كيف انتصرت “ديكتاتورية” الصين على كورونا؟
يبدو أن الصين نجحت بالفعل في حصار فيروس كورونا ومنعه من الانتشار على أراضيها بعد أن كادت حالات الإصابة الجديدة تختفي، فكيف تمكنت بكين من تحقيق ما يصفه البعض بالمعجزة؟ وهل يمكن استنساخ تجربتها في بلدان أخرى مثل إيطاليا؟
ماذا تعني زيارة شي إلى ووهان؟
الزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جين بينغ، أمس الثلاثاء 10 مارس، لمدينة ووهان، بؤرة فيروس كورونا، تمثل انفراجة كبرى في مسار مكافحة الفيروس الذي كاد يتحول لوباء، حيث كان شي بعيداً عن الظهور الإعلامي إلى حد كبير، لكن زيارته إلى ووهان وإعلانه “الانتصار” على الفيروس يحمل دلالات هامة.
الزيارة الأولى من نوعها منذ تفشي الفيروس أوائل يناير جاءت في وقت تبدو فيه إجراءات الحجر الصحي غير المسبوقة التي عزلت مدينة ووهان وباقي أنحاء مقاطعة هوباي وسط الصين منذ 23 يناير قد أتت بثمارها، مع انحسار عدد الإصابات الجديدة بشكل كبير في الأسابيع القليلة الماضية.
فقد أفادت الصين، أمس الثلاثاء، بـ17 حالة جديدة فقط في ووهان، في أدنى رقم منذ أن بدأت نشر البيانات في 21 يناير، إضافة إلى حالتين جاءتا من الخارج، وهذه الأرقام تعد انتصاراً بكل المقاييس، حيث كان معدل الإصابة اليومي متوسطه 2000 حالة حتى قبل أسبوعين فقط.
وقال الباحث لدى مركز السياسة الصينية في كانبرا، آدم ني، لفرانس برس، إن “شي لا يريد أن يقترن بالكارثة وإنما بالشفاء”، مضيفاً: “الصين طوت صفحة مع كوفيد-19، والحزب يريد الآن أن يوجه أكثر الخطابات إيجابية رغم هفوات مبكرة”.
أساليب “عنيفة وصارمة”
كانت منظمة الصحة العالمية قد أشادت بنجاح جهود الصين في احتواء فيروس كورونا المستجد، بناءً على الأرقام التي أعلنتها بكين مؤخراً، وذلك بفضل ما وصفته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بأسلوب “القوة الصارمة” الذي اتبعته بكين رغم مضاعفاته السلبية مجتمعياً.
فقد أعلنت مقاطعة هوبي، أمس الثلاثاء، أنها ستخفف قيود السفر بما يسمح للأشخاص الأصحاء في مناطق منخفضة الخطر بالتنقل في أنحاء المقاطعة، لكن التدابير لم تخفف على ما يبدو القيود على ووهان، كما لم تشر حول ما إذا كان باستطاعة الناس مغادرة المقاطعة البالغ عدد سكانها 56 نسمة.
التدابير التي اتخذتها الصين شملت الحجر على حوالي 60 مليون شخص في هوبي، وفرض قيود صارمة على السفر، واستخدام التكنولوجيا في تطبيق الإجراءات الصارمة وتتبع تنفيذ المواطنين لها، كما قامت ببناء مستشفيين في ووهان في ظرف أسبوع.
وقد عقدت منظمة الصحة العالمية مؤتمراً صحفياً في جنيف قدم خلاله فريق خبراء التحقيق الذي أنهى لتوه زيارته إلى الصين الأوضاعَ ذات الصلة بالوباء، وقال مسؤول فريق خبراء التحقيق بروس إيلوارد: “اتخذت الصين أساليب صارمة ومبتكرة قائمة على معايير الصحة العامة، لم نر حجماً مماثلاً لها في التاريخ.”
وقد قامت الصين بتحديث برنامج علاج الالتهاب الرئوي الناجم عن فيروس كورونا الجديد إلى النسخة السادسة خلال ستة أسابيع فقط، ما يعكس سرعة التحديثات والقدرة على فهم الوباء. هذه الآلية هي مرنة وعلى نطاق واسع بفضل العلوم والتكنولوجيا.
التكنولوجيا التي استخدمتها الصين في مراقبة العدوى المحتملة للفيروس شملت تقنيات مثل كاميرات التعرف على الوجوه وتقنيات التتبع عبر الهاتف من خلال برامج مخصصة للتتبع وربط الشبكة بإشارات المرور ومراكز التسوق وبطاقات الدفع الإليكتروني، وهو ما ساعد على جمع كميات هائلة من البيانات عن جميع المواطنين في مقاطعة هوبي والمناطق الأخرى التي كانت تظهر فيها ولو حالة عدوى واحدة، وهي تقنيات تستخدمها الأجهزة الأمنية في مراقبة المواطنين وتحول الشخص من خلال هاتفه وبطاقة الإئتمان وغيرها إلى جاسوس على نفسه.
وقال إيلوارد إن آلية الاستجابة الصينية كانت فعالة إلى حد كبير، لذا فقد تمت السيطرة على الوضع الوبائي تدريجياً لتجنب إصابة المزيد من الأشخاص بوباء الالتهاب الرئوي الجديد وبدأت الصين في استئناف العمل والإنتاج، وأوضح قائلاً: “وافق فريق التحقيق على أن الصين قد غيرت مسار الوباء، لجعل حالة الوباء مستقرة بدلاً من انتشاره بشكل سريع وللحد من سرعة حدوث إصابات بالمقارنة مع الظروف العادية”.
هل يمكن استنساخ الأسلوب الصيني؟
استراتيجية “القوة الصارمة” التي فرضتها الصين تطرح أسئلة أعمق بالنسبة للبلدان الأخرى التي تشهد تفشياً للفيروس، حيث كانت حملة بكين على الفيروس باهظة التكلفة على أسلوب حياة الصينيين وعلى حرياتهم الشخصية، وبحسب “نيويورك تايمز”، يتعين على الحكومات التي تريد استنساخ تجربة الصين أن تتساءل “عما إذا كان العلاج أسوأ من المرض”.
ويقول مايكل أوسترهولم، مدير مركز أبحاث وسياسات الأمراض المعدية في جامعة مينيسوتا، لنيويورك تايمز: “أعتقد أنهم قاموا بعمل رائع في هزم الفيروس، لكنني لا أعرف ما إذا كانت هذه النتائج مستدامة. ما الذي أنجزه الصينيون حقاً؟ هل احتووا الفيروس حقاً؟ أم أنهم قمعوه للتو؟”.
وتضيف “نيويورك تايمز”: “يتعين على البلدان التي تدرس النهج الذي تتبعه الصين أن تنظر في الكيفية التي قلبت بها كل ركن من أركان المجتمع الصيني تقريباً”، وقالت الصحيفة إن الإجراءات المتبعة أدت لشل الاقتصاد الصيني، بينما تؤكد العديد من الشركات الصغيرة أنها باتت على شفير الإفلاس.
كما أن البعض يتخوف من أن تكون الأرقام الرسمية الصادرة من الصين غير دقيقة، وسيكون الاختبار الحقيقي لإثبات السيطرة على الفيروس، عند عودة الأطفال إلى فصول الدراسة وعودة العمال إلى المصانع، وعندما يعود الركاب إلى الحافلات والمترو، حيث يخشى البعض من تفشٍّ جديد للفيروس.