كيف ألهمت احتجاجات أمريكا ضحايا العنصرية في أوروبا؟
كان لافتاً ما أثاره مقتل مواطن أمريكي من أصل إفريقي على أيدي رجال شرطة بيض من احتجاجات تتسع رقعتها يوماً بعد يوم، لكن اللافت أكثر هو امتداد رقعة تلك الاحتجاجات المنددة بالعنصرية إلى كثير من دول العالم خاصة أوروبا، فهل حانت ساعة محاكمة العنصرية حقاً؟
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “المتظاهرون في أوروبا يضغطون من أجل مساءلة جديدة للعنصرية في بلادهم”، ألقى الضوء على تمدد احتجاجات جورج فلويد إلى أوروبا أيضاً لتتسع محاكمة العنصرية أكثر وأكثر.
هل حانت ساعة محاكمة العنصرية؟
قُتل جورج فلويد على بعد آلاف الأميال منهم، ومع ذلك فإن متظاهرين من جميع أنحاء العالم احتشدوا في الساحات والأماكن العامة خلال عطلة نهاية الأسبوع، على أمل يحدوهم في إطلاق ساعة حساب ومساءلة جديدة للعنصرية في بلدانهم.
والبداية من لندن، حيث تجمع المتظاهرون خارج السفارة الأمريكية، يوم الأحد 7 يونيو، لليوم الثاني على التوالي من التظاهرات. وفي ألمانيا، اجتذبت “المظاهرات الصامتة” التي أقيمت يوم السبت 6 يونيو نحو 150 ألف شخص، وتعالت أصوات المشاركين في برلين بالهتاف: “اطردوا النازيين!”. أما في روما، فقد سلَّط المتظاهرون باحتجاجاتهم الضوء على حملات اليمين المتطرف التي يطلقها ضد المهاجرين، والتي يشعلها ثم هو يغضّ الطرف عن الصناعات التي تستغلهم دون منحهم أي حقوق.
تاريخ غير مشرّف في أوروبا
ومع أن حادثة مقتل فلويد ما انفكت تتأثر بها مظاهرات انتشرت من أستراليا إلى البرازيل إلى المكسيك وحتى كندا، فإنها ضربت على وتر حساس خاص في أوروبا، حيث يكافح قادة تلك البلاد لإدماج موجة من المهاجرين واللاجئين القادمين من إفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط على مدى السنوات السبع الماضية. في الوقت الذي تشير الاستطلاعات بين المهاجرين إلى أن نحو ثلث المنحدرين من أصول إفريقية في أوروبا يواجهون مضايقات عنصرية.
وتلخص شيلا كينسي، وهي راهبة فرنسيسكانية أمريكية تعيش في روما منذ 10 سنوات، ما يحدث، بالقول: “لقد أدركنا، خلال فترة الحجر الصحي والإغلاق الماضية، ما هو مهم حقاً في حياتنا”، وقد حفزنا ذلك الآن للقول صراحةً إن “هناك بيننا جائحة من نوع آخر [العنصرية]”.
جاءت الاحتجاجات مخالفةً للتعليمات الحكومية والإرشادات العامة الداعية إلى منع التجمعات الكبيرة، كما هو الحال في بريطانيا، التي كانت الحكومة فيها حظرت التجمع في مجموعات يزيد عدد أفرادها على 6 أشخاص. ورغم حرص منظمي الاحتجاجات في روما على تذكير المتظاهرين بارتداء الأقنعة والحفاظ على مسافة التباعد الجسدي بين بعضهم، فإن حجم الحشود التي تجاوزت عدة آلاف حالَ دون الامتثال لتلك التعليمات.
من جهة أخرى، قال كثيرون في احتجاجات لندن إن أشد ما أثار قلقهم هو الإحصاءات الصارخة التي تُظهر أن الأقليات العرقية تتعرض لخسائر لا تتناسب وطأتها مع نسبتهم في المجتمع، جرّاء الإصابة بفيروس كورونا المستجد. وكانت بيانات حكومية صدرت الشهر الماضي أظهرت أن احتمالات الوفاة بين البريطانيين السود بفيروس كورونا تفوق بنحو 4 مرات احتمالات الوفاة بين البيض.
تقول دينيس لويس، وهي قابلة تبلغ من العمر 60 عاماً وتعمل بهيئة الخدمات الصحية البريطانية: “أنا هنا لدعم أولئك الذين يحتجون في الولايات المتحدة، لكن بالنسبة إلى، فإن الأمر يتعلق أيضاً بفيروس كورونا. إذ كيف يمكن للفيروس أن يميز بين بيض وسود؟ نحن بحاجة إلى إجابات”.
وقد أثارت الاحتجاجات نقاشات متجددة حول انعدام المساواة والعنصرية الهيكلية المتفشية في بريطانيا، وفي هذا السياق، قال النائب عن حزب العمال، ديفيد لامي، في تصريحات لشبكة BBC: “لدينا مشكلاتنا الخاصة هنا في بريطانيا” فيما يتعلق بالعنصرية، مشيراً إلى ان البريطانيين السود أكثر عرضة للتوقيف والتفتيش من قبل الشرطة بنسبة تزيد على 9 أضعاف الحال مع غيرهم.
ماضٍ استعماري وعنصرية متأصلة
وفي بروكسل، خرج المتظاهرون للتنديد بالعنصرية في الولايات المتحدة وبلجيكا، حيث يقول مواطنون من أصول إفريقية وشرق أوسطية إنهم يواجهون التمييز العنصري على نحو روتيني. وقدرت الشرطة أن نحو 10 آلاف شخص، معظم يرتدون الأقنعة، احتشدوا في وسط مدينة بروكسل. وتجمع المتظاهرون أمام “قصر العدل”، وهو معلمٌ يفترض أن يرمز إلى حكم القانون، غير أنه يرمز أيضاً إلى الظلم وغياب العدالة لأن بناءه أتاح لذكرى ليوبولد الثاني ملك بلجيكا في القرن التاسع عشر بالحضور والهيمنة الدائمين على الأفق المعماري في بروكسل، في حين أنه أسَّس لحكمٍ وحشي في مستعمرة الكونغو شهدَ مقتل أكثر من 10 ملايين شخص من سكانها.
وطالب المحتجون بمحاسبة أشد وطأة للماضي الاستعماري لبلجيكا، داعين إلى تحطيم تماثيل ليوبولد الثاني التي لا تزال قائمة في معظم المدن البلجيكية الكبيرة.
وحمل بعض المتظاهرين لافتات كُتب عليها “العدالة من أجل عادل”، تخليداً لذكرى الشاب عادل الذي كان يبلغ من العمر 19 عاماً، من بلدية إندرلخت التي تشهد كثافة كبيرة للمهاجرين في بروكسل، والذي صدمت إحدى سيارات الشرطة دراجته النارية بعد مطاردته لمحاولته الهروب من نقطة تفتيش لها خلال فترة الحظر المرتبطة بفيروس كورونا، ما أشعل احتجاجات متفرقة. كما أثارت وفاة الشاب المغربي، الذي لم تكشف السلطات عن اسم عائلته، مزيداً من الاتهامات للشرطة بالوحشية واللا مبالاة بأرواح المهاجرين.
أما في ألمانيا، فقد عادت الاتهامات للشرطة بممارسة العنف على أساس عنصري. واستدعى المحتجون حادثة وقعت في عام 2005، عندما أُحرق أوري جالو، وهو طالب لجوء من سيراليون، حتى الموت في زنزانة بأحد أقسام الشرطة. زعمت الشرطة بعد ذلك أنه أضرم النار في نفسه، رغم أنه كان مربوط اليدين والقدمين. وقد تناقضت تقارير الشرطة بشأن الواقعة، ومع ذلك فقد انتهت الأمور إلى تغريم ضابط واحد فقط.
تشريعات ضد عنف الشرطة
يقول طاهر ديلا، وهو ناشط في مبادرة “السود في ألمانيا” Black People in Germany، إن الهجمات ذات الدوافع العنصرية يُغض الطرف عنها بوصفها حوادث عرضية، وهناك إحجام عن معالجة المعضلات الهيكلية.
وكان تشريع لمكافحة التمييز أقرّه مجلس نواب ولاية برلين الأسبوع الماضي، أثار ردود فعل قوية، واحتجاجاً على التشريع، قال توماس بلينكي، وزير داخلية ولاية بادن فورتمبيرغ، “ألمانيا ليست الولايات المتحدة. الشرطة في ألمانيا ليس لديها مشكلة تتعلق بالعنصرية”.
ومع ذلك، فإن حادثة مقتل فلويد وتداعياتها أثارت جدلاً جديداً في ألمانيا، بخصوص حقوق التمثيل وممارسات التمييز، لتملأ موضوعاتها أعمدة الصحف وتهيمن على المؤتمرات الصحفية الحكومية، وفي بادرة تضامن مع الاحتجاجات، جثا لاعبو كرة القدم الألمان على ركبهم تكريماً لذكرى فلويد، قبل مباريات نهاية الأسبوع.
وفي العاصمة الإسبانية مدريد تجمع عدة آلاف من الأشخاص أمام السفارة الأمريكية، قبل أن يسروا في مسيرة سلمية إلى ساحة بويرتا دي سول العامة في وسط مدريد.
أما في روما فقد جاءت الاحتجاجات في ساحة بيازا ديل بوبولو بالعاصمة روما أكثر هدوءاً. وتعتبر الساحة مكاناً مألوفاً للتجمعات، والتي كان من أبرزها مؤخراً المسيرة الشهيرة التي عقدها حزب “الرابطة” الإيطالي المتطرف في ديسمبر/كانون الأول 2018.
ومن بين المتظاهرين، كان سايكو سانيه، الذي يبلغ من العمر 22 عاماً، وجاء إلى إيطاليا من غامبيا في عام 2016، وهو الآن يتمتع بوضع قانوني ويعمل في مطعم “ماكدونالد”.
يقول سانيه إنه تعرض لبعض ممارسات التمييز هنا، وإن “العنصرية مرض لا يمكن علاجه بالكامل”، ومع ذلك فقد أبدى تفاؤله بالقول: “لكن ليس كل الأشخاص عنصريين هنا، انظر حولك فقط” إلى كل هؤلاء المحتجين ضد العنصرية.