كيف تجعل أمريكا تل أبيب متفوقة عسكرياً على جيرانها جميعاً؟
تعود قصة ضمان الولايات المتحدة الأمريكية للتفوق العسكري الإسرائيلي على الجيوش العربية مجتمعة إلى اتفاقية بين البلدين يرجع تاريخها إلى عام 1950، ولا تزال واشنطن تصر على الحفاظ على ذلك التفوق النوعي لإسرائيل عسكرياً رغم توقيع اتفاقيات سلام مع مصر والأردن ومؤخراً اتفاقيات التطبيع مع الإمارات والبحرين، فما تفاصيل تلك القصة؟ وماذا تعنيه؟
دعم أمريكي غير مشروط منذ نشأة إسرائيل
يرجع تاريخ التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية إلى عام نشأة الدولة العبرية ذاتها 1948، حيث كانت أمريكا أول دولة تعترف رسمياً بإسرائيل، ومنذ ذلك الوقت وقّع الطرفان العديد من الاتفاقيات في جميع المجالات، وبصفة خاصة المجال العسكري تضمن حصول تل أبيب على أحدث الأسلحة الأمريكية وأكثرها فتكاً، إضافة إلى التكنولوجيا الخاصة بتلك الأسلحة وهو ما مكن إسرائيل من أن تصبح القوة العسكرية الأبرز في منطقة الشرق الأوسط.
واستمر الدعم الأمريكي لإسرائيل فقط في جميع المجالات منذ نشأتها وحتى توقيع أول دولة عربية معاهدة سلام مع تل أبيب عام 1979 والمقصود هنا مصر، التي أصبحت تحصل على دعم عسكري أمريكي أيضاً بموجب اتفاقية كامب ديفيد، التي نصت أيضاً على حصول إسرائيل على دعم عسكري سنوي يزيد عما تحصل عليه مصر بصورة لافتة.
وبعد أن وقّعت الأردن على اتفاقية وادي عربة للسلام مع إسرائيل عام 1994، انضمت المملكة الهاشمية لمصر وإسرائيل في الحصول على دعم عسكري سنوي من الإدارة الأمريكية ليصبح العدد 3 دول تحظى بذلك النوع من الدعم، وتلتهم أيضاً السلطة الفلسطينية في الحصول على الدعم الأمريكي بعد توقيع اتفاقيات أوسلو، لكن طبيعة الدعم الأمريكي للفلسطينيين مختلفة بالطبع، حيث إنها عبارة عن تجهيزات ومعدات أمنية للسلطة تساعدها مكافحة “الأنشطة المعادية لإسرائيل” داخل الأراضي الفلسطينية.
كم تدفع أمريكا دعماً عسكرياً لدول المنطقة؟
تقدم الولايات المتحدة سنوياً مساعدات عسكرية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قيمتها 6.5 مليار دولار، تحصل منها إسرائيل وحدها على أكثر من النصف (3.3 مليار دولار)، وتحصل مصر على 1.4 مليار دولار والأردن على 1.3 مليار دولار، و600 مليون دولار لباقي الدول من بينها السلطة الفلسطينية التي تحصل على مساعدات “أمنية” تهدف إلى مساعدة السلطة على تنفيذ التزاماتها الأمنية تجاه إسرائيل، وتوقفت تلك المساعدات بعد قرار ترامب نقل السفارة الأمريكية للقدس عام 2017، بحسب التقرير الرسمي على موقع الكونغرس الأمريكي.
وتعكس هذه الأرقام مقولة تتردد في المنطقة والعالم منذ نشأة إسرائيل وهي أن “الولايات المتحدة تضمن تفوق إسرائيل عسكرياً على الجيوش العربية مجتمعة”، على الرغم من أن هذه المقولة ليست منصوصاً عليها بشكل رسمي في أي اتفاقيات بين تل أبيب وواشنطن، وذلك بالطبع كي تحتفظ الولايات المتحدة بعلاقاتها الاستراتيجية مع بعض الدول العربية وخصوصاً السعودية ومصر.
لكن منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، أصبح واضحاً أن هناك فصلاً تاماً من جانب الإدارة الأمريكية بين الدعم المطلق لإسرائيل من جهة وبين علاقات أمريكا مع الدول العربية من جهة أخرى، بعد أن أصبحت قضية فلسطين لا تعني الكثير بالنسبة لمعظم الأنظمة العربية، حيث أصبحت إيران تمثل العدو الرئيسي لدول الخليج باستثناء قطر، وهو ما جعل من تل أبيب حليفاً لتلك الدول، وهو السياق الذي تم من خلاله الإعلان مؤخراً عن اتفاقيات التطبيع بين الإمارات والبحرين والبقية في الطريق، كما قال ترامب.
ما أبرز الأسلحة لدى إسرائيل دون العرب؟
لا تعتبر طائرات الشبح الأمريكية F-35 هي السلاح الوحيد الذي يضمن التفوق العسكري النوعي لإسرائيل، فسلاح الجو الإسرائيلي يضم أيضاً طائرات F-15 التي طورتها مصانع الأسلحة الإسرائيلية بالتعاون مع نظيراتها الأمريكية وتطلق عليها إسرائيل “الرعد”، والتي يعتبرها خبراء التسليح واحدة من أكثر الطائرات الحربية قوة وتنوعاً في المهام القتالية حول العالم، بحسب تقرير لموقع The National Interest الأمريكي.
كما تعتبر “القبة الحديدية” أو نظام الدفاع المضاد للصواريخ والذي يمتلكه إسرائيل ولا تمتلكه أي من الدول العربية نقطة تفوق عسكري نوعي أخرى تتمتع بها الدولة العبرية ولا تمتلكها الجيوش العربية في المنطقة، فعلى الرغم من شراء السعودية لنظام باتريوت الصاروخي من الولايات المتحدة – وهو نفس النظام الصاروخي الذي تم تطويره للقبة الحديدية – فإنه لا يقارن بالقبة الحديدية الصاروخية التي تمتلكها إسرائيل.
الحديث هنا بالطبع عن التفوق الإسرائيلي النوعي في التسليح التقليدي وامتلاكها أنواعاً من الطائرات وأنظمة الدفاع الصاروخي لا تبيعها الولايات المتحدة لحلفائها العرب الذين يشترون أسلحة أمريكية بمليارات الدولارات سنوياً، لكن النقطة الأبرز التي تضمن تفوق إسرائيل هي بالطبع الأسلحة النووية التي تمتلكها الدولة العبرية دون الاعتراف رسمياً أو الإنكار رسمياً، في إطار سياسة “الغموض النووي” التي تنتهجها تل أبيب بالتحالف مع الولايات المتحدة.
ضمان التفوق العسكري وتوقيته الغريب
بالعودة إلى “ضمان أمريكا التفوق العسكري لإسرائيل في المنطقة”، نجد أن الحديث عنه بصورة علنية من جانب المسؤولين الأمريكيين قد تزامن مع الإعلان عن اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، وهو ما يرى فيه كثير من المراقبين تناقضاً في الرسالة التي كان يفترض بذلك الاتفاق أن ينشرها في المنطقة، فإذا كان التوصل لتلك الاتفاقيات يعني تحقيقاً للسلام في الشرق الأوسط، بحسب تصريحات ترامب وصهره جاريد كوشنر، فلماذا الحديث عن التفوق العسكري إذن؟ ولماذا تخشى إسرائيل من حصول “حلفائها” العرب على أسلحة أمريكية متطورة؟
والقصة هنا تتعلق برغبة الإمارات الحصول على طائرات F-35 الشبح الأمريكية وهي السلاح المحظور على أي دولة عربية الحصول عليه، في إطار الاستراتيجية الأمريكية الضامنة للتفوق العسكري النوعي لإسرائيل، لكن ترامب وعد ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد ببيع الطائرة الشبحية للإمارات، وهو ما رفضه نتنياهو في نفس يوم الإعلان عن اتفاق التطبيع.
وأصبحت قصة حصول الإمارات على الطائرة الشبحية حديث الساعة، فأمس الثلاثاء 22 سبتمبر أعلن وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر خلال استقباله نظيره الإسرائيلي بيني غانتس في واشنطن أنّ الولايات المتّحدة ستحافظ على تفوّق إسرائيل العسكري في الشرق الأوسط، في وقت تخشى فيه الدولة العبرية من احتمال شراء الإمارات مقاتلات إف-35 الأميركية المتطوّرة.
وقال إسبر أمام جانتس في البنتاجون: “أريد بادئ ذي بدء أن أقول للجميع إنّ إحدى الدعائم الأساسية لعلاقاتنا الدفاعية هي الحفاظ على التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل في المنطقة”، مضيفاً أنّ “الولايات المتّحدة ملتزمة بذلك، ووزارة الدفاع تحترم هذا الالتزام”، متعهّداً بـ”مواصلة دعم السياسة الأمريكية القديمة القائمة على الحفاظ على أمن إسرائيل”.
وعلى الرغم من أن الولايات المتّحدة تضمن الحفاظ على “التفوّق العسكري النوعي” لإسرائيل في الشرق الأوسط منذ عقود، فإنه قد تمّ تعزيز هذه السياسة قبل عامين فقط بقانون ينصّ على أن تضمن الإدارة الأمريكية عند بيعها أي سلاح لدولة أخرى في المنطقة احتفاظ إسرائيل بالقدرة على الدفاع عن نفسها إذا وقع هذا السلاح في الأيدي الخطأ.
وقبيل ساعات من توقيع الاتفاق التاريخي أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنّ “لا مشكلة” لديه في بيع هذه المقاتلات المتطوّرة إلى الإمارات، في موقف عارضه بشدّة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، محذّراً من أن صفقة كهذه قد تقوّض التفوّق العسكري لبلاده في المنطقة، وسبق لإسرائيل أن عارضت بيع هذه المقاتلات إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، بما في ذلك الأردن ومصر اللتان تربطها بهما اتفاقيات سلام.
ويرى كثير من المحللين أن إثارة نقطة التفوق الإسرائيلي العسكري في هذا التوقيت تعني ببساطة أن إسرائيل لا تزال تتعامل مع الدول العربية على أنها أعداء تحتاج لأن تحمي نفسها منهم رغم توقيع اتفاقيات سلام مع الدول التي خاضت حروباً ضدها كمصر والأردن واتفاقيات تطبيع كامل للعلاقات مع دول لم تحاربها أصلاً، وهو ما يثير شكوكاً حول جدوى اتفاقيات التطبيع في تحقيق السلام بين إسرائيل وجيرانها العرب.