كيف ستتفق تركيا وإيران وروسيا شرقي سوريا؟
أثار القرار المفاجئ الذي اتخذه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من شرقي سوريا، علامات استفهام كثيرة على المستوى الدولي، وخصوصا بالنسبة لروسيا وتركيا وإيران، التي لعبت دورا محوريا في البلد التي مزقتها الحرب منذ عام 2011.
وكان من الممكن أن تسير هذه الدول الثلاث وفق خط تصادمي في شرقي سوريا مع مغادرة الأميركيين، إلا أنها تتجه أكثر فأكثر صوب التفاهم لمصالح داخل سوريا وأخرى خارجها، وفق تقرير نشرته صحيفة “جيروزلم بوست” الإسرائيلية، الأربعاء.
وكانت مواقف هؤلاء اللاعبين في السابق متباعدة في سوريا، فروسيا وإيران هما الداعمين الرئيسيين لنظام بشار الأسد، في حين تدعم تركيا ظاهريا المعارضة السورية.
ومع ذلك، فإنه خلال الأشهر الأخيرة، بدت الدول الثلاث في حالة من التقارب، لأسباب كثيرة، منها معارضة الدور الأميركي بسوريا، حيث ترفض كل دولة هذا الدور لأسبابها الخاصة.
رفض الوجود الأميركي
وترفض أنقرة دور واشنطن بسبب تحالفها مع قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردي، عمودها الفقري، وتصنف تركيا هذه المنظمة على أنها إرهابية وتتهمها بالارتباط بحزب العمال الكردستاني الانفصالي داخل البلاد.
ومن جانبها، لا تريد إيران وجودا أميركيا في سوريا، ذلك أنه يقطع الطريق الاستراتيجي بين طهران وبيروت فضلا عن التوترات التي ازدادت في ظل إدارة دونالد ترامب، إذ صرح كبار مسؤوليه بأن الوجود الأميركي هناك مستمر من أجل إجبار نظام الملالي على مغادرة هذا البلد الذي مزقته الحرب.
وتعارض روسيا دور الولايات المتحدة في سوريا، على اعتبار أنه يضيق من نطاق نفوذها الذي عملت عليه كثيرا.
والآن، حشدت تركيا قوات على الحدود مع شرقي سوريا حيث تشير الولايات المتحدة إلى أنها ستنسق انسحابها مع أنقرة، التي ستنشر قواتها هناك مكان الجنود الأميركيين.
تركيا تعد العدة
وفي 12 ديسمبر، زعمت أنقرة أن تنظيم داعش الإرهابي لم يعد يشكل تهديدا في سوريا، لكن في الأيام الأخيرة، بدت تقدم رواية أخرى بشأن هجومها المزمع في سوريا، قائلة إنه يهدف إلى قتال داعش والأكراد، الأمر الذي يثير كثيرا من التساؤلات بشأن مصداقية تصريحات المسؤولين الأتراك.
وقال وزير الخارجية التركي، مولود شاووش أوغلو، إن الدوريات المشتركة الحالية مع الولايات المتحدة بالقرب من منبج ستؤدي إلى نوع من خريطة الطريق، مما يعني على ما يبدو أن تركيا أو الفصائل السورية التي تدعمها سيكون لها دور في هذه المدينة.
وقد يساعد حوالى 15000 من المسلحين السوريين الموالين لأنقرة في الهجوم التركي على المنطقة الكردية في شمالي سوريا وشرقيها. وبالفعل، فقد شوهد بعض هؤلاء المسلحين على الخط الأمامي، الاثنين.
لا للفرنسيين
وشددت وسائل الإعلام الرسمية السورية والتركية على معارضة دور فرنسا في شرق سوريا، حيث تشير الأخيرة إلى أنها ستبقى في سوريا بعد مغادرة الأميركيين.
وذكرت فصائل سورية موالية لأنقرة أنها تعارض الدور الفرنسي في سوريا، الأمر الذي يعني التفاهم على منع أي دور لطرف غير هذه الدول في شرقي سوريا.
ويقول الدبلوماسيون الإيرانيون إنهم يفهمون مخاوف تركيا بشأن وحدات حماية الشعب الكردية، لكن أي عملية يقوم بها “إخواننا الأتراك” يجب أن تتم بـ”موافقة دمشق”.
وتعارض إيران الحكم الذاتي الكردي، ولكنها أيضا ضد أي غزو تركي كبير في سوريا، وبث تلفزيونها تقارير عن علاقة بين وحدات حماية الشعب الكردي والنظام السوري، وذلك من أجل مقايضة مع الأتراك على ما يبدو.
وبالفعل، فهناك علاقات بين الطرفين، فقوات النظام موجودة في منطقتي الحسكة والقامشلي، اللتين تخضعان لسيطرة القوات الكردية.
تسهيلات روسية وسورية
أما موسكو فهدفها لعب دور الوسيط في الصفقة، كما تم في محافظة إدلب قبل شهور، فيما يسعى النظام السوري إلى استعادة أكبر مساحة من أراضي البلاد بسهولة وسرعة.
ولكي يحدث ذلك، يجب على روسيا والنظام السوري منح تركيا الإذن باستخدام المجال الجوي السوري، كما فعلوا في الماضي بالعمليات التي قادتها تركيا ضد وحدات حماية الشعب في عفرين.
المصالح المتبادلة
ويخلص تقرير الصحيفة إلى أن تركيا وإيران وروسيا ستعمل مع بعضها البعض في شرقي سوريا، واصفة ذلك بـ”التعاون المعقد”، مشيرة إلى أن المخاوف من الحكم الذاتي الكردي والمصالح الاقتصادية تستدعي الحوار لا حربا جديدة، في حين أن الأكراد يعرفون أنهم لن يستطيعوا مواجهة هذه الدول كلها وبحاجة إلى اتفاق مع جهة ما.
وهناك أيضا مصالح خارج سوريا تدفع الدول الثلاث للتفاهم بشأن المرحلة التالية للوجود الأميركي، إذ تستعد موسكو لإتمام صفقة صواريخ إس- 400 مع أنقرة، كما أن لدى تركيا إعفاءات من العقوبات المفروضة على إيران، وطهران بحاجة ماسة لعوائد هذه التجارة.