كيف سينقلب سلاح العقوبات علي ترامب؟
قالت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، أنالرئيس الأمريكي دونالد ترمب يزعزع أسواق حلفائه في ظل استخدامه المتزايد للعقوبات القوية، الأمر الذي يؤكد استعداده للتحرك وحيداً في السياسة الخارجية، حتى ولو على حساب عدم الاستقرار العالمي المتزايد.
فقد تلقّت الأسواق الروسية والتركية ضربة قاسية الأسبوع الماضي بعدما فاقمت العقوبات الأميركية المخاوف بشأن هشاشة الأسواق الناشئة.
وكان ترمب قد غرَّد، الجمعة 10 أغسطس، بينما كان يعلن عن رفع التعريفة الجمركية على الصلب والألومونيوم التركيين لإضافة مزيد من العقوبات إلى العقوبات المفروضة أصلاً على وزيري الداخلية والعدل التركيين، قائلاً: «تهبط الليرة التركية بسرعة مقابل عملتنا القوية جداً الدولار». وأضاف: «علاقاتنا ليست جيدة هذه الفترة».
إدمان ترمب للعقوبات
وبمجرد نشر الرئيس تغريدته، تسارع هبوط الليرة. وساهم الخلاف بين واشنطن وأنقرة حول احتجاز قس أميركي في تراجعت الليرة مقابل الدولار بنسبة 28% هذا الشهر أغسطس/آب. وتراجع الروبل الروسي 6% منذ أعلنت الولايات المتحدة عقوبات ساحقة الأربعاء 8 أغسطس على خلفية عملية التسميم التي كادت تقتل جاسوساً روسياً سابقاً في بريطانيا.
كما وتعرَّضت إيران أيضاً لضغط مالي متصاعد بعد إعادة الولايات المتحدة فرض العقوبات عقب انسحابها من الاتفاق النووي مع طهران، برغم الاعتراضات من الحلفاء المقربيين المُوقِّعين أيضاً على الاتفاق. وتراجعت العملة الإيرانية بنسبة 60% هذا العام 2018، ما أجبر البنك المركزي في البلاد على تخفيف قيود الصرف الأجنبي.
وقال وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف على تويتر السبت 11 أغسطس «على الولايات المتحدة معالجة إدمانها للعقوبات والتنمُّر، وإلا سيتحد العالم كله لإرغامها على ذلك بما يتجاوز مجرد الإدانات اللفظية»، واصِفاً عقوبات واشنطن على حليفتها في حلف شمال الأطلسي «الناتو» تركيا بأنَّها «مخزية».
تستخدم الولايات المتحدة العقوبات بصورة متزايدة منذ التسعينيات، لاسيما بعدما زاد الرئيس جورج بوش الابن نشاطه بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001.
شكل جديد من الإجراءات
وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن ترمب نقل هذا الإجراء إلى مستوى جديد، في ظل سعيه لاتخاذ قرارات تنفيذية قوية تتجنَّب تكلفة التعقيدات العسكرية وتكون مؤثرة في الوقت نفسه.
ووفقاً لشركة المحاماة العالمية Gibson, Dunn & Crutcher، أضافت وزارة الخزانة الأميركية العام الماضي 944 شخصاً وكياناً إلى قائمة العقوبات، وهو الرقم الأعلى منذ عام 2001. وقال آدم سميث، أحد الشركاء بشركة المحاماة ومسؤول العقوبات البارز في وزارة الخزانة سابقاً، إنَّ الوزارة في طريقها لإضافة ألف اسم آخر هذا العام إلى القائمة.
وقال جون سميث، المدير السابق لمكتب مراقبة الأصول الأجنبية بوزارة الخزانة والذي يعمل الآن بشركة محاماة أخرى تُدعى Morrison & Foerster: «إنَّها عاصفة مثالية تقريباً».
وأضاف: «لديك أزمات عالمية تريد الولايات المتحدة مواجهتها، ولديك كونغرس متشكك في الإدارة، لاسيما في ما يتعلق بروسيا… ولديك إدارة أكثر استعداداً لمواجهة ليس فقط الخصوم، بل والأصدقاء كذلك».
كان قرار ترمب فرض عقوبات على وزيرين بالحكومة التركية على خلفية رفض أنقرة إطلاق سراح قس أميركي يخضع للإقامة الجبرية خطوة غير مسبوقة ضد حليفٍ بالناتو، ولو أنَّ الخلاف المشحون سياسياً حول احتجاز دولة عضو بالناتو لمواطن أميركي هو أمر استثنائي بحد ذاته.
قال دانيال تانيباوم، وهو مسؤول سابق بمكتب مراقبة الأصول الأجنبية يعمل الآن في شركة PwC، إنَّ ذلك كان مثالاً على استخدام ترمب للعقوبات «كصاروخ اقتصادي» ذي تأثيرٍ فوري. وأضاف: «لديك رئيس يحب أن يحصل على نتائج سريعة، ولديك عقوبات… حتى مجرد التهديد بها يمكن أن يؤثر بصورة كبيرة على اقتصاد الطرف المُستهدَف».
هذا النهج يحيط به مخاطر
يكمن الخطر في أنَّ النهج العدواني –الذي يفتقد أحياناً للتنسيق مع الحلفاء- يُفاقِم الاضطرابات في أسواق المال، والتي يصبح من الصعب احتواؤها.
واستشهد ريتشارد نيفيو، خبير العقوبات بجامعة كولومبيا، بالعقوبات التي فُرِضَت على إمبراطور الأعمال الروسي أوليغ ديريباسكا كمثال على انتهاج الولايات المتحدة «عقلية اضرب أولاً واطرح الأسئلة لاحقاً». إذ دفع رد الفعل في الأسواق ورؤوس الأموال الأجنبية الولايات المتحدة للبحث عن طرق لتخفيف التداعيات.
وقال نيفيو إنَّ العقوبات ضد إيران قد تلقى صعوبات؛ لأنَّ حلفاء الولايات المتحدة لا يدعمونها، ما يعني أنَّه قد يكون هناك وفرة في المنافذ وسبل المراوغة من جانب الشركات.
وقال جاك ليو، وزير الخزانة في عهد إدارة أوباما، إنَّ المشاركة متعددة الأطراف ساعدت الإدارة في الضغط على إيران للجلوس على طاولة المفاوضات.
لكن الآن، وفقاً لما قاله في مقابلة، «ينظر العالم إلى السياسة الأميركية… ويجد عدم إمكانية التنبؤ بها بما يجعل هناك درجة عالية من القلق».
وأضاف بيتر هاريل، الباحث بمركز الأمن الأميركي الجديد، أنَّ إدارة ترمب «بشكل واضح أقل اهتماماً بمسألة ضمان كون العقوبات متعددة الأطراف على نحوٍ واسع مقارنةً بالإدارة السابقة».
وقال إنَّ الاستثناء الوحيد كان حالة كوريا الشمالية، حيث عمل ترمب عبر مجلس الأمن الدولي بينما كان يُعزِّز باطراد حملة ضغطه القصوى. واعترف الكثير من الخبراء –بمن فيهم بعض مسؤولي أوباما السابقين- بأنَّ الاستراتيجية ضد بيونغ يانغ نجحت في إحضار كيم جونغ أون إلى طاولة المفاوضات.
وقال دانيال فريد، وهو مُنسِّق سابق بوزارة الخارجية الأميركية حول مسألة العقوبات ويعمل الآن في المجلس الأطلسي، إنَّ هناك مخاطر على المدى الأطول تنبع من الاستخدام المفرط للعقوبات من جانب الإدارة.
فقد حفزت الإدارة، البلدان الأخرى لاستخدام عملات بديلة عن الدولار الأميركي، في محاولة من تلك الدول للالتفاف على تأثير العقوبات.
وأضاف: «إنَّنا نخاطر بأن يكون استخدامنا للعقوبات مفرطاً، والاستخدام المفرط للعقوبات بدوره سيُضعِف أداة السياسة هذه».