كيف انتقل ماكرون من من هيبة الرئاسة إلى العزلة
جاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الساحة الأوروبية مع حيوية وأفكار أكسبته نوعاً ما الكثير من التعاطف من قبل قادة الاتحاد الأوروبي الآخرين على الرغم من الاختلافات الجوهرية، إلا أنه ارتكب خطأين كبيرين: النظرة المتجاوزة لواقع الاتحاد الأوروبي وغياب التكتيك لدى ماكرون.
كل المعطيات تشير إلى أن فرنسا لم تدرك حقيقة أن مركز ثقل الاتحاد الأوروبي قد تحرك على نطاق واسع. فأثناء إنشاء السوق المشتركة، كانت ألمانيا الدولة الأكثر شمالية وشرقية. واليوم، هي تقع في قلب فضاء يضم قوسًا سياسيًا وثقافيًا شماليًا قويًا يمتد من المملكة المتحدة إلى دول البلطيق، تخدمه اقتصادات أحسن أداءً أو أكثر انضباطًا، من اقتصادات الدول الأعضاء في جنوب أوروبا.
لكن ماكرون ركز جهوده السياسية على ألمانيا، كما لو كانت استعادة محور باريس – برلين، كافية كي تستعيد المديرية القديمة تلقائيًا تأثيرها على بقية الاتحاد الأوروبي. وربما لم ير الرئيس الفرنسي أن بلدان الشمال الأوروبي لا تتبع لألمانيا بشكل أعمى وغير مشروط؛ ناهيك عن دول أوروبا الوسطى.
ربما كان ماكرون سيتجنب هذا الخطأ في الرؤية المستقبلية، لو أنه لم يرتكب الخطأ الثاني التكتيكي. فخلافاً لتقاليد معظم الدول الأوروبية حيث يتم الحكم عبر التحالفات؛ لم يسعى الرئيس الفرنسي الجديد إلى بناء تحالفاته على المستوى الأوروبي. على العكس اعتقد أنه يمكنه أن يفرض وجوده بشكل منفرد في وسط المشهد السياسي الأوروبي تماما كما فعل على المستوى الفرنسي. وبشكل متأخر نسبياً وغير متحمس؛ شرع ماكرون في العمل على التقارب بين حركته الجمهورية إلى الأمام والعائلة الليبرالية الأوروبية. وسمح له ذلك ببناء علاقات مع مارك روتي، الذي ساعده خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، في أن يبرز كقائد للجناح المؤيد لأوروبا.
لكن الرئيس الفرنسي لم يستثمر فعلاً مع القادة الليبراليين الآخرين، إن لم يكن مع اللوكسمبورغي بيتيل والبلجيكي شارل ميشيل. وهنا أيضا، فإن المظاهر خداعة: التقارب الشخصي بين الإثنين حقيقي، وبالتأكيد مفيد لكليهما، إلا أنه فيما يتعلق بالقضايا الملموسة ، تظل بلجيكا متحالفة مع ألمانيا أكثر من فرنسا، يقول Jurek Kuczkiewicz .
وتابع هذا الأخير التوضيح أن زعماء أوروبيين حذروا ماكرون وديًا من أن حجم الثقة فيه خاصة من ألمانيا، مرهونٌ بنجاح إصلاحاته في فرنسا، والتي تلوثت بأزمة السترات الصفراء والإجراءات الاقتصادية التي اتخذها لتهدئة الاحتقان الاجتماعي. وسيكون من الخطأ الاعتقاد بأن الزعماء الآخرين لم يبدوا تفهمًا للمنعطفات التي تفرضها النكسات السياسية الداخلية، إذ يدركون ذلك كلهم. لكن السياسة الأوروبية تقوم على نفس مبادئ المعاملات كما في السياسات الوطنية حيث يتم التردد بشأن التفاوض مع زعيم تم إضعافه.
وعلق أحد القادة الألمان مؤخراً قائلاً: ”لا أحد يريد هذا الوضع لماكرون، لكنه لم يعد سيد أوروبا الذي سيرسل أكبر كتلة إلى البرلمان الأوروبي”.
واعتبر الكاتب أن ماكرون بعزله لنفسه عن قصد خلال قمة بريكست الأخيرة في بروكسل، حكم على نفسه بدور الخاسر. “فقد يحصل أن نكون على حق ضد الجميع، لكن في السياسة لسنا على حق عندما نكون وحدنا”، يختم الكاتب.