كيف استعانت الحكومات بوسائل الإعلام للتبرؤ من تصديرها لكورونا؟
بعد وصول فرقة عسكرية روسية مزودة بمعدات طبية إلى روما الشهر الماضي، وجدت وسائل إعلام الكرملين الناطقة باللغة الإنكليزية، مثل قناة RT ووكالة أنباء Sputnik، مقطعَ فيديو يمكنها استغلاله بكل الطرق وطيلة الوقت.
فقد سلطت وسائل الإعلام تلك الضوء على رجل إيطالي يُنكس علم الاتحاد الأوروبي ويرفع مكانه علم روسيا، للتهكم من “عجز” شركاء إيطاليا الأوروبيين عن تقديم المساعدة إلى الدولة المنكوبة بفيروس كورونا مقابل روسيا “التي كانت حاضرة لدعمها”.
لكن عندما أثيرت الأسئلة حول مساعدات روسيا وجدواها، عادت وسائل الإعلام المدعومة من الدولة الروسية إلى موقفها الدفاعي المعتاد، بحسب تقرير لصحيفة Washingtonpost الأمريكية.
الاستعانة بوسائل الإعلام
يأتي ذلك بعد أن ذكرت صحيفة La Stampa الإيطالية، نقلاً عن مصادر سياسية رفيعة المستوى، أن نحو 80% من الإمدادات الروسية كانت “عديمة الفائدة”. لتعد قناة RT تقريراً بعدها تصف فيه محتوى الصحيفة الإيطالية “بالجحود ونكران الجميل” وبأنه “بمثابة صفحة منقولة مباشرة من الكتيبات الإرشادية الخاصة بالدعاية الأمريكية الموجهة ضد روسيا”.
وأعدت قناة RT تقريراً آخر عنوانه: “كيف تعمل المعلومات المضللة عملها حقاً: نشطاء مرتبطون بمركز أبحاث تابع للناتو يعمدون إلى تشويه سمعة المساعدات الروسية المقدمة لإيطاليا لمواجهة أزمة كورونا”.
ولما كانت جائحة فيروس كورونا أجبرت الناس في جميع أنحاء العالم على البقاء في منازلهم وقضاء المزيد من الوقت في متابعة الأخبار، أخذت وسائل الإعلام التابعة للدول تعمل على استغلال ذلك لصالحها، وفقاً لتقرير “معهد أكسفورد لأبحاث الإنترنت”.
وجدت الدراسة، التي عُنيت بتحليل الأخبار المتعلقة بفيروس كورونا في وسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية والمدعومة من الدول في روسيا والصين وإيران وتركيا، أن ثمة موضوعات وأفكاراً يشيع عرضها وترديدها على تلك الوسائل تحمل في طياتها تعتيماً أو تعقيداً للجهود العالمية الخاصة بمواجهة الوباء.
هذه الموضوعات من بينها: تصوير استجابات الدول الأخرى للوباء على أنها “عاجزة”، والترويج لنظريات مؤامرة تتعلق بأصول فيروس “كوفيد 19” وبحقيقة المرض الناجم عنه، إضافةً إلى تعيين دولهم قادةً عالميين يتصدرون دول العالم في جهود مكافحة الفيروس.
ومع ذلك، فإن بعض تلك التقارير والروايات ليست مقتصرة على أي نحو على تلك الدول الأربع.
أمريكا هي الأخرى تلجأ إلى الإعلام
إذ قدمت قناة Fox News الأمريكية، على سبيل المثال، تغطية واسعة لترويج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعقاقير المحتوية على المادة الفعالة هيدروكسي كلوروكين علاجاً لفيروس كورونا، وذلك رغم عدم وجود أي إجماع من خبراء الصحة على فعالية هذا الدواء في مواجهة الفيروس. وفي البرازيل، وصف الرئيس البرازيلي، جايير بولسونارو، جائحة كورونا بأنها “فانتازيا” أو “مجرد عدوى إنفلونزا”، في دعايةٍ دفعت موقع تويتر إلى حذف اثنتين من تغريداته باعتبارهما تنشران معلومات مغلوطة بشأن فيروس كورونا.
يقول فيليب إن هاورد، مدير معهد أكسفورد لأبحاث الإنترنت، إن انتقاد منظمة الصحة العالمية سائد أيضاً في المحتوى الذي عُني التقرير بدراسته، وهي انتقادات عززتها هجمات ترامب ذاته على الوكالة التابعة للأمم المتحدة خلال الأيام الأخيرة.
ويتابع هاورد: “إذا كان بإمكان الوسيلة الإعلامية إنشاء بعض العناوين التي تكون مختصرة جداً، والتظاهر بأنها تمنح الحقيقة أو تميط اللثام عن ما خفي أو تكشف عن مؤامرة ما، فإن المتابع المتصل بالإنترنت في نهاية يومه ويحاول اكتشاف ما يجري باختصار تكون تلك العناوين الوجهةَ التي ينقر عليها”.
ويشير هاورد إلى أن الجمهور المستهدف لوسائل الإعلام الناطقة بالإنجليزية في الصين وتركيا وإيران وروسيا هم الجاليات خارج تلك البلاد، وكذلك “الأشخاص المولعون بنظريات المؤامرة في الغرب”. كما أن غالبية المحتوى ينطوي على دعاية سياسية مركزة بدلاً من الأكاذيب الصريحة.
وخلال جلسة فيديو عقدها مركز “ويلسون” البحثي الأمريكي، أشارت نينا يانكوفيتش، وهي متخصصة في دراسة التضليل الإعلامي، إلى أن أكثر الدعايا الناجحة تستند إلى “حقائق عاطفية” وأن نقص المعرفة حول فيروس كورونا هو ما جعل عقول المتلقين أرضاً خصبة لتقبل تلك الدعايا.
وقالت يانكوفيتش: “نحن لا نتحدث عن معلومات مزيفة. نحن نتحدث عن أمور حقيقية جداً جداً لكثير من الناس. وهذا تحديداً ما يجذبهم ويسهل التلاعب بهم”.
الصين تدافع عن نفسها
كانت وسائل الإعلام الصينية المدعومة من الدولة ركّزت إلى حد كبير على نبذ فكرة أن تكون البلاد مصدراً لفيروس كورونا.
ونقل تقرير عرضته “شبكة تلفزيون الصين الدولية” (CGTN) رأياً استشهد فيه بطبيبٍ إيطالي أخبر إذاعة NPR الأمريكية أن الفيروس ربما كان بدأ الانتشار بين عدد من الإيطاليين المسنين منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قبل أي أنباء عن تفشي المرض في الصين. ثم استخدمت الشبكة الصينية هذا التصريح للدفع بأن الفيروس ربما أتى من “الصين أو الولايات المتحدة أو إيطاليا أو أي مكان آخر”.
ويقول هاورد: “إن طرح الأسئلة طريقةٌ متبعة لإثارة الشك”.
وعملت كل من وكالة مهر الإيرانية للأنباء Mehr News Agency وشبكة “بريس تي في” PressTV التلفزيونية الإيرانية على الترويج لنظريات مؤامرة تدفع بأن الفيروس أنشأته الولايات المتحدة التي تشلّ الاقتصاد الإيراني في الوقت نفسه بالعقوبات التي تفرضها عليه. على الجانب الآخر، ابتعدت وسائل الإعلام الروسية والتركية إلى حد كبير عن نظريات المؤامرة، لكنها سعت بدلاً من ذلك إلى الرفع من مكانة الاستجابة التي أبدتها بلدانها في مواجهة كورونا مستعينةً في ذلك بالمقارنة والتدقيق في كيفية تعامل الحكومات الغربية معه.
وعمدت وسائل الإعلام الروسية المدعومة من الكرملين إلى الحديث طيلة الوقت عن المساعدات الطبية التي قدمتها البلاد إلى إيطاليا والولايات المتحدة ودول أخرى، معتبرةً أي شكوك خارجية تنتقص من تلك المساعدات مجرد مشاعر معادية لروسيا.
وتقول هيذر كونلي، مديرة برنامج الدراسات الأوروبية في “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية”، إن “قناة RT ووكالة Sputnik وغيرها من وسائل الإعلام التابعة للكرملين تتعمد تسليط الضوء على حالة الخوف العام ونقص الإمدادات الطبية في الغرب ونشر الارتباك إلى جانب المعلومات المضللة، في الوقت الذي تنشر على نطاق واسع أن روسيا ونظام حكومتها على استعداد لتقديم المساعدات الإنسانية الملحة إلى الولايات المتحدة وإيطاليا وإسبانيا، رغم الأعمال العدائية والعقوبات الاقتصادية التي يفرضها الغرب عليها”.
إذ تهدف تلك الوسائل الإعلامية، في رأي هيذر، إلى الترويج “بأن روسيا يجب النظر إليها باعتبارها قوة مهيمنة من خلال مساعداتها وأعمالها الخيرة”