كيف دمرت إسرائيل أحلام سوريا بامتلاك سلاح نووي بدعم من كوريا الشمالية؟
«يجب عدم السماح أبداً لدولةٍ مُعادية بامتلاك أسلحةٍ نووية». هذا مبدأ أساسي في سياسة إسرائيل الأمنية وضعه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيجن في نهاية السبعينيات من القرن الماضي.
وحتى يومنا هذا، تحاول إسرائيل التصرف وفقاً لذلك المبدأ، لا سيما في ما يتعلق بإيران. فمنذ سنواتٍ عديدة يتكهَّن المحللون العسكريون في جميع أنحاء العالم بشن ضربةٍ جوية إسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية.
ولكن هل سلاح الجو الإسرائيلي قادرٌ على تنفيذ تلك العملية؟
تقول مجلة “ذا ناشيونال انتريست” الأمريكية إن سلاح الجو الإسرائيلي نجح حتى الآن مرتين في شنِّ ضرباتٍ حاسمة ضد برامج نووية لدولٍ معادية لإسرائيل: في العراق عام 1981، وفي سوريا عام 2007.
ففي نهاية عام 2006، اكتشف جهاز (الموساد) موقع بناء مشبوهاً في منطقةٍ نائية شمال شرق سوريا بالقرب من نهر الفرات على بعد 30 كم من محافظة دير الزور. وكانت منطقة البناء مغطاة بسقفٍ ضخم منع الرؤية من الأعلى.
وتضيف المجلة الأمريكية أنه كان من الواضح أنَّ السوريين يحاولون جاهدين إخفاء شيء ما هناك. واشتبه جهاز المخابرات الإسرائيلي آنذاك في وجود برنامج نووي سري في الموقع.
جنرال إيراني سابق كشف السر!
وسرعان ما تأكد هذا الشك عن طريق مصدرٍ إيراني رفيع المستوى غير متوقع، وهو الجنرال علي رضا عسكري الذي كان مستشاراً أمنياً للرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، وشغل منصب نائب وزير الدفاع عدة سنوات. ولكن بعد انتخاب محمود أحمدي نجاد رئيساً لإيران في عام 2005، فقد مكانته، لذا هرب إلى الولايات المتحدة في فبراير من عام 2007.
إذ قدَّم عسكري آنذاك معلوماتٍ قيِّمة للغاية، من بينها تفاصيل عن البرنامج النووي السوري الذي كانت إيران تموّله، وكانت كوريا الشمالية تساعد في بنائه. وكان البرنامج يشهد بناء مُفاعل مُهدَّئ بالغرافيت يدعى «الكبر»، كان من المفترض أن يُنتِج البلوتونيوم المستخدم في صنع الأسلحة النووية. وبدورها، أطلَعت الولايات المتحدة إسرائيل على هذه المعلومات.
وتضيف «ناشونال إنترست» أنه في الواقع اتضح أنَّ الرئيس السوري بشار الأسد أجرى اتصالاتٍ مع كوريا الشمالية في وقتٍ مبكر من يونيو/حزيران من عام 2000 بشأن بناء مفاعل.
وتاريخياً، يعد التعاون في مجال الأسلحة بين كوريا الشمالية وسوريا وثيقاً، إذ ساعد النظام الكوري الشمالي الشيوعي سوريا بالفعل على تطوير أسلحةٍ كيماوية في الماضي.
وفي عام 2002، وصلت أول مكوناتٍ كورية شمالية وأول فنيين وعلماء كوريين شماليين إلى سوريا. بيد أنَّ أعمال البناء أُخفِيَت جيداً، وكان أي اتصالٍ بالخارج محظوراً تماماً.
فيينا.. «حماقة» مسؤول سوري كشفت كل شيء
وسعياً لتأكيد هذه التقارير المثيرة للقلق، تقول المجلة الأمريكية، إن الموساد الإسرائيلي فتَّش غرفة إبراهيم عثمان، مدير لجنة الطاقة النووية السورية آنذاك، في أحد فنادق فيينا في مارس من عام 2007. وكان عثمان قد ترك حاسوبه المحمول في غرفته دون اكتراث، لذا كان فريسةً سهلة لعملاء المخابرات الإسرائيلية الذين نسخوا بيانات قرصه الصلب.
وقد تجاوزت البيانات التي حصلوا عليها كل التوقعات. إذ أظهرت عشرات الصور الملونة المبنى من الداخل. ولم يعد هناك شكٌّ في أنَّ السوريين كانوا يبنون مفاعلاً نووياً بمساعدة كوريا الشمالية. حتى أنَّ إحدى الصور ظهر فيها تشون تشيبو، الخبير النووي الكوري الشمالي البارز.
واقتنع الموساد بأنَّ الهدف الوحيد للبرنامج النووي السوري هو صناعة أسلحة نووية. وقد أظهرت الصور أيضاً أنَّ المفاعل كان على بعد بضعة أشهر فقط من دخول مرحلة الاستعداد التشغيلي. ولو كان ذلك المفاعل قد بدأ العمل، لكان من الصعب شن غارة جوية عليه بسبب التهاطل النووي. لذا كان لزاماً على إسرائيل أن تتحرك بسرعة!
عملية «البستان».. أمريكا لم تكن راضية تماماً
تضيف المجلة الأمريكية في روايتها أنه حالما تيقنت إسرائيل بدرجةٍ كبيرة من أنَّ سوريا كانت على وشك تنشيط مفاعل نووي، ناقشت الخطوات التالية مع واشنطن. وأطلَع وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، عمير بيرتس، نظيره الأمريكي روبرت غيتس في 18 أبريل على الاكتشاف الذي توصَّل إليه الموساد.
بيد أنَّ جورج بوش الابن، الرئيس الأمريكي آنذاك، كان حذراً. فبعد كارثة وسائل الإعلام في العراق، وأسلحة الدمار الشامل المزعومة التي لم يُعثَر عليها في أي مكان، أرادت إدارة بوش تجنُّب وقوع أي خطأ آخر.
ومع ذلك، فحصت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية النتائج الإسرائيلية، ووافقت على التفسير الذي توصَّلت إليه إسرائيل. لكنَّ بعض كبار المسؤولين في إدارة بوش كانوا متشككين، خوفاً من تصعيدٍ آخر لا يمكن السيطرة عليه في الشرق الأوسط. فالولايات المتحدة كانت مُثقلة بالفعل بأعباء حربيها في العراق وأفغانستان.
وفي يونيو/حزيران من عام 2007، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود أولمرت، البيت الأبيض. وقال بصراحةٍ للرئيس الأمريكي بوش إنَّ إسرائيل قد تتصرف تصرُّفاً فردياً ضد المشروع النووي السوري، في حال رفضت الولايات المتحدة العملية. وبعدما ألمح بوش إلى أنَّه لن يقف أمام أي إجراء إسرائيلي فردي، بدأ الجيش الإسرائيلي بالتخطيط التشغيلي لشن غارةٍ جوية محدودة ضد المنشأة النووية السورية.
وبالفعل تسللت فرقة سايرت ماتكال، التي تُعتبر من أبرز وحدات القوات الخاصة الإسرائيلية، إلى سوريا، وجمعت معلوماتٍ استخباراتية في موقع البناء النووي.
ساعة الصفر.. وفشل التصدي الكبير
وفي 5 سبتمبر من العام نفسه، بعد أسابيع من المناقشات السياسية السرية في مجلس الأمن الإسرائيلي، حصل الجيش الإسرائيلي على الضوء الأخضر لتنفيذ عملية «البستان». وفي مساء اليوم نفسه، أقلعت 10 مقاتلات من طراز إف 15 وإف 16 من قاعدة رامات ديفيد الجوية الإسرائيلية.
في البداية، حلَّقت الطائرات شمالاً على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، ثم تحوَّلت فجأة باتجاه الشرق على طول الحدود السورية التركية. ثم دخلت المجال الجوي السوري بعدما نجحت في تعمية أنظمة الدفاع الجوي السورية بإجراءاتٍ مضادة إلكترونية وتدمير إحدى محطات الرادار.
وفي حوالي الساعة 12:45 صباحاً، أبلغ الطيارون القيادة بنجاحهم في تنفيذ العملية. لقد دُمِّر المفاعل النووي السوري قبل أن يبدأ العمل. وعادت الطائرات الحربية الإسرائيلية إلى قواعدها سالمة.
وفي اليوم التالي، ذكرت وكالة الأنباء السورية الرسمية أنَّ طائراتٍ مقاتلة إسرائيلية دخلت المجال الجوي السوري. وبعدما اكتشفت أنظمة الدفاع السورية الطائرات، أسقطت ذخائرها في الصحراء وانصرفت دون التسبُّب في أي ضرر. وفي الواقع، لم يُطلق الدفاع الجوي السوري أي صاروخٍ حتى!
إذ أخذت إسرائيل في اعتبارها أنَّ الصواريخ السورية كان بإمكانها ضرب عدة مواقع حسّاسة في إسرائيل. لذا خطط الجيش الإسرائيلي لتنفيذ العملية بأقل قدرٍ ممكن من التدخُّل العدواني، حتى لا يمنح الأسد ذريعةً كافية للرد.
اغتيال مهندس البرنامج
وبعد الغارة، التزمت إسرائيل الصمت. ولحُسن حظها، سار كل شيء وفقاً لخطتها. إذ حفظ الأسد سمعته بإنكار وجود برنامج نووي، وبذلك لم يستطع شن ضربةٍ مضادة. وأثناء ذلك، كانت بقية دول العالم في حيرةٍ بشأن ما حدث بالفعل في تلك الليلة في سبتمبر من عام 2007.
وبعد إتمام المهمة، اغتالت وحدة شايطيت 13 الإسرائيلية الجنرال محمد سليمان في الأول من أغسطس من عام 2008. إذ أطلق فريقٌ من القناصة النار عليه أثناء تناوله العشاء في فيلته المُطلة على البحر.
وكان العميد سليمان مستشاراً أمنياً رفيعاً لبشار الأسد، وكان وسيطاً مؤثراً لمصلحة البرنامج النووي السوري، والشخص المسؤول عن الاتصال مع الجانب الكوري الشمالي.
هل تعتزم إسرائيل تطبيق خطة مماثلة ضد إيران؟
ما زالت إسرائيل تتبِّع مبدأ بيغن. لذا ترى بالتأكيد أنَّ إيران تُمثِّل التهديد الأقرب الأشد إلحاحاً. وفي الواقع، إذا امتلكت إيران القدرات العسكرية النووية، ستشكل تهديداً متعدد الأبعاد.
فبادئ ذي بدء، قد تشن إيران هجوماً مباشراً. وبالإضافة إلى ذلك، قد تقع أنظمة الأسلحة النووية في أيدي بعض وكلاء إيران المحليين، لا سيما حزب الله. أمَّا من وجهة نظر إقليمية، فمن المحتمل أن يسفر امتلاك إيران أسلحة نووية عن سباق تسلُّح في الشرق الأوسط.
وفي أحسن الأحوال، سيؤجِّل الاتفاق النووي الإيراني، الذي جرى التفاوض بشأنه في عام 2015 للحد من البرنامج النووي الإيراني والسيطرة عليه، هذه المشكلة مؤقتاً.
وتضيف «ناشونال إنترنست»، مع ذلك فعند التفكير في توجيه ضربة عسكرية ضد المنشآت النووية الإيرانية، يجب الأخذ في الاعتبار أنَّ العملية العسكرية في سوريا كانت أبسط بكثير من تنفيذ عملية مماثلة الآن في إيران. ففي سوريا، كان الهدف تدمير موقع واحد فقط، أمَّا في إيران، فسيتعين ضرب عدة منشآت، كل منها خاضع لحراسة مشددة من جانب الدفاع الجوي فضلاً عن أنَّها منتشرة في جميع أنحاء البلاد.
بل إنَّ بعض المواقع موجودة تحت الأرض وستتطلَّب قنابل خاصة مصصمة لاختراق الأرض. وعلاوةً على ذلك، فالمسافة بين إسرائيل وإيران تستلزم التزوُّد بالوقود جواً. بالإضافة إلى أنَّ المنشآت النووية الإيرانية تعمل بالفعل. لذا سيؤدي تدميرها إلى تلوثٍ خطر. وكذلك ستكون مخاطر الأضرار الجانبية الشديدة مرتفعة.
وفي النهاية، ربما ستواجه إسرائيل بالتأكيد ضرباتٍ مضادة قوية من جانب حلفاء إيران المحليين، لا سيما حزب الله. ورغم كل شيء، فالعملية العسكرية -حتى إذا نجحت- قد تؤخِّر البرنامج النووي، لكنَّها بالتأكيد لن تغير نيات النظام في طهران.