كيف سيحارب أردوغان العدو الذي صنعه “داعش”؟
في تغريدة له على “تويتر”، عبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن ثقته الكبيرة في أن يكمل نظيره التركي رجب طيب أردوغان مهمة “اجتثاث داعش”، قائلا إنه الرجل القادر على فعل ذلك.
لكن هذا الرجل، أردوغان، طالما لاحقته اتهامات وتقارير موثقة تفيد بدعمه للتنظيم المتطرف في سوريا، فكيف سيحارب العدو الذي ساعد في انتشاره؟
قال ترامب في تغريدته منتصف ليل الأحد، إن “أردوغان أبلغني بقوة أنه سيجتث كل ما تبقى من داعش، وهو الرجل القادر على فعل ذلك”، مضيفا أن “قواتنا عائدة إلى الوطن”.
وكان ترامب أعلن، وبشكل مفاجئ الأربعاء الماضي، عزمه سحب القوات الأميركية من سوريا، في قرار مثّل تحولا في السياسة الأميركية في المنطقة، وترك قوات حماية الشعب الكردية التي ساهمت بشكل كبير في دحر تنظيم “داعش”، عرضة للمطامع العسكرية التركية.
وفي هذا السياق، فإن الدور الذي أوكله ترامب لحليفه أردوغان، يجد ترجمة مختلفة في أنقرة، حيث لا يوجد إرهابيين في هذه المنطقة بالنسبة لها سوى الأكراد.
تركيا، التي تتقاسم حوالي 822 كيلومترا (511 ميلا) من الحدود مع سوريا، تعتبر عناصر قوات سوريا الديمقراطية تهديدا لأمنها القومي، بتحالفهم مع حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة وواشنطن إرهابيا.
وقال الخبير في شؤون الجماعات الإرهابية ماهر فرغلي لموقع “سكاي نيوز عربية”، إنه “لا يمكن الوثوق في تركيا فيما يتعلق بالحرب ضد داعش. أردوغان يستغل وجود التنظيم طول الوقت من أجل دخول الأراضي السورية ومحاربة الجماعات الكردية”، وبالتالي يمكن القول إن “وجود داعش هو مصلحة تركية في الأساس”.
فالتنظيم المتطرف حصل على مدار سنوات على مواد أولية لصنع المتفجرات وإمدادات لوجستية من 13 شركة تركية، بحسب تقرير لمؤسسة أبحاث التسلح في الصراعات نشر عام 2016.
ورفضت الحكومة التركية في بداية الأمر، الانضمام للتحالف الدولي الذي بدأ عملياته ضد “داعش” بقيادة الولايات المتحدة في سبتمبر 2014، وتذرعت بعدم المشاركة بوجود رهائنها في قنصلية الموصل في قبضة التنظيم المتطرف.
ورغم الإفراج عن رهائنها في وقت لاحق، رفضت أنقرة المشاركة في التحالف لضرب “داعش” سواء في سوريا أو العراق، وكانت تصريحات المسؤولين الأتراك تشكك دوما في حقيقة التنظيم ومن يقف وراءه.
ويضيف فرغلي: “التعامل التركي مع داعش مر بعدد من المراحل، بدأت برفض التعاون مع التحالف الدولي بذريعة أن ضرب التنظيم سيكون في صالح النظام السوري، الذي كانت أنقرة تجاهر بالرغبة في إسقاطه”.
ولا يخفى على أحد، وهنا تجب الإشارة إلى أجهزة المخابرات الغربية وتسريبات وسائل الإعلام، الدور التركي الكبير في دعم تنظيم “داعش”، وفتح الممرات الحدودية لعناصره القادمين من أوروبا وآسيا الوسطى ودول عربية، بحسب فرغلي.
وقد عثرت ميليشيات كردية وغيرها ممن سيطرت على مدينة منبج شمالي سوريا بعد طرد “داعش” منها عام 2016، على العديد من الوثائق والصور التي تؤكد علاقات تركيا مع التنظيم وغيره من الجماعات الإرهابية في سوريا.
وتظهر الوثائق تسهيل أجهزة تركية عبور مقاتلين أجانب إلى سوريا للانضمام إلى “داعش” وغيرها، وكذلك تسهيل نقل العتاد والمعدات للتنظيم سواء من تركيا أو عبرها.
ونشر الأكراد صورا لوثائق سفر لمقاتلين من دول الاتحاد السوفييتي السابق، ومن إندونيسيا وصربيا والبوسنة، دخلوا عبر تركيا منذ عام 2013 إلى سوريا.
فضيحة قافلة السلاح
وفي عام 2014، انفجرت فضيحة كبرى بوجه السلطات التركية، عندما كشفت صحيفة جمهورييت المحلية عن تورط جهاز المخابرات الوطنية التركي في توصيل أسلحة إلى مناطق في سوريا يسيطر عليها جماعات متطرفة، من بينها تنظيم “داعش”، في أواخر عام 2013 ومطلع 2014.
وذكرت وثائق قضائية أن ضباطا قالوا أمام القضاء إن الشحنات تضمنت أجزاء صواريخ وذخائر وقذائف مورتر، نقلت برفقة مسؤولين من جهاز المخابرات الوطنية.
واختارت السلطات التركية الرد على هذه الفضيحة باعتقال رئيس تحرير الصحيفة جان دوندار والحكم عليه قضائيا بالسجن 5 سنوات و10 أشهر، وسجن زميله الصحفي أردم غل 5 سنوات، بعد إدانتهما بـ”إفشاء أسرار الدولة”.
وعندما نجحت قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من التحالف الدولي في دحر “داعش” وتحرير ما اعتبرها التنظيم عاصمته في الرقة عام 2017، شنت وسائل إعلام تركية حكومية حملة تشكيك واسعة.
ويقول فرغلي: “صورت وسائل الإعلام دخول قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أميركيا إلى الرقة على أنه ناجم عن اتفاق بين التحالف وداعش”.
استحضار داعش
وفي ديسمبر 2017، حذر الرئيس التركي من أن مقاتلي التنظيم سينتقلون إلى سيناء في مصر وسيتسللون إلى دول أوروبية وذلك بعد أن نحو شهرين من تسجيل صوتي لزعيم “داعش” أبو بكر البغدادي أشار فيه إلى أن مرحلة السيطرة على المدن انتهت بالنسبة للتنظيم، داعيا أتباعه إلى شن هجمات بالسكاكين والسيارات المفخخة.
وبعد أن رسخت تركيا وجودا عسكريا لها شمالي إدلب وفي عفرين وعدد من البلدات الكردية المحاذية لحدودها، وضعت أنقرة مناطق شرق الفرات ذات الأغلبية الكردية نصب عينها، لتطلب مرارا من واشنطن الكف عن دعم قوات سوريا الديمقراطية.
ويرى فرغلي أن المرحلة الحالية تستدعي “استحضار داعش مرة أخرى لإعطاء تركيا ضوءا أخضر لتنفيذ مخططاتها في شرق الفرات ومحاربة الأكراد هناك”، محذرا من أن المرحلة المقبلة ستشهد ظهورا ميدانيا جديدا لداعش لإعطاء ذريعة أكبر للجيش التركي للعمل بحرية على الأرض السورية.