كيف تحولت إفريقيا لأكبر بؤرة للمرتزقة في العالم؟
عندما أراد رئيس موزمبيق فيليب نيوسي، العام الماضي، مساعدةً دولية لمواجهة التمرد شمال موزمبيق، أبدت عديد من الشركات العسكرية الخاصة استعدادها لتلبية النداء. اختار نيوسي مجموعة “فاغنر” الروسية التي تعهدت بإنجاز مهمة القضاء على المتمردين في وقت قصير. لكن بعد مقتل عدد كبير من رجالها، انسحبت المجموعة تجر أذيال الخيبة، كما تقول مجلة The Economist البريطانية.
بعد انسحاب المجموعة الروسية، استعانت الحكومة مكانها باستئجار شركة ذات أصول مختلفة تماماً: “مجموعة ديك للاستشارات العسكرية” Dyck Advisory Group (DAG)، بقيادة العقيد المقيم في جنوب إفريقيا، ليونيل ديك. خدم ديك في جيش رودسيا، الدولة التي حكمتها الأقلية البيضاء الجنوب إفريقية، وتشكل المنطقة التي تعرف حالياً باسم زيمبابوي بعد الاستقلال عام 1980. في السبعينيات، عندما كان ديك لا يزال في الخدمة، اعتادت القوات العسكرية لرودسيا مهاجمةَ موزمبيق والقواعد التي كانت تنطلق منها المجموعات المتمردة التي كان حزب “جبهة تحرير موزمبيق” (Frelimo) بقيادة نيوسي يستضيفها. لكن الزمن يتغير، وكذلك التحالفات.
وعلى الرغم من اتفاقية الأمم المتحدة التي تحظر تجنيد المرتزقة، فإن زمن انتهاء الاستعانة لم يحِن بعد منذ ستينيات القرن الماضي. ويعتقد بعض المحللين أن عددهم الآن في إفريقيا بات أكبر من أي وقت مضى. لقد خدم بعض أفراد المرتزقة الأجنبية في قوات خاصة معروفة بوحشيتها إبان فترة أفول الحكم الأبيض في جنوب إفريقيا. ومنذ ذلك الحين، عمل كثيرون منهم في العراق وأفغانستان قبل أن يعودوا بالقرب من موطنهم القديم؛ لمطاردة ذكريات الماضي.
دعم الحركات الانفصالية والانقلابات
في السنوات التي أعقبت استقلال معظم البلدان الإفريقية، كان المرتزقة يشتهرون بدعمهم الحركات الانفصالية والتحريض على الانقلابات العسكرية والمشاركة فيها. وهكذا رأيناهم يقاتلون لمصلحة مويز تشومبي في دولة كاتانغا التي حاولت الانفصال عن الكونغو في مطلع الستينيات، وفيما يسمى بجمهورية بيافرا عندما سعت للانفصال عن نيجيريا في أواخر الستينيات. ومؤخراً، حاول سيمون مان، المرتزق الضابط السابق في القوات الخاصة البريطانية، الإطاحة بديكتاتور غينيا الاستوائية الغنية بالنفط عام 2004، لكنه فشل وانتهى به المطاف في السجن.
لطالما غضَّت الحكومات الغربية الطرفَ عن نشاط المرتزقة الذين يعملون في خدمة مصالحها التجارية. ومع ذلك، فإن روسيا بات يُنظر إليها في الوقت الحاضر، على أنها الدولة الأبرز فيما يتعلق بالاستعانة بالمرتزقة لدعم نفوذها وممارسة تأثيرها في المناطق التي تستهدفها. وهي تستعين في ذلك بمجموعة فاغنر في المقام الأول، ومؤسس المجموعة هو يفغيني بريغوزين، المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. بعد مدة وجيزة من لقاء نيوسي مع بوتين في موسكو العام الماضي، مُنحت شركة “فاغنر” عقداً لإرسال مرتزقة إلى موزمبيق، التي تمتلك حقول غاز غنية وتعمل على تطوير أكبر مشروع للطاقة في إفريقيا.
كما عُيّنت مجموعة فاغنر لدعم عدد من الأنظمة الإفريقية المتداعية. فقد حاولت الحفاظ على ديكتاتورية عمر البشير الملطخة بالدماء في السودان. ومع ذلك، فقد أطاحت به احتجاجات كبيرة، العام الماضي. وفي عام 2018، وصل مئات من مرتزقة فاغنر إلى جمهورية إفريقيا الوسطى لحراسة مناجم الألماس، وتدريب الجيش وتوفير الحراسة الشخصية للرئيس المتأزم، فوستين أرشينغ تواديرا. وفي غينيا، حيث تمتلك شركة “روسال”، عملاقة صناعة الألومنيوم الروسية، حصة كبيرة من إنتاج البلاد، وقفت قوات فاغنر إلى جانب الرئيس ألفا كوندي، الذي واجه بقمع دموي، الاحتجاجات ضد دستور جديد يسمح له بالاستمرار في ولاية ثالثة في منصبه.
إفريقيا أكبر خزان للمرتزقة، وآخر محطاتهم ليبيا
أمَّا في ليبيا، وعلى الرغم من الحظر المفروض على تصدير الأسلحة إلى الأطراف المتنازعة في البلاد، فقد أوردت التقارير أن شركة “فاغنر” نشرت 800 إلى 1200 من المرتزقة التابعين لها، لدعم اللواء المتمرد، خليفة حفتر، الذي كان يحاول الإطاحة بالحكومة المعترف بها أممياً. وفي 26 مايو، قالت “القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا” إن روسيا عمدت إلى نقل مقاتلات حديثة إلى ليبيا، لتقديم دعم جوي لمرتزقة فاغنر الموجودين على الأرض. ونشرت القيادة صور أقمار صناعية تزعم أنها تُظهر مقاتلات تابعة لروسيا في قاعدة الجفرة الجوية الليبية. ومع ذلك، فشلت “فاغنر” بليبيا أيضاً على ما يبدو، بعد أن أُجبر مئات من رجالها على الانسحاب من مواقع تمركزهم.
عادة ما تقول الشركات العسكرية الخاصة، إنها تسد الثغرات الأمنية التي من شأنها أن تؤدي إلى إحداث أو مفاقمة الفوضى. وفي جمهورية إفريقيا الوسطى، على سبيل المثال، اضطرت فرنسا إلى سحب جميع قوات حفظ السلام التابعة لها تقريباً في أواخر عام 2016، تاركةً قوة أممية ومجموعة أوروبية صغيرة للاضطلاع بمهام التدريب والحفاظ على النظام. وعلى النحو نفسه، بالكاد حققت قوات فاغنر نتائج أفضل.
لماذا تستعين بعض الدول أو الحكومات بالمرتزقة؟
للمرتزقة ثلاث صفات رئيسة تدفع المستعين بها إلى الاتجاه إليها بديلاً عن الجيوش النظامية:
أولاً، إنها تعطي معقولية لإمكانية التظاهر بعدم الانتساب رسمياً إلى الدولة التي ينتمي أفرادها إليها. فباستخدام قوات مرتزقة، بإمكان الحكومة الروسية، على سبيل المثال، رعاية أعمال عسكرية في الخارج والتظاهر في الوقت نفسه بأنها ليست مسؤولة عن القوات التي تقوم بها.
ثانياً، غالباً ما تكون قوات المرتزقة على قدر من الفاعلية ويتمتع أفرادها بخبرات ومرونة وقدرات عالية على المناورة.
ثالثاً، قوات المرتزقة أرخص وأقل تكلفة من الجيوش النظامية. وفي حين يتلقى الجنود النظاميون عقوداً ومعاشات تقاعدية مدى الحياة، فإن المرتزقة غالباً ما ترتبط أجورهم بمهماتهم الحالية. كما أنها أفضل قيمة من جهة الفاعلية بالمقارنة مع الأسلحة الثقيلة باهظة الثمن التي تستوردها الحكومات الإفريقية في كثير من الأحيان، ولا يُتاح لها استخدامها كثيراً في مواجهة الخصوم.
يقول الكولونيل تيم كولينز، وهو قائد عسكري مخضرم شارك ضمن القوات البريطانية في الحملة على العراق وأدار بعدها شركة عسكرية خاصة في أفغانستان: “مقابل الأموال التي تنفقها بريطانيا على المشروبات الكحولية في عيد الميلاد، بإمكان هذه الشركات تزويد الحكومات الإفريقية بقوة قارية”.
حتى الأمم المتحدة تستخدم المرتزقة!
وعلى الرغم من معارضتها تجنيد المرتزقة على الورق، فإن الأمم المتحدة لا تنفك تخفف موقفها من التعاقد معهم في الآونة الأخيرة. وباتت لديها الآن مدونة للقواعد الخاصة بكيفية تنظيم عملهم، كما استخدمتهم هي نفسها للمساعدة في أشياء، مثل توفير الدعم اللوجيستي وتحييد الألغام الأرضية وتدريب الفرق الأمنية. ويعتقد كريس مواجا، وهو نيجيري يرأس “فريق العمل الأممي المعني باستخدام المرتزقة” التابع للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أن قوات المرتزقة يمكن أن تكون مفيدة طالما تخضع لـ”المعايير الدولية الملزمة”. وقد باتت بعض الشركات العسكرية الخاصة الآن تقبل التوقيع على بنود أخلاقية مكتوبة في عقودها.