كيف تخطط الصين للفوز بسباق الفضاء على السطح المضيء؟
مع نزول مهمة الفضاء الأمريكية أبولو 11 فوق سطح القمر، اقترح مركز مراقبة المهمة في هيوستون على رواد الفضاء أن ينتبهوا لوجود «فتاة صينية جميلة تدعى تشانج-آه»، التي -بحسب الأسطورة الصينية- صعدت إلى القمر منذ آلاف السنين، وأخذت أرنباً كبيراً معها كرفيق لها. ورَدَّ رائد الفضاء باز ألدرين مازحاً قبيل هبوطه التاريخي هو ونيل أرمسترونغ على سطح القمر قائلاً: «سأنتبه لفتاة الأرنب إذن».
بعد مرور ما يقرب من خمسين عاماً، قد يرى أحد رواد الفضاء وهو يحدق من مركبته الفضائية تجسيداً عالي التقنية للأسطورة الشعبية القديمة، إذ أصبح مسبار «تشانج-آه 4» الصيني هذا الشهر أول مسبار يصل إلى الجانب المعتم من القمر، وفي الجوار، تستكشف عربة «أرنب اليشم» -التي تدخل في حالة سبات أثناء الليل على سطح القمر- هذه المنطقة المجهولة التي لم يخط عليها أحد من قبل.
إلى أين سيصل الطموح الصيني؟
تُظهر هذه المهمة طموح الصين في أن تصبح واحدة من القوى الكبرى في العالم في مجال استكشاف الفضاء. وبحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية، جعلت الصين القمر منطقة مثيرة للاستكشاف مجدداً، من خلال بثها للصور الأولى التي ترصد الجانب المعتم الغامض للقمر عن قرب.
لم تكشف بكين عن المبلغ الذي تنفقه على برنامجها الفضائي، ولكنَّها تهدف إلى بناء محطة فضائية وقاعدة على القمر، بالإضافة إلى إرسال مسبار إلى المريخ بحلول عام 2020، وتنفيذ مهمة إلى المشتري بحلول عام 2029.
هناك وكالات فضاء أخرى، ربما شجعها ما تقوم به الصين، قد أظهرت اهتماماً متجدداً بالقمر، ومن المعتزم هبوط رواد فضاء آخرين من الولايات المتحدة والهند واليابان وروسيا على سطح القمر خلال العقد القادم. ولكن ما الدافع وراء نهضة استكشاف القمر هذه؟
ما سر الاهتمام المثير مؤخراً؟
يرى جيمس كاربنتر، وهو عالم في أحد المشروعات في فريق استكشاف القمر التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، أنَّ الاهتمام الأخير بالقمر يتجاوز الأهداف العلمية البحتة، إذ يقول: «هناك دافع طويل الأمد يتعلق بالتواجد البشري المستمر في الفضاء. إذا أردنا في أي وقت أن نعيش ونعمل بطريقة دائمة ومستدامة اقتصادياً خارج كوكب الأرض، فإنَّ هذا يتطلب منَّا أن نتعلم كيفية استخدام الموارد التي نجدها هناك».
وتشمل دوافع التوجه إلى الفضاء لفترات أطول استخراج موارد قيِّمة من القمر أو الكويكبات، وكذلك التحضير لسيناريو «قارب النجاة» عندما يصبح عالمنا غير صالح للعيش.
وفي مؤتمر صحفي، قال المسؤولون إنَّه ستكون هناك ثلاث مهمات أخرى بعد مهمة تشانغ آه- 5، وهي مهمة لإعادة عينات من القمر. تأمل الصين أن تضع من خلال مهمة تشانغ آه- 8، الأساس لقاعدة بحثية، بما في ذلك بناء المنازل على تربة القمر باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد.
وصرح وو ويرين، كبير مصممي مهمة تشانغ الفضائية، للتليفزيون الصيني قائلاً: «استكشاف العالم المجهول هو من الطبيعة البشرية. الصين في طريقها إلى أن تصبح دولة قوية في مجال الفضاء».
الإعداد للعيش في الفضاء!
التحضير للعيش في الفضاء هو عنصر كبير في البرنامج الصيني. شملت حمولة تشانغ آه-4 تجارب لفحص وجود الماء في تربة القمر، فضلاً عن صوبة زراعية مصغرة لاختبار قدرة النباتات والحشرات على البقاء في حالة ضعف جاذبية.
بالعودة إلى الأرض، أجرى الطلاب في جامعة بيهانغ في بكين تجربة لمدة عام واحد، تُسمى Lunar Palace 1، حيث كان الطلاب يقيمون في ظروف شبيهة بالظروف على سطح القمر. عاش الطلاب داخل وحدة نمطية، حيث كانوا يزرعون البطاطس والقمح والخضراوات، ويعتمدون على الأكسجين والمياه التي أُعيد تدويرها في إطار «نظام دعم الحياة الإحيائي».
الصين ليست وحدها في طموحاتها على سطح القمر. ستحاول مركبة روسية، من المقرر لها الهبوط في عام 2022، الحفر في منطقة القطب الجنوبي للقمر والنظر في إمكانية استخراج الموارد، بينما تخطط وكالة الفضاء الأوروبية لإجراء تجارب لتجميع الماء والأكسجين.
وتخطط أيضاً وكالة الفضاء الأمريكية «ناسا» للقيام بأول مهمة لها حول القمر خلال نصف قرن في عام 2023.
هل الصين متقدمة في سباق القمر؟
أدت آفاق تنافس الصين والولايات المتحدة وأوروبا لإنشاء مواقع لها على القمر واستغلال موارده إلى الحديث عن سباق فضائي جديد، يرى البعض أنَّ الصين متقدمة فيه الآن.
لكن جون لوغسدون، الأستاذ الفخري في العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، قال إنَّ الكثيرين بالغوا في تقدير إنجازات الصين الأخيرة. ويصفها بأنَّها متواضعة نسبياً عند مقارنتها بمهمة New Horizons التابعة لوكالة ناسا، وهي أول رحلة تقوم بتنفيذ عملية تحليق تتخطى أحد أجسام حزام كايبر، أو مهمة Hayabusa 2 اليابانية، والتي من المقرر أن تهبط على أحد الكويكبات في الشهر المقبل وتُحضر عينات إلى الأرض. وقال: «إنجاز الصين مثير للإعجاب، لكنَّه ليس أمراً جوهرياً أو مختلفاً عما تفعله الدول الأخرى».
بالنسبة للوغسدون، فإنَّ السؤال الرئيسي حول كيفية سير المرحلة التالية من استكشاف الفضاء هو ما إذا كانت الصين ستصبح متعاونة مع دول أخرى أو ستواصل منافستها. ويقول: «إنَّها حقاً مسألة أوسع تخص العلاقات الصينية الأمريكية بشكل عام. هل سيصبح البلدان متنافسين وأنداداً في المجالات العسكرية والاقتصادية والتقنية، أم سيجدون طرقاً للعمل معاً؟ ما يحدث في الفضاء يُهوِّل الأمر».
لعبة ربح وخسارة
يقول الخبراء إنَّه من المرجح أن تظل البلدان الأخرى حذرة بشأن التعاون مع الصين، على الرغم من بعض الخطوات الإيجابية مثل إدراج أدوات على متن مركبات مهمة تشانغ آه- 4 من تصميم فرق في السويد وألمانيا.
وقال جيمس لويس، النائب الأول لرئيس مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن ومدير برنامج سياسات التكنولوجيا بالمركز: «إنَّ سمعة الصين بسرقة التكنولوجيا تضر بفرص التعاون. ترى الصين نفسها منافساً عندما نتحدث عن الحاجة إلى وضع يعود بالنفع على الجميع، وهي علامة على أنَّهم يعتقدون أنَّنا بصدد لعبة ربح وخسارة، حيث يمكن أن يكون هناك فائز واحد فقط».
لأنَّ الجيش الصيني المعروف باسم جيش التحرير الشعبي الصيني، يشرف على غالبية المهمات التي تقوم بها الصين في الفضاء، هناك أيضاً مخاوف حول هدف الصين لنشر أنظمة فضائية لجمع المعلومات بشكل أكثر فاعلية من خصومها، أو حجب قدرة أعدائها على القيام بالشيء نفسه.
وبغض النظر عن الطريقة التي تتم بها العلاقات الدبلوماسية في الفضاء، يقول كاربنتر إنَّ الدول والشركات التي تستثمر في الفضاء يجب أن تعمل على وضع قواعد أساسية لاستكشاف القمر وما وراءه.
وأضاف: «من الأمور التي تعلمناها من حياتنا على كوكب الأرض أنَّنا يجب أن نتعلم كيفية إدارة الموارد بطريقة مستدامة وأخلاقية. هذا أمر سيكون بالتأكيد جزءاً من المناقشات المستقبلية من قبيل كيف نحقق ذلك بطريقة مسؤولة في المستقبل، وكيف نقوم بتطوير القواعد ونظم الإدارة والأطر القانونية لضمان قيامنا بذلك».