المشار إليه، في الوقت الذي يراجع فيه البنتاغون جميع برامج التدريب الأجنبية العسكرية الأمريكية؛ بعد مقتل ثلاثة جنود أمريكيين وإصابة ثمانية آخرين على يد ضابط متطرف من سلاح الجو السعودي، سعيد الشمراني، في برنامج تدريب ضمن صفقات مبيعات عسكرية أجنبية للقوات الجوية الأمريكية بقاعدة بحرية في فلوريدا.
إنهاء برامج التدريب
يقول جاك ديتش مراسل Al-Monitor في البنتاجون: «إن إنهاء التدريب العملي لن ينطبق إلا على الطلاب السعوديين»، لكن وزارة الدفاع تخطِّط لوضع سياسات فحص جديدة كجزءٍ من المراجعة التي ستستمر طوال أيام والتي ستطبَّق على جميع الطلاب العسكريين الأجانب الذين يدخلون الولايات المتحدة».
من جانبها، أوضحت المملكة السعودية أنها ستتعاون تعاوناً تاماً مع التحقيق الأمريكي في جرائم القتل التي وقعت بقاعدة بينساكولا والتي تصفها الولايات المتحدة بأنها حادث إرهابي. وفي اتصال مع ترامب، تعهد الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود بدعم المملكة الكامل للتحقيق. زارت السفيرة السعودية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، الأميرة ريما بنت بندر آل سعود، قاعدة بينساكولا هذا الأسبوع؛ لتعزيز تعازي المملكة وإدانتها للهجوم، وكذلك إبداء تعاون المملكة في التحقيق.
الحرب في اليمن
كل هذا يأتي في الوقت الذي تُظهر فيه المبادرات الإقليمية للمملكة علامات على حدوث تحوُّل. بينما لم يحضر أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قمة مجلس التعاون الخليجي الأسبوع الماضي، فقد حضر رئيس الوزراء عبدالله بن ناصر آل خليفة آل ثاني. ووفقاً للتقارير، استُقبل باحترام وعقد اجتماعاً إيجابياً مع الملك سلمان. سيستغرق حل النزاع مع قطر بعض الوقت، لكن حضور رئيس الوزراء القمة، بمبادرة من الملك، ربما كان يمثل كسراً لجمود الموقف.
فيما يتعلق باليمن، تضغط المملكة من أجل الوصول إلى حل دبلوماسي، وضمن ذلك اتباع أسلوب جديد في التعامل مع جماعة الحوثيين، التي دعمتها إيران. وكتبت لورا روزن، مراسلة دبلوماسية لـ Al-Monitor في واشنطن: «لقد جاء التقدم في الحوار السعودي-الحوثي بعد تولي نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان آل سعود، السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة وشقيق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود، القيادة في ملف اليمن، حسبما ذكر دبلوماسيون ومحللون سابقون للموقع. وسافر الأمير خالد بن سلمان إلى سلطنة عمان قبل أسبوعين، حيث التقى سلطان عُمان قابوس، الذي حاولت حكومته بهدوء، التوسط بين السعوديين وإيران، خاصة في اليمن».
وقالت مساعدة وزير الخارجية الأمريكي دنيس ناتالي، متحدثة في فعاليةٍ للموقع بوقتٍ سابق من هذا الشهر، إن البرنامج السعودي للتنمية وإعادة الإعمار في اليمن «كان له تأثير إيجابي للغاية»، مشيرةً إلى المساهمات لتحقيق الاستقرار في العملة والسماح للحكومة اليمنية الرسمية بدفع الرواتب للعاملين في الحكومة.
معضلة العواقب في منطقة على حافة الاشتعال
يَعتبر أردوغان والملك سلمان صِلاتهما الشخصية مع ترامب شريان حياة؛ لدرء الإجراءات العقابية للكونغرس، ويقدِّر الزعيمان علاقاتهما بالولايات المتحدة. ولكن كما نرى، خاصة مع تركيا، فإن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مستعدٌّ دائماً لاقتناص الفرص والاضطلاع بدورٍ أكبر في المنطقة. عكس الولايات المتحدة، فهو غير مثقَل بحقوق الإنسان أو غيرها في كيفية تعامله مع المنطقة.
لذلك فإن الشرق الأوسط على حافة الاشتعال. فالحروب في سوريا واليمن مستمرة، والاحتجاجات هزت العراق ولبنان، وتنظيما «الدولة الإسلامية» و «القاعدة» وورثتهما يعيدون تجميع صفوفهم، وإيران، التي تثير الغضب في كل من بغداد وبيروت، والتي هاجمت منشآت أرامكو بالمملكة في 14 سبتمبر، تضع صواريخ باليستية في العراق، لتهدد حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها بالمنطقة. لا يمكننا تلبية الحاجة إلى تعميق التحالفات ووضع قيود على الشركاء الحيويين -وإن كانوا مثار خلاف- دون بعض الانعكاسات على الأمن القومي الأمريكي. ه