كيف دفعت حماس إسرائيل إلى حافة الفوضى الانتخابية؟
مازالت استقالة وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان في 14 نوفمبر تصنع مأزقا صعبا أمام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يواجه فوضى انتخابية وشيكة، بينما عليه أن يوازن بين ما تبقى من حكومته الائتلافية الهشة، وتعرضه لضغوط من أجل تعيين نفتالي بينيت، رئيس حزب البيت اليهودي، وزيراً جديداً للدفاع.
وكتب سيث فرانتزمان المحرر بصحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية مقالا في مجلة The National Interest الأميركية، قال فيه إن الاستقالة «أدت إلى غرق السياسة الإسرائيلية في حالة من الفوضى، بينما حققت حركة حماس، التي دأبت على تحدي إسرائيل بالاحتجاجات وإطلاق الصواريخ من غزة منذ ستة أشهر، الآن ما تعتبره انتصاراً. وعلى الرغم من عجزها عن اختراق الدفاعات الإسرائيلية حول غزة، فإنَّها قد تتسبب في إسقاط الحكومة».
قلق نتنياهو الحقيقي هو التهديد الإيراني في سوريا ولبنان
منذ عام 2011، ضربت إسرائيل 300 هدف في سوريا، مائتين منهم خلال العامين الماضيين، حسب تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية. وحذرت إسرائيل أيضاً من شبكة حزب الله المتنامية من مصانع ومنشآت الصواريخ في لبنان. ويكرر الإعلام الإسرائيلي أن الصواريخ الباليستية الإيرانية أصبحت أكثر دقة، ويزعم أن إيران تنقل هذه الصواريخ دقيقة التوجيه إلى حزب الله، كما ذكرت Jeusalm Post.
ويرى فرانتزمان إن على إسرائيل العمل بجهدٍ مضاعف للتوصل إلى طريقة لمواصلة مواجهة التهديد الإيراني في سوريا، بعد نقل روسيا منظومة صواريخ S-300 المضادة للطائرات إلى سوريا، وحذّرت في أواخر الشهر ذاته من أنَّ أي «هجمات متهورة» من جانب إسرائيل لاختبار منظومة الدفاع الجوي. يضيف أن «نتنياهو زار سلطنة عمان مؤخراً، وزار وزراء إسرائيليين دولة الإمارات العربية المتحدة في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني. وهذا يشير إلى انفراجة في العلاقات الإسرائيلية مع الخليج، ويُمثِّل جزءاً من الإستراتيجية الإقليمية الشاملة لمواجهة إيران».
إذن، آخر ما تريده إسرائيل هو حرب برية صعبة في غزة
يذكّر فرانتزمان إلى أشرف نتنياهو بالفعل على حرب عام 2014 في غزة، وعملية عمود السحاب عام 2012، واللتين لم تحققا شيئاً يُذكَر باستثناء إضعاف إمكانيات حماس. كانت تلك الصراعات إلى حدٍ كبير نتيجة لاستيراد حماس الأسلحة والكفاءات عن طريق التهريب من سيناء، مُستغلة بذلك فوضى الربيع العربي، حسب تعبيره.
وفي هذا السياق المُعقَّد جاءت استقالة ليبرمان، الذي ساعد في إدارة ميزانية إسرائيل الدفاعية البالغة 19 مليار دولار وساعد في تأمين اتفاق المساعدات العسكرية الأميركية السنوية بقيمة 3.8 مليار دولار، والذي وُقِّع وقاد عمليات تسليم أول مقاتلات F-35، ودرس أيضاً القيام بعمليات شراء إسرائيلية جديدة لسرب من طائرات إف 15 وطائرات مروحية جديدة.
لكن ليبرمان وجد نفسه في عزلة سياسية بوزارة الدفاع
يصف عيران ليرمان، نائب رئيس معهد القدس للدراسات الإستراتيجية، والنائب السابق لمدير السياسة الخارجية والشؤون الدولية في مجلس الأمن القومي في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، ليبرمان بأنه معزول من جانب حكومة نتنياهو الأمنية التي تدعم وقف إطلاق النار. وكان من بين من أيد وقف إطلاق النار جهاز الموساد، وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، ورئيس أركان الجيش. في موقف كهذا، أصبح دور ليبرمان كوزير للدفاع أقل أهمية، واختار الاستقالة لكي يظهر أكثر تشددا من نتنياهو تجاه غزة، كما يضيف مقال The National Interest.
وسيكون لهذا دور فعال في الانتخابات المقبلة، التي ستُجرى في وقتٍ ما العام المقبل، لأنَّ الكثير من الإسرائيليين في الجنوب، الذين تأثروا بالصواريخ، يعتقدون أنَّ إسرائيل يجب أن تُوجِّه ضربة قوية لحماس.
ادعاءات حماس بـتحقيق «النصر» ليست مجرد عبارات جوفاء
يرى الكاتب أن حماس لم تحقق انتصاراً عسكرياً، لكن الإطاحة بوزير الدفاع الإسرائيلي هو نوع من الانتصار، لأنه يُظهر أن حماس يمكنها خضخضة سياسات إسرائيل على أعلى المستويات، بعد سنوات من عجزها عن إحداث شرخ في الحلقة الحديدية من الأسوار الأمنية والدفاعات الصاروخية حول غزة.
وينقل الكاتب عن نفتالي بينيت، زعيم حزب البيت اليهودي، إنه يريد حقيبة وزارة الدفاع. لكن بينيت، مثل ليبرمان، سيرغب في أن يكون وزير دفاع يتمتع باستقلالية. وهذا من شأنه أن يتحدى نتنياهو مجددا من أجل فعل المزيد في غزة. ويرى الكاتب أن رئيس الوزراء أيضاً يمكن أن يضطلع بمهام وزير الدفاع بنفسه، وهو ما فعله بعض رؤساء الوزراء الإسرائيليين السابقين. لكنَّ نتنياهو يتولى منصب وزير الخارجية بالفعل، والكيفية التي سيتعامل بها مع المناصب الثلاثة العليا، التي تُركِّز الكثير من السلطة في يديه، غير واضحة.
لو عجز نتنياهو عن التعامل مع عدم الاستقرار تبدأ فوضى انتخابية
بالنظر إلى اهتمام نتنياهو بالإستراتيجية الإقليمية الحالية، فإنَّ الانتخابات ستكون بمثابة إلهاء آخر لهو في رأي الكاتب. وهذا الإلهاء كان هو بالضبط ما يحاول نتنياهو تجنُّبه في غزة، لكنَّه قد يحدث بشكل آخر الآن. وسيجد نتنياهو، الذي قضى حوالي عشر سنوات في السلطة، صعوبة في الفوز في انتخابات أخرى. إنَّه يريد الحفاظ على إرثه، وإرغامه الآن على إجراء الانتخابات واضطراره المحتمل إلى ترك منصبه سيكون أمرا مُهينا.
ويختم الكاتب مقاله بأن استقالة ليبرمان تسببت في إصابة السياسة الإسرائيلية الآن بحالة من الفوضى العابرة في مرحلةٍ حاسمة تمر بها المنطقة. «وتعتقد حماس أنَّها حققت مزية، وقد تحاول استغلال تلك المزية إلى أقصى درجة، أو تسعى للتدخل إذا اعتقدت أنَّ بإمكانها تحقيق شيء وسط حالة عدم الاستقرار التي يمر بها ائتلاف نتنياهو».
بدأت جولة العنف الأخيرة بعملية إسرائيلية فاشلة
يوم الأحد 11 نوفمبر/تشرين الثاني، تعرضت وحدة خاصة تابعة للجيش الإسرائيليلمشكلات خلال «مهمة استطلاع أو عملية مراقبة حساسة». وأثناء تبادل لإطلاق النار مع حماس قرب مدينة خان يونس، قُتِل ضابط إسرائيلي رفيع، وفي غارات جوية لاحقة، قُتِل سبعة فلسطينيين أيضاً، بينهم أحد كبار قادة حماس.
تلاحقت الأحداث في اليوم التالي، وعزَّزت إسرائيل إجراءات الأمن حول قطاع غزة. فتحرَّكت حاملات الجند المدرعة إلى الحدود. وعند الغسق، أطلقت حماس قذيفة مضادة للدبابات من طراز كورنيت على حافلة تقل جنوداً، وأطلقت أكثر من 460 صاروخاً على إسرائيل، أسفرت عن مقتل رجل في عسقلان. واعترض نظام القبة الحديدية الدفاعي الإسرائيلي معظم الصواريخ التي كانت متجهة إلى البلدات والمدن القريبة من غزة. وسقطت صواريخ أخرى في مناطق مفتوحة. وردَّ الجيش الإسرائيلي بضرب 160 هدفاً.