كيف تستعد أطراف الصراع في ليبيا للحرب القادمة؟
يُعد المقاتلون الليبيون العدة لصراع طويل.. مع تدفق الأسلحة من الخارج، وإغلاق رجال القبائل موانئ النفط، وتصارع الفصائل المتناحرة على عائدات الخام في البلد الذي يقبع فوق أكبر احتياطيات للنفط في إفريقيا.
وتشير هذه التحركات إلى احتدام العداء في حرب قد تؤدي إلى تفاقم عدم الاستقرار بالمنطقة، وزيادة تدفق المهاجرين من الشرق الأوسط وإفريقيا بعد عشر سنوات تقريباً من سقوط معمر القذافي في عام 2011.
ومن فيلته الكبيرة في شرق ليبيا، يتوقع الزعيم القبلي السنوسي الزوي المزيد من المتاعب في البلد مترامي الأطراف، الذي يشهد منذ سنوات نزاعاً بين حكومتين متنافستين، إحداهما في الغرب معترف بها دولياً، والأخرى في الشرق تنازعها على السلطة.
والزوي حليف للواء المتقاعد خليفة حفتر، قائد الميليشيات المدعوم الذي يسعي للسيطرة العاصمة طرابلس.
وتغلق قبيلة الزوي موانئ النفط وتقاوم دعوات الولايات المتحدة والأمم المتحدة لاستئناف تدفق الخام، وهي مصدر الدخل الحيوي لليبيا، الذي يخضع لسيطرة حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دولياً، وهي خصم لحفتر.
ومقابل فتح الموانئ، يطالب الزوي حكومة الوفاق، التي تتمركز على بعد 1000 كيلومتر في طرابلس، بتحويل قدر أكبر من الإيرادات لأبناء قبيلته. ويشير إلى أن القادم قد يكون أسوأ إذا ما رفضت حكومة الوفاق ذلك.
يقول الزوي، رئيس المجلس الأعلى لقبائل الزوي التي تعيش قرب منشآت النفط في شرق ليبيا: “لسنا سعداء بما حصل، ولكنْ لدينا تصعيد جديد، في حالة لم يستمع لنا المجتمع الدولي”.
وقال لرويترز في مدينة بنغازي بشرق ليبيا: “سيكون هناك تصعيد كبير، لدينا أشياء أخرى.. في حينها العالم يعرف ما هو تصعيد”، لكنه لم يحدد ماذا يعني.
سباق على التسلح
تمثل المواجهة بشأن النفط واحداً من عدة عوامل يمكن أن تطيل أمد الصراع المستمر منذ عام تقريباً للسيطرة على العاصمة، حيث حصلت حكومة الوفاق الوطني الشهر الماضي على دعم تركيا العسكري.
ويتنافس المقاتلون على إعادة التسلح، وتلقوا شحنات السلاح قبل وبعد موافقة الداعمين الأجانب على فرض تطبيق هدنة في قمة عُقدت في ألمانيا في يناير/كانون الثاني. ويقول دبلوماسيون إن تدفق المدفعية المتطورة والمقاتلين والمستشارين يمثل خرقاً لتعهدات قُطعت في برلين باحترام حظر التسلح.
ويوم الخميس الماضي، دعا مجلس الأمن الدولي إلى وقف لإطلاق النار، لكن روسيا، وهي أحد داعمي حفتر، امتنعت عن التصويت. واعتبر دبلوماسيون هذا إشارة إلى أن موسكو قد لا تلتزم بوساطة سياسية تحت قيادة الأمم المتحدة.
أوقفت قوات حفتر وداعموها الأجانب الضربات الجوية على العاصمة. لكن دبلوماسيين وخبراء غربيين يقولون إن هذا لا ينبع من رغبة حقيقية في السلام، ولكن بسبب الدفاعات الجوية الأفضل التي قدمتها تركيا.
وقال الدبلوماسيون إنه قبل تدخّل تركيا كان المسؤولون في طرابلس يشعرون بذعر من احتمال أن يخسروا العاصمة.
كما ساعد المقاتلون الذين أرسلتهم تركيا في تبديد المكاسب الصغيرة التي حققها جيش حفتر، وأعادوا الخطوط الأمامية إلى ما كانت عليه تقريباً بعد بدء هجوم ميليشيات حفتر في أبريل2019.
ويُقدر عدد القوات التركية بين 200 و500، بما في ذلك القوات الخاصة والقوات التقليدية ومشغّلو الطائرات المسيّرة.
وذكر دبلوماسي غربي أن “الجانبين يستعدان للمعركة القادمة”.
ولطالما انهارت الدبلوماسية تحت معول الشكوك المتبادلة.
يقول طاهر السني، سفير حكومة الوفاق لدى الأمم المتحدة: “في كل مرة نتوصل فيها إلى أي نوع من الاتفاق… رأينا دائماً نفس النمط”. وتابع: “إنه أشبه بكسب الوقت، ثم قرر (حفتر) استخدام القوة”.
ووفقاً لبيانات تتبع الرحلات الجوية ومصدر أمني، أرسلت تركيا شاحنات ثقيلة عن طريق البحر، في حين نقلت الإمارات 89 شحنة جواً بلغ مجموعها 4680 طناً مترياً بين 12 يناير و16 فبراير. ولم ترد دولة الإمارات على طلب للحصول على تعليق.
السيطرة على الثروة النفطية
تعلن المدافع الكبيرة التي وصلت حديثاً عن وجودها، إذ دوّى قصف المدفعية بعيدة المدى الذي يُلقى باللوم فيه على جيش حفتر في وسط المدينة لأول مرة هذا الأسبوع.
وبعيداً عن معركة طرابلس التي أدت إلى نزوح 150 ألف شخص على الأقل، تحول الصراع إلى السيطرة على الثروة النفطية. وأغلقت القوات المتحالفة مع حفتر الموانئ لمدة شهر، مما تسبب في خسائر بلغت نحو 1.4 مليار دولار.
ويعيد الحصار للأذهان شكاوى من الإهمال والتجاهل تعود إلى عهد القذافي، الذي عاقب الشرق على معارضته له خلال سنوات حكمه الطويلة.
وتقول المؤسسة الوطنية للنفط إنها محايدة وتتعامل مع كل الأطراف في الصراع، وتُلقي باللوم على قوات حفتر في إصدار أوامر مباشرة بإغلاق المنشآت النفطية.
وفشلت ضغوط القوى الدولية والأمم المتحدة حتى الآن في إقناع حفتر بإعادة فتح الموانئ وحقل الشرارة الجنوبي، وهو أكبر حقول النفط الليبية.
وقال دبلوماسي أمريكي كبير إنه من المهم توزيع إيرادات النفط بالتساوي، وهو أمر قال إنه يجب مناقشته في المحادثات الاقتصادية الليبية التي تقودها الولايات المتحدة ضمن وساطة للتغلب على الانقسامات.
ولم يكشف أي من الطرفين عن حجم ما ينفقه على الصراع.
وأصبحت حكومة طرابلس أقل اعتماداً على النفط من ذي قبل، حيث إنها توفر نحو ثلث الميزانية من خلال رسوم تفرضها على جميع المعاملات الخاصة بالعملة الصعبة.
جمود يلوح في الأفق. أحبط حفتر يوم الجمعة الآمال في التوصل لهدنة قائلاً إنه “لا سِلم إلا بهزيمة الميليشيات المسلحة” التي تسيطر على طرابلس. من جانبها تطالب طرابلس جيش حفتر بالانسحاب لمسافة ألف كيلومتر شرقاً، وهو ما يرفضه حفتر.
وقال وزير الداخلية في حكومة الوفاق فتحي باشاغا: “هنا نرى جيداً أنه لن يتحقق وقف إطلاق النار دون عودة هذه القوات من حيث أتت”.