كيف تأثرت اللغتان الإسبانية والبرتغالية باللغة العربية بعد 800 عام قضاها المسلمون في الأندلس؟
كما تعتبر اللغة الإنجليزية لغة عالمية اليوم، حيث إنها اللغة الثانية لمعظم متحدثي اللغات في العالم، كذلك كانت اللغة العربية يوماً ما.
وبالرغم من أن أبناء الوطن العربي فقط هم مَن يتحدثون اللغة العربية اليوم، إلا أن أثرها في لغات أخرى كالإسبانية والبرتغالية لا يزال بارزاً.
أصول اللغتين الإسبانية والبرتغالية
تنحدر اللغتان الإسبانية والبرتغالية من عائلة اللغة الرومانسية (نسبة إلى روما)، والتي تندرج أساساً من اللاتينية.
اللغة اللاتينية المحلية هي التي كانت سائدة في العصور الوسطى بين النصارى الإسبان.
كان ذلك إبان فتح المسلمين للأندلس، أو شبه الجزيرة الإيبيرية التي تتكون من إسبانيا، والبرتغال، وأندورا ومنطقة جبل طارق.
كيف دخلت العربية إلى شبه الجزيرة الإيبيرية؟
مع انتشار الفتوحات الإسلامية والحملات العسكرية ضد الدولة البيزنطية، استطاع المسلمون انتزاع ولايات شمال إفريقيا، بما فيها مصر والمغرب اللتان احتفظتا بالإرث العربي والإسلامي إلى يومنا هذا.
لكن النتائج لم تكن مماثلة في شبه الجزيرة الإيبيرية أو ما كان يعرف بشبه جزيرة الأندلس، إذ استمر حكم المسلمين فيها قرابة ثمانية قرون ليستردها الملوك الكاثوليك بعد ذلك.
بكل الأحوال، تركت الحضارة الأندلسية في شبه الجزيرة الإيبيرية آثاراً عميقة في حياة الأمتين الإسبانية والبرتغالية وفي تكوينها الثقافي وتقاليدها ولغاتها.
حيث انتشرت اللغة العربية في الأندلس وبعض المقاطعات الإسبانية على مدى 781 سنة من الزمن.
أسفر ذلك عن دخول 1000 كلمة عربية إلى اللغة البرتغالية و4000 كلمة عربية إلى اللغة الإسبانية.
التبادل الثقافي عزَّز انتشار اللغة العربية
أسس المسلمون حضارة عظيمة في شبه الجزيرة الإيبيرية تجلت في انتشار العلوم والفن والعمران وازدهار الزراعة والصناعة والهندسة المعمارية، مما جعل الأندلس وجهة لكل طالبي العلم.
اهتم طلبة العلم المتوافدون من كل أنحاء أوروبا بتعلم العربية وكانوا يتباهون فيما بينهم بتحدثها كدليل على ثقافتهم الرفيعة.
المعاملات التجارية أيضاً
التبادل التجاري بين الممالك الإسلامية والمسيحية ساهم أيضاً في انتشار العربية على نحو واسع.
نتيجة هذه المبادلات كان هناك أناس يتحدثون اللغتين ويتنقلون فيما بين المناطق مما أدى إلى إنتاج حالات لغوية اجتماعية ذات تأثير مُتبادل.
ماذا قال الإسبان و البرتغاليون عن العربية؟
يُمكن القول إن العنصر العربي شكل المادة الأكثر حضوراً والأكثر أهمية في معجم اللغة الإسبانية بعد اللاتينية على الأقل إلى غاية القرن السادس عشر حسب رفائيل لابيسا، لغوي إسباني أحد أعضاء الأكاديمية الملكية الإسبانية.
كذلك، ذكر المُستشرقان أنجلمان ودوزي في كتابهما «معجم المفردات الإسبانية والبرتغالية المشتقة من اللغة العربية» أن الكلمات العربية الموجودة في اللغة الإسبانية تُعادل ربع كلمات اللغة الإسبانية المُعاصرة.
ومن الدراسات التفصيلية التي كُتبت مُبكراً دراسة المستشرق ليفي بروفنسال عن أثر اللغة العربية في اللغة الإسبانية، ذكر فيها أن اللغة الإسبانية وجدت نفسها «مُضطرة» إلى أن تأخذ من اللغة العربية لتسطيع التعبير عن المفاهيم الجديدة، وبخاصة في مجال النظم والمُؤسسات والحياة الخاصة.
كذلك، أكّد الرّوائي العالمي خوان غويتيسولو والكاتب الإسباني أنطونيو غالا، وقبلهما شيخ المُستشرقين الإسبان إميليو غارثيا غوميث، وكذلك الباحث الإسباني بيدرو مارتينث مونتابيث وسواهم أنّه يستحيل فهم واستيعاب تاريخ إسبانيا وثقافتها ولغتها على العموم فهماً واستيعاباً حقيقيين، من دون معرفة اللغة العربية وثقافتها.
مفردات عربية في اللغتين الاسبانية و البرتغالية
تُوجد في اللغتين الإسبانية والبرتغالية كلمات كثيرة جداً ترجع إلى أصول عربية، ومن بينها التعابير والمُصطلحات الخاصة بأسماء الزهر والمحاصيل وأصحاب الحرف والأماكن والمباني.
أكثر التعبيرات شهرة: «ojalá» التي اشتُّقت من الجملة العربية: «إن شاء الله»، والكلمة لا تزال تُستخدَمُ كثيراً في إسبانيا وأمريكا اللاتينية.
كما أن أكثر أسماء الآلات الموسيقية من أصل عربي مثل العود والقيثارة والربابة والنقارة.
ومن القواعد المُسلَّم بها أن كل كلمة إسبانية تبدأ بـ»ال» (Al) هي عربية الأصل تبدأ بأداة التعريف العربية.
جدير بالذكر أن اللغة الإسبانية هي اللغة اللاتينية الوحيدة التي يُوجد بين حروفها الخاء (J. ge. gi) والثاء (Z. ce. ci) اللتان تتمثلان بكثرة في الألفاظ الإسبانية على غرار الألفاظ العربية