كيف ستؤثر صفقات الأسلحة على اقتصاد اليونان المتهاوي؟
قبل سنوات قليلة كانت اليونان تواجه شبح الإفلاس بعد تراكم ديونها الخارجية، ومع كارثة الوباء هذا العام وفرض إجراءات تقشف أكثر قسوة، ما يجعل التساؤل الأبرز الآن هو مدى تأثير ما أعلنت عنه أثينا من شراء أسلحة بمليارات الدولارات على اقتصادها المنهك وكيف يؤثر ذلك في صراعها مع تركيا؟
التوتر مع تركيا هو الدافع
في ظل التوترات في منطقتي إيجة وشرق المتوسط، أعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتشوتاكيس، أن بلاده ستشتري 18 طائرة حربية، و4 فرقاطات، و4 مروحيات، وستجند 15 ألف جندي إضافي، كما أعلنت إدارة أثينا، أنها تخطط لإنفاق 10 مليارات يورو على التسليح خلال 10 سنوات.
وأثارت هذه التصريحات الجدل في البلاد بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها اليونان منذ سنوات وإجراءات التقشف التي تشهدها، ورغم ذلك اتجهت أثينا إلى عقد صفقات لشراء السلاح، ويرى خبراء اقتصاديون وعسكريون، أن الاقتصاد اليوناني سيواجه شتاء قاسياً بسبب هذه الخطوة، بحسب تقرير للأناضول.
فبحسب الخبراء، ستزيد هذه الخطة العبء على الاقتصاد اليوناني الذي يعاني أصلاً من الآثار السلبية لوباء “كوفيد-19″، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي يمر بها، وطبقاً لمعلومات جمعها مراسل الأناضول من معطيات البنك الدولي، فإن الإنفاق على التسليح في اليونان بلغ أعلى مستوى له على الإطلاق عام 2009، حين بلغ 10 مليارات و64 مليون يورو.
وبحسب ذات المعطيات، كانت في اليونان أعلى نسبة للإنفاق على التسليح بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي عام 1977، وبلغت آنذاك 5,9٪، وتشير بعض الأوساط إلى أن حجم الإنفاق المرتفع على التسليح سيضر باقتصاد البلاد الذي يعاني من الأصل.
الإنفاق على السلاح سبب الأزمة
ووفقاً لمقالة للكاتب فيليب إينمان، من صحيفة الغارديان البريطانية، فإن من أسباب أزمة الديون اليونانية التي بدأت أواخر 2009 ولا تزال آثارها مستمرة حتى الآن هو “الخلاف المستمر منذ سنوات مع تركيا”، ووفقاً للمقالة، فإن “نسبة الإنفاق على الدفاع للناتج المحلي بلغت 2,1 بالمئة عام 2011، عندما كانت اليونان تعاني من تداعيات الأزمة الاقتصادية، في حين بلغت هذه النسبة لدى بلدان الاتحاد الأوروبي من أعضاء الناتو خلال تلك الفترة 1,6٪”.
أما جيرمي بيندر، من مجلة “بيزنس انسايدر فيرى” الاقتصادية العالمية فقال، إن “هناك ثلاثة أسباب وراء رفع اليونان حجم إنفاقها العسكري حتى في أوقات الأزمات”، وأوضح بيندر، أن الأسباب هي “نفقات الأفراد، وجيوبوليتيكا المنطقة (الجغرافيا السياسية)، والضغوط السياسية”.
بينما يشير خبراء الدفاع اليونانيين إلى أن النفقات العسكرية المبالغ فيها، سببها رغبة أثينا في موازنة قوتها العسكرية مع تركيا.
نفقات بـ 5 مليارات يورو
ويقول خبير سياسات وتكنولوجيا الدفاع والفضاء والطيران أردا مولود أوغلو، للأناضول، إن اليونان “بدأت تشعر بتحسن طفيف في الاقتصاد خلال السنوات الخمس الأخيرة مع حزمة الإنقاذ ذات الشروط القاسية والتدابير المطبقة عقب الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي شهدتها في 2008-2009”.
اليونان “خلال تلك الفترة علقت بنسبة كبيرة مشروع التسليح الضخم الذي بدأته بعد العام 1996″، ورغم ذلك، بحسب مولود أوغلو، “كانت أقل نسبة للإنفاق العسكري في البلاد حتى في وقت الأزمة 2,33٪ من الناتج القومي، ولم يقل حجم الإنفاق عن 4,8 إلى 5 مليارات يورو”.
ويوضح مولود أوغلو أن “التحسن في الاقتصاد اليوناني تضرر بسبب وباء كوفيد-19، وأن عائدات السياحة تراجعت بسبب التوتر بين أثينا وأنقرة في إيجه وشرق المتوسط”.
أسلحة لأغراض سياسية
ويلفت مولود أوغلو إلى أن “مشاريع التسليح، والتحديث التي أعلن عنها رئيس الوزراء اليوناني، هي خطط ومشاريع معلقة منذ 10 سنوات”، مضيفاً: “كان من المنتظر، أن يتم الحديث عنها مجدداً خلال فترة قصيرة”، لافتاَ إلى أن “توقيت وطريقة الإعلان عن ذلك، لها غرض سياسي”، ويشير الخبير التركي، إلى أن اليونان “ترى تركيا على أنها التهديد الخارجي الأول لها”.
وحول ما يتعلق بالعوامل التي تكمن خلف إنفاق اليونان على الدفاع يقول: “إن الدولة في تصورها السياسي والعسكري ترى أن المنافسة الإقليمية مع تركيا، ومحاولاتها مع موقف أنقرة هي العامل الحاسم”.
وعلاوة على ذلك، وفق مولود أوغلو: “ألاحظ في الفترة الأخيرة أن الاتحاد الأوروبي يسعى لتحديد الهوية الجيوسياسية لليونان”، مضيفاً: “ألاحظ كذلك أن اليونان تعمل على وضع نفسها في الجبهة الأمامية، أو خط الدفاع الأول ضد تركيا، من خلال برنامج التعاون الهيكلي الدائم بين الدول الأعضاء”.
“يبدو في الفترة الأخيرة أيضاً أن التطورات الجيوسياسية في شرق المتوسط، وكذلك سير العلاقات التركية بدول الجوار، أدى إلى أن الاتفاق العسكري بين اليونان ومصر وإسرائيل يتطور سريعاَ لتطويق الخناق على تركيا”.
وعند ترتيب هذه الأمور وراء بعضها البعض، بحسب مولود أوغلو، “نجد أن إنشاء قوة ذات قدرة عالية والحفاظ عليها، وخاصة فيما يتعلق بالقوات الجوية، والبحرية يعد شرطاً مهماَ لليونان”.
وحول ما إذا كان أولئك الذين يمدون اليونان بمنتجات الصناعات الدفاعية يعملون على إثارة التوتر بين البلدين يقول مولود أوغلو، “كان لدى اليونان سوق مهم للغاية للصناعات الدفاعية العالمية استمر لعقود، وذلك بسبب منافستها الإقليمية مع تركيا”.
ويضيف: “كانت كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وألمانيا من أهم الموردين في هذه السوق”، موضحاَ أن اليونان “تتقرب كثيراَ إلى فرنسا، وأنه يمكن أن تتم عملية الشراء منها”.
صفقة طائرات “F-35”
كما أنه وبالنظر إلى شرق البحر المتوسط، بحسب مولود أوغلو، “سنجد أن الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تقوية علاقاتها مع إدارة قبرص الرومية، واليونان، وفي هذا الإطار من المتوقع أن تزيد المبيعات الأمريكية لليونان”، متابعاً: “لذلك فإنه من المتوقع، أن يتم الاتفاق على صفقات لبيع طائرات F-35 (الأمريكية) قريبًا”.
ويشير إلى أنه “ينبغي أيضاً أن ندرج إسرائيل ضمن قائمة الدول التي تبرز كشريك في الصناعات الدفاعية، والتعاون العسكري لليونان في السنوات الأخيرة”، ووفق مولود أوغلو: “قامت اليونان مؤخراً باستئجار طائرات درون طراز (هيرون) من إسرائيل، ويمكن أن يعقب هذا مشتريات أخرى لأنظمة مختلفة”.
ويلفت إلى أن اليونان “تميل نحو عمليات الشراء، والتحديث المتواضعة إلى حد ما، بسبب الركود الذي أصاب اقتصاداتها مؤخراً، ولكنها تزيد من نشاطها وقدرتها على المناورة دون شك”، كما يؤكد مولود أوغلو أن هذا الأمر “يجب أن يتم إعادة تقييمه في إطار الهوية الجيوسياسية الأوروبية الجديدة، وليس من خلال منظور اليونان، وبحر إيجة فحسب”.
شتاء قاسٍ على اليونان
من جهته، يقول عضو هيئة التدريس بجامعة “بيلكنت” ديمتريس تساروهاس، للأناضول، إن اليونان “زادت من إنفاقها العسكري مرة أخرى، بعد أن كان قد انخفض لفترة طويلة”.
ويوضح أن “عمليات الشراء التي أعلن عنها رئيس الوزراء اليوناني ميتسوتاكيس مؤخراً، تستهدف استثماراً في القدرة العملياتية للجيش”، مضيفاً أن “تصاعد حدة التوتر بين اليونان وتركيا في الفترة الأخيرة سيؤثر بشكل كبير في هذا الأمر”.
تساروهاس أشار إلى أن “نسبة إنفاق اليونان على المنتجات الدفاعية، تتناسب مع التوتر الموجود في علاقاتها مع تركيا”، مؤكداً أن هذا الأمر “يتعلق في الوقت نفسه بالتزامات اليونان لحلف الناتو بالإنفاق الدفاعي”.
ويوضح الأكاديمي التركي أن الحكومة اليونانية “تعتمد على التخفيضات الضريبية لزيادة الطلب المحلي، وذلك إلى جانب اعتمادها على ما يقدمه صندوق الإنقاذ بالاتحاد الأوروبي من دعم”، ويخلص تساروهاس إلى أن “الاقتصاد اليوناني يواجه شتاءً صعباً للغاية، شأنه في هذا شأن دول أخرى”.