كيف استطاعت إسرائيل أن تقطع امتداد السحب الإيرانية إلى غزة؟
لقد كان الإحباط المركز لبهاء أبو العطا خطوة صحيحة وضرورية، ثمرة جهد استخباري وعملياتي مشترك لأذرع الأمن. في قيادة أبو العطا للواء الشمالي في غزة لسرايا القدس التابع للجهاد الإسلامي، وعملياً كالرجل القوي للتنظيم في القطاع، فقد خطط لعمليات وعمل على ضعضعة الأمن في جنوب البلاد، في ظل الإضرار المتواصل لفرص الوصول إلى تسوية وتحسين وضع سكان غزة.
اللغة مهمة. لا يدور الحديث عن “تصفية”، بل عن عملية إحباط مركز ضد من شكل قنبلة موقوتة ويدحرج عملية ضربة لإسرائيل وقتل لمواطنين وجنود. إن إحباط عملية إرهابية من خلال إصابة من يدحرجها أو يوجهها هي عملية شرعية وواجب أخلاقي، وعلى الجيش الإسرائيلي أن يبقيها كأداة ناجعة للقتال ضد الإرهاب في كل الجبهات. وبخلاف الرسائل التي خرجت أول أمس عن “عدم العودة إلى سياسة التصفيات”، من المهم أن نفهم بأن الإحباط المركز هو أداة ضرورية للقتال ضد الإرهاب. خيراً فعل أن رئيس الأركان لم يتردد في أن يقول في تصريحه للإعلام إن سياسة الإحباط المركز هي رافعة ضرورية وناجعة ضد الجهاد الإسلامي. من المهم لمنظمات الإرهاب أن تعرف وتستوعب بأن الإحباط المركز خيار ما زال على الطاولة، بل هو جزء لا يتجزأ من سلة القدرات العسكرية لإسرائيل.
في السنوات الأخيرة، في الساحات المختلفة التي تتصدى فيها إسرائيل لأعدائها، ثمة تشوش بين حدث ذي مغزى استراتيجي وحدث تكتيكي. وفي الرؤية الاستراتيجية، في حالة تصفية أبو العطا، لا يدور الحديث عن تغيير جوهري في الوضع الأساس في غزة. فالمنظمات في القطاع تواصل تشكيل تهديد عسكري ذي مغزى على نمط الحياة في إسرائيل وعلى أمن سكانها. واستمرار تعاظم قوة منظمات الإرهاب سيستوجب في نهاية اليوم معركة عسكرية وسياسية واسعة أكثر بكثير مما يجري اليوم.
من هنا، فإن الجولة الحالية –في هذه المرحلة– ليست معركة استراتيجية. من ناحية إسرائيل، فإن الإنجاز الذي تحدد للعملية موضعي وتحقق فور بدايته، وبالتالي فإنها تتطلع إلى إنهائها. واختيارها في التركز على الجهاد الإسلامي، وليس على حماس، كعنوان سلطوي، هو تغيير عن سياسة طويلة السنين تلقي بالمسؤولية الجارفة على حماس بالنسبة لكل عملية عسكرية ضد إسرائيل من أراضي القطاع. هكذا أبقي لحماس مجال مناورة كبير مقابل ما عرفته في الماضي.
لقد فرضت حماس على نفسها ضبطاً للنفس، وحتى الآن امتنعت عن المشاركة في القتال. يمكن أن نفهم هذا على خلفية أنها لم تتضرر من الأثمان التي دفعها الجهاد الإسلامي، بل واستخلصت منها المنفعة. تفهم حماس جيداً بأن نشاط أبو العطا مس بمصالحها ومصالح سكان غزة. لإسرائيل ولحماس، رغم عدائهما والنزاع الجوهري بينهما، مصلحة مشتركة في منع التصعيد. ولكن هذه دينامية لا تزال تتطور، ومن السهل التخطيط لبداية العملية من التخطيط لنهايتها.
ومع ذلك، من المهم أن نفهم بأن الصعوبة في إنهاء الحدث تنبع بالذات من تقييده وحصره بالجهاد الإسلامي فقط. لقد فقدت إسرائيل نجاعة آليات الإنهاء لديها. فممارسة الضغط العسكري الأساس على القطاع ليست ممكنة، خوفاً من دخول حماس إلى المعركة. بينما الجهاد الإسلامي، أقل تأثراً بالضغط المصري، وغير معني بالتسوية ولا يشعر بالمسؤولية عن سكان غزة. كما أن الجهاد الإسلامي يجد صعوبة في وقف المواجهة قبل أن يحقق ضربة ذات مغزى وصورة انتقام وانتصار حيال إسرائيل. حماس هي المفتاح في لجم الجهاد الإسلامي، ويجب ممارسة جملة من الروافع غير العسكرية عليها: إغلاق المعابر، وقف المال القطري، ومنع الكهرباء عن القطاع. حماس لا تسارع بعد إلى إنهاء المواجهة، ولم تستخدم بعد كل قدرتها على لجم الجهاد الإسلامي. بالمقابل، فإن أحداثاً هامة في تبادل الضربات بين إسرائيل والجهاد الإسلامي يمكنها أن تجر حماس إلى المعركة، ما سيعطيها حجوماً مختلفة تماماً.
تحوم فوق الأحداث، مثلما في كل ساحة أخرى حول إسرائيل، السحابة الإيرانية. حتى لو لم تكن إيران مشاركة تكتيكياً في قرار الجهاد الإسلامي في الأشهر الأخيرة على ممارسة القوة ضد إسرائيل، فإن المقدرات التي استثمرتها في تنظيم الجهاد على مدى الزمن، هي التي تسمح له اليوم بأن يهدد مواطني إسرائيل حتى مدى 80 كيلومتراً من قطاع غزة. لهذا السبب أيضاً على الجيش الإسرائيلي أن يستغل الفرصة لضربة كبيرة لقدرات الجهاد وتعاظم قوته، كرسالة واضحة لطهران. إن المس بتعاظم قوة منظمة الإرهاب يجب أن يكون عنصراً حيوياً في كل استراتيجية قتالية واستراتيجية إنهاء القتال مع منظمات الإرهاب في قطاع غزة.
أما بالنسبة لليوم التالي، فبعد أن تتوسط مصر وتنجح في إحلال وقف للنار، آجلاً أم عاجلًا، ومسألة قطاع غزة بخاصة، وحرب الوكالة الإيرانية من كل جهات إسرائيل بشكل عام، ستكون مطروحة أيضاً على طاولة حكومة إسرائيل التالية، كائناً من كان من يشكلها.