كيف تستعمل إسرائيل مقياس “رختر” لوصف اهتزازات الشارع العربي؟
دعونا نترك للحظة الـ 333 شاهداً ونوجه نظرة إلى ما يجري في منطقتنا. ثمة مظاهرات واضطرابات دموية في لبنان والعراق وإيران. في السنة الماضية شهدنا مظاهرات في مصر، والسودان، والجزائر. وتتواصل المظاهرات الحالية منذ أسابيع عديدة وفيها شيء ما خاص يميزها عن المظاهرات والهزة التي شهدها العالم العربي منذ 2011، في ما وصف بالربيع العربي.
وبحسب صحيفة “معاريف” العبرية، أن القاسم المشترك في كل المظاهرات التي شهدها العالم العربي منذ 2011 وحتى الآن، هو الوضع الاقتصادي السيئ، والبطالة العالية وتحديداً للشباب، وغلاء المعيشة وربما فوق كل ذلك فساد الأنظمة وعفنها. ولكن في مظاهرات الماضي برز، إلى جانب الاحتجاج الاقتصادي، الدعوات الأيديولوجية: المطالبة بديمقراطية النظام في الدولة وحقوق الإنسان أو الدعوة بأن “الإسلام هو الحل”.
وبالفعل، فإن الهزة التي بدأت في 2011، جلبت إلى الحكم في مصر، بطريقة ديمقراطية ظاهراً، “الأخوان المسلمين” وأخرجت إلى هواء العالم الإسلام المتطرف في صورة داعش.
وليس هذا فقط، بل إن الهزة التي بدأت في 2011 أدت إلى تفكيك الدول العربية: ليبيا تفككت إلى دولتين، ومثلها اليمن، في حرب تستمر حتى هذه اللحظة. كما أن سوريا هي دولة مفككة. رغم أنه لا يزال فيها حكم مركزي ظاهراً، إلا أن الشمال أخذ منها، وبات حكام الدولة الروس والإيرانيين.
إن الاضطرابات الجارية اليوم في لبنان والعراق، وبقدر ما في إيران أيضاً، تختلف عن اضطرابات الماضي، في موضوعين مركزيين: الأول، لا يسمع فيها المطلب للديمقراطية وحقوق الإنسان النابعة منها. ليس فيها أيديولوجيا ليبرالية أو إسلامية، بل معارضة ورغبة في إسقاط النظام الفاسد، دون الخروج في خطة مرتبة بالنسبة للمستقبل. في إيران يخرجون ضد نظام رجال الدين، ولكن لا يقولون ماذا يريدون بدلاً من نظامهم القمعي. ما تريده الجماهير الآن، في الدول الثلاث، هو تحسين الوضع الآن، بشيء ما جديد.
الثاني، وصدقه محصور للعراق ولبنان: تطرح لدى المتظاهرين المطالبة بالحفاظ على سيادة الدولة وتعزيزها، في ظل انتقاد إيران (وفروعها) وتدخلها في ما يجري في الدولة. الظاهرة الأبرز في العراق هي أن الشيعة في الجنوب والوسط هم الذين يخرجون ضد إيران الشيعية. بمعنى أن الهوية الوطنية العربية – العراقية لمعظم الشيعة أقوى من هويتهم الدينية الشيعية. أما في لبنان، الذي هو “أم” الطائفية، فإن مطلب المتظاهرين ليس التفوق الطائفي بل هو أمر ما فوق طائفي، حكومة تكنوقراط. حكومة كهذه تمس، بحكم طبيعتها، بمكانة حزب الله الشيعي المسيطرة، والذي يقاتل رجاله في صالح إيران في كل أرجاء الشرق الأوسط.
بكلمات أخرى، العراق هو بوابة الهيمنة الإيرانية في الهلال الخصيب، ولبنان هو القاعدة لحرب فتاكة ضد إسرائيل. في المكانين الحرجين هذين توجد معارضة محلية للرعاية الإيرانية، إسرائيل وروسيا على حد سواء تمنعان إيران، حالياً، من التموضع العسكري بشكل مكثف وفتاك.
اللعبة في هذه الأثناء لصالح إسرائيل، ولكن من الصعب التصديق بأن إيران سترفع اليدين. بل العكس. العقل يقول إنها ستعمل بوحشية في العراق كي تسيطر على البوابة لمواصلة تموضعها في سوريا.
وفي هذه الأثناء، لا ينبغي أن ننسى جارنا الأردني، الذي يفصل برياً بيننا وبين العراق. فقد نجا من الهزة التي بدأت في 2011، ولكنه يقف على سند متهالك، كلما تحرك هزل أكثر، وهكذا يصبح مناهضاً لإسرائيل أكثر.