كيف ستفجر حكومة نتنياهو الجديدة مواجهات واسعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟
في ظل انشغال العالم بجائحة كورونا المدمّرة، وحرب أسعار النفط، جاء اتفاق الخصوم في إسرائيل على تشكيل حكومة وحدة وطنية بزعامة اليميني بنيامين نتنياهو مدمراً بالنسبة للفلسطينيين، إذ إن هذا الاتفاق بُني على ضم مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، تطبيقاً لما يُعرف بـ”صفقة القرن”، الأمر الذي سيُفجِّر مواجهات ساخنة في الأراضي الفلسطينية، كما يقول محللون وسياسيون فلسطينيون. فهذا الاتفاق يعني فعلياً إلغاء كل الاتفاقيات الموقّعة بين منظمة التحرير الفلسطينية، وإسرائيل، وإخضاع ما تبقّى من أراضي الضفة لتل أبيب.
والإثنين، وقَّع رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتهية ولايته، زعيم حزب “الليكود” بنيامين نتنياهو، ورئيس تحالف “أزرقـ أبيض” بيني غانتس، اتفاقاً لتشكيل حكومة وحدة طارئة، يتناوب كل منهما رئاستها، على أن يبدأ نتنياهو أولاً لمدة 18 شهراً.
علامَ ينص الاتفاق؟
ينص اتفاق تشكيل الحكومة على أنه بدءاً من 1 يوليو القادم، يكون بإمكان نتنياهو أن يقر التفاهم الذي تم إنجازه مع الولايات المتحدة -ما يسمى “صفقة القرن”- بشأن فرض السيادة على غور الأردن ومستوطنات الضفة، للمناقشة في المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) والحكومة ثم التصديق عليه.
وفي 28 يناير الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب “صفقة القرن” المزعومة، التي تتضمن إقامة دويلة فلسطينية في صورة أرخبيل تربطه جسور وأنفاق، وجعل مدينة القدس عاصمة مزعومة غير مقسمة لإسرائيل، والأغوار تحت سيطرة تل أبيب، حيث تشكل منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت حوالي ثلث الضفة الغربية.
وفي أكثر من مناسبة أعلن نتنياهو أن الضم سيشمل غور الأردن وشمال البحر الميت، وجميع المستوطنات في الضفة الغربية، وأراضي فلسطينية شاسعة في محيطها. وتشير تقديرات فلسطينية، إلى أن الضم الإسرائيلي سيصل إلى ما هو أكثر من 30% من مساحة الضفة.
ماذا يعني هذا الاتفاق للسلطة الفلسطينية؟
القيادة الفلسطينية نددت بالاتفاق، ووصفته بغير القانوني، والمتنافي مع القرارات الدولية، وقالت إنها تُجري مشاورات مع جهات دولية لمنع تنفيذه.
وقال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات، إن “أي ائتلاف حكومي إسرائيلي يقوم على ضمِّ المزيد من أرض فلسطين المحتلة، من شأنه أن يهدد السلام والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط كله أيضاً”.
وطالب عريقات، في بيان، المجتمع الدولي بتحمل مسؤوليته “لمحاسبة حكومة الاحتلال الإسرائيلي، والمطالبة بالتنفيذ الكامل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي والاتفاقيات الموقَّعة”.
وبتنفيذ نتنياهو للاتفاق، في 1 يوليو/تموز القادم، فهذا يعني ببساطة إلغاء فكرة وجود دولة فلسطينية من الأساس، حيث إن غور الأردن يمثل الحدود الشرقية للدولة التي يفترض إقامتها بموجب اتفاقيات السلام، لكن ضم تلك المنطقة التي تمثل ثلث الضفة الغربية، وضم المستوطنات الأخرى، يعني أن أي دولة فلسطينية في المستقبل لن تكون سوى جيوب منعزلة من الأراضي داخل إسرائيل.
إذن، هل تنتظر الأراضي المحتلة صيفاً ساخناً؟
يتوقع المحلل السياسي عبدالمجيد سويلم اندلاع “مواجهة ساخنة” بين الفلسطينيين والإسرائيليين، الصيف القادم، قد تمتد لأشهر، عبر مواجهات وهبَّات شعبية رافضة أي إجراءات إسرائيلية تقضي بضم الأغوار والمستوطنات.
وقال سويلم إن “معركة إسرائيل ليست سهلة، حيث ستفاجأ بردة فعل فلسطينية، ومقاومة بكل الوسائل”. واعتبر أن تنفيذ الاتفاق يعني “إنهاء الحل السياسي بصورة نهائية، وغير قابلة للإصلاح، وخلق أمر واقع جديد، لن يقبل به الفلسطينيون”.
موضحاً أن القرار الإسرائيلي “اقتصادي، يهدف للسيطرة على أهم منطقة زراعية في الضفة الغربية، بهدف محاصرة وتجويع الشعب الفلسطيني من أجل ترحيل السكان”. مضيفاً: “هذا هو التطبيق الفعلي لصفقة القرن الأمريكية”.
لماذا تخاطر إسرائيل بتطبيق هذا الاتفاق الآن؟
يقول بلال الشوبكي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، إن الحكومة الإسرائيلية تستثمر انشغال العالم بجائحة فيروس كورونا لتطبيق خطتها المنسجمة مع “صفقة القرن”، معتبراً أنه “الوقت الأمثل للمضي قدماً”.
وأضاف أنه يصعب على الحكومة الفلسطينية الإقدام على خطوات مناوئة لإسرائيل، في ظل ما تعانيه من أزمة مالية جراء مكافحة كورونا، كما فعلت مسبقاً عندما أعلنت خطة للانفكاك عن إسرائيل.
وأشار إلى أن الاتفاق الإسرائيلي، يعني عدم وجود أفق سياسي لقيام دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967، ما يعني عدم القدرة على ضمان استقرار الشارع الفلسطيني. وبالتالي “المواجهة ستصبح حتمية، وهي مسألة وقت، وقد تكون ردوداً من الفصائل الفلسطينية، أو هبَّة شعبية”.
وتوقع أستاذ العلوم السياسية زيادة ملحوظة في الاستيطان الإسرائيلي، ومنع الفلسطينيين من البناء في المناطق المصنفة “ج” (تشكل نحو 60% من مساحة الضفة، وتقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة)، وتشديدات على حياتهم اليومية.
كيف سيتم تقسيم الضفة، وما خيارات الفلسطينيين؟
جهاد حرب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت، يرى أن الاتفاق يعني “تقسيم الضفة الغربية إلى معازل مفصولة عن بعضها، والسيطرة الفعلية على مساحات واسعة، وفق ما جاء في صفقة القرن الأمريكية”.
وأضاف: “الضم الفعلي للأرض يحتاج وقتاً طويلاً، وهي مسألة معقَّدة وليست مرتبطة بإسرائيل وحدها، وتحتاج لقياس رد الفعل الدولي والفلسطيني”. معتبراً أن “البدء الفعلي بالضم يعني إلغاء الاتفاقيات السابقة مع الفلسطينيين، والتي تعني تدمير أي مفهوم لسيادة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967”.
سيكون أمام الفلسطينيين خياران، إما الخنوع أو التحلل من كل الاتفاقيات السابقة، يقول حرب: “لا أحد يمكنه التكهن بما سيحدث”.
واتفاق نتنياهوـ غانتس نابع من أطماع أيديولوجية إسرائيلية في أراضي الضفة الغربية، أكثر منها سياسية واقتصادية، بحسب حرب.
إذ إن الحكومة الإسرائيلية الحالية تسعى إلى وضع “القواعد الأولى لعملية الضم، لخلق أمر واقع وحقائق لا يمكن لأي إدارة أمريكية قادمة أن تغضَّ الطرْف عنها”.
وكان غانتس -رئيس مجلس النواب الإسرائيلي وزعيم تحالف “أزرق أبيض”- قد أعلن أنه اتفق مع خصمه السابق وحليفه اليوم نتنياهو، على تولي منصب وزير الدفاع خلال 18 شهراً في حكومة الوحدة والطوارئ التي سيُشكلها نتنياهو، على أن يخلفه في المنصب بعد هذه المدة. وكان غانتس رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إبان الحربين الأخيرتين في قطاع غزة في عامي 2012 و2014.
وسيتم تشكيل حكومة من 32 وزيراً للأشهر الستة الأولى من عهدها لمواجهة أزمة كوفيد-19، ليتم بعد ذلك توسيعها إلى 36 وزيراً، لتصبح أكبر حكومة في تاريخ البلاد.