كيف كان للحظ دور كبير في تجنب الحرب التي لا يريدها أحد بين واشنطن وطهران؟
يبدو أن إيران أقدمت على ما يمكن وصفه بالمقامرة عندما قصفت قاعدة عين الأسد الجوية في العراق رداً على اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني، حيث إن تفاصيل الأضرار التي ألحقتها الصواريخ الباليستية تُظهر أنه لولا أن لعِب الحظ دوراً كبيراً، لكانت الحرب التي لا يريدها أحد قد اشتعلت بين الجانبين.
موقع بيزنيس إنسايدر الأمريكي نشر تقريراً، بعنوان: «أضرار الهجوم الصاروخي الإيراني على الجنود الأمريكيين يشير إلى أنَّ الحظ له دور كبير في منع وقوع حرب»، كشف فيه مزيداً من التفاصيل عن إصابات لحِقت بالفعل بالقوات الأمريكية في القاعدة.
ترامب قال «لم يتضرر أحد»، لكن هذا ليس صحيحاً
اقتربت الولايات المتحدة وإيران لدرجة مخيفة، من الدخول في حرب بوقت مبكر من الشهر الجاري، ومع انكشاف مزيد من التفاصيل عن الهجوم الصاروخي الإيراني على القوات الأمريكية، أصبح واضحاً أنَّ الحظ كان له دور كبير في منع اندلاع صراع أوسع نطاقاً.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: «إنه لم يتضرر أي أمريكي»، حين قذفت إيران 16 صاروخاً باليستياً على القوات الأمريكية وقوات الائتلاف بالعراق في 8 يناير/كانون الثاني، لكن تبيَّن حينها أنَّ هذا التقييم خاطئ.
نقل 11 مصاباً إلى الكويت وألمانيا
إذ أعلن الجيش الأمريكي، الخميس 16 يناير/كانون الثاني، نقل 11 جندياً أمريكياً، كانوا متمركزين في واحدة من القاعدتين العسكريتين العراقيتين اللتين استهدفتهما الصواريخ الإيرانية، إلى مستشفيات عسكرية في الكويت وألمانيا، بعد ظهور أعراض ارتجاج دماغي عليهم؛ وهو ما يتعارض مع تطمينات الرئيس الأمريكي السابقة.
وتشير التقارير الأولية إلى أنَّ إيران تعمدت عدم إصابة أماكن تمركز القوات الأمريكية؛ في محاولة لتهدئة الأزمة. وقالت القوات الأمريكية في القاعدة منذ ذلك الحين، إنها «معجزة» أنَّ الهجوم لم يُسفِر عن وقوع إصابات خطيرة. وتُظهِر مقاطع الفيديو الخاصة بوابل الصواريخ انفجارات ضخمة، كان يمكن أن تسبب موجات الصدمة الناتجة عنها ارتجاجات للجنود الأمريكيين في الملاجئ المحصنة القريبة.
فلو قُتِل أي أمريكي في الهجوم، لكان من الممكن أن يصل الصراع الأمريكي-الإيراني إلى الهاوية، ويتطور الأمر سريعاً من مواجهة متأججة إلى حرب شاملة.
ولا تزال عديد من التفاصيل الخاصة بالهجوم غامضة، لكن يبدو أنَّ ما حال دون وقوع خسائر في الأرواح خليطٌ من الحظ واتخاذ القوات الأمريكية تدابير وقائية قبل سقوط الصواريخ، بعد تحذير من الاستخبارات الأمريكية.
الحظ كان له دور
وفي هذا السياق، قال إيلان غولدنبرغ، زميل باحث قديم ومدير برنامج الأمن بالشرق الأوسط في The Center for a New American Security، في تغريدة يوم الخميس: «كلما انكشفت تفاصيل، يزيد إدراكي كم نحن محظوظون بعدم سقوط أي قتلى أمريكيين».
وأضاف غولدنبرغ، وهو مسؤول سابق في البنتاغون ركز بعمله على إيران: «اقتربنا جداً من حرب كبيرة مع إيران الأسبوع الماضي، ويبدو أنَّ الحظ كان له دور، على الأقل جزئياً، في تجنيبنا هذه الحرب».
جاء الهجوم الصاروخي الإيراني، بعد أيام قليلة من إصدار ترامب الأمر بشن غارة جوية بطائرة من دون طيار، أسفرت عن مقتل قاسم سليماني، أهم قائد عسكري في إيران.
ووافق ترامب على الغارة الجوية، في الأيام الأولى من عام 2020، بعد أن قتلت كتائب حزب الله المدعومة إيرانياً، في أواخر ديسمبر/كانون الأول، متعاقداً أمريكياً وأصابت جنوداً أمريكيين بجروح في هجوم صاروخي على قاعدة في كركوك بالعراق. ودفع الهجوم الصاروخي واشنطن إلى شن غارات جوية أسفرت عن مقتل عشرات من أفراد الميليشيا. وأعقب ذلك اندلاع احتجاجات عنيفة بمحيط السفارة الأمريكية في بغداد.
وبدا أنَّ هذه الحوادث مجتمعةً تمثل خطاً أحمر لترامب؛ وهو ما دفعه إلى إعطاء الضوء الأخضر لأكثر عملية اغتيال أمريكية إثارةً للصدمة ضد قائد عسكري أجنبي منذ الحرب العالمية الثانية. وأدت عملية قتل سليماني إلى شن الهجوم المباشر الوحيد على القوات الأمريكية أو الحلفاء والذي أعلنت إيران صراحةً مسؤوليتها عنه منذ أزمة الرهائن الإيرانية في عام 1979.
ولم تتحرك الولايات المتحدة وإيران نحو تهدئة التوترات إلا بعدما اتضح عدم سقوط أي قتلى من القوات الأمريكية في الهجوم الصاروخي.
وقال ترامب، مخاطباً شعبه في أعقاب الهجوم: «يبدو أنَّ إيران تتراجع، وهو أمر جيد لجميع الأطراف المعنية وللعالم أجمع. لم تُفقَد أية أرواح أمريكية أو عراقية، بسبب الاحتياطات المتخذة وتوزيع القوات ونظام الإنذار المبكر الذي عَمِل ببراعة».
مستويات مختلفة من التحذيرات قبل الهجوم
إذ كانت القوات الأمريكية المتمركزة في قاعدة عين الأسد الجوية بغربي العراق في حالة تأهب قصوى بعد غارة سليماني، لكن قبل ساعتين أو ثلاث ساعات تقريباً من الهجوم الصاروخي، تلقى المسؤولون تحذيراً بتوقُّع هجوم غير مسبوق على القاعدة من إيران. ومن ثم، أمر مسؤولو القاعدة، وفقاً لصحيفة Washington Post الأمريكية، القوات بالاستنفار، وقُسِّم الجنود إلى مجموعات أصغر وأُرسلوا إلى ملاجئ ومخابئ تحت الأرض.
وفي النهاية، لم يُمنَح الجنود الأمريكيون في قاعدة عين الأسد سوى 15 دقيقة للاحتماء قبل سقوط الصواريخ، حسبما ذكرت صحيفة The New York Times الأمريكية.
وفي هذا الصدد، كتب رانج علاء الدين، مدير Proxy Wars Initiative (مبادرة حروب الوكالة) في معهد Brookings Institution بالعاصمة القطرية، تغريدة في وقت سابق من هذا الأسبوع، قال فيها: «القوات الأمريكية في العراق لم تُخطَر بشأن إطلاق إيران وابل من الصواريخ سوى قبلها بدقائق. الحظ هو من أنقذ الأرواح الأمريكية»، واستمر الهجوم الإيراني ساعة، وألحق دماراً بالغاً بالقاعدة.
وأشارت التقارير الأولية عن الهجوم إلى أنَّ إيران تعمدت عدم إسقاط ضحايا بشريين؛ لتجنب إشعال حرب، لكن الإدارة الأمريكية تعلن منذ ذلك الوقت رفضها هذه الفكرة.
إذ قال وزير الخارجية مايك بومبيو، في تصريح لصحفيين، في 10 يناير/كانون الثاني، إنه «لا شك» في أنَّ إيران كانت لديها «النية الكاملة» لقتل جنود أمريكيين. بدوره، صرَّح الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، في 8 يناير/كانون الثاني، بأنَّ تقييمه الشخصي للضربات هو أنها «كانت تهدف إلى التسبب في أضرار هيكلية وتدمير المركبات والمعدات والطائرات وقتل أفراد».
من جانبه، قال المُقدِّم تيم جارلاند، قائد المهمة العسكرية Task Force Jazeera، وهو مسؤول كبير كان بالقاعدة العراقية يوم الهجوم، في تصريح لصحيفة Washington Post: «الهجوم صُمِّم ونُفِّذ لإسقاط أكبر عدد ممكن من الخسائر البشرية». وفي المقابل، قال المُقدِّم ستاكي كولمان، المسؤول عن العمليات الجوية بالقاعدة، لصحيفة Washington Post، إنها «معجزة» أنَّ أحداً لم يُصَب بجروح خطيرة.
وفي تصريح لشبكة CNN الأمريكية، قال الرقيب أكيم فيرغسون إنه خلال الهجوم على قاعدة عين الأسد، التي أصابها 11 صاروخاً: «كنت مستعداً للموت 100%».
وأضاف فيرغسون: «تشبثت ببندقيتي وحنيت رأسي إلى الأسفل، وحاولت التفكير بأفكار سعيدة؛ لذا بدأت بالتفكير في الغناء لبناتي. كل ما فعلته هو الانتظار والأمل أنَّ أياً ما سيحدث يمر سريعاً».