كيف أصبح كورونا كابوساً على الاقتصاد المغربي؟
بينما يتسارع تفشي فيروس كورونا المستجد عالمياً، بدأت أزمات وتبعات الانتشار تظهر تدريجياً على السوق المغربية واقتصادها، الذي يعتمد بدرجة رئيسة على السياحة الأجنبية الوافدة.
وستكون صناعة السياحة في البلاد من أبرز القطاعات المتأثرة بانتشار الوباء عالمياً، خاصة في الأسواق الرئيسة للمغرب، ممثلة بالاتحاد الأوروبي وأمريكا، ودول جنوب وجنوب شرق آسيا.
ويتوقع مراقبون مغاربة تضرر القطاع السياحي الذي يعتبر ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية، خصوصاً أن أغلبية السياح الذين يزورون البلاد يأتون من أوروبا، التي سجلت معدلات مرتفعة من حالات الإصابة بالفيروس.
وقررت السلطات المغربية، الخميس 5 مارس/آذار، منع تنظيم جميع التظاهرات الثقافية والرياضية، التي يشارك فيها أشخاص قادمون من الخارج، أو تلك التي يشارك فيها ألف شخص فما فوق من المقيمين في حالة إقامتها في أماكن مغلقة، لمواجهة تفشي فيروس كورونا.
كما أعلن، الأربعاء 11 مارس، إلغاء جميع “المواسم الدينية” (ملتقيات تتخللها ندوات ومدائح، ويحضرها جمهور من المهتمين)، مهما كان حجم التجمعات التي تشهدها.
وأمس الأحد أعلن المغرب تعليق جميع الرحلات الجوية الدولية من وإلى أراضيها، حتى أجل غير مسمى، لمنع تفشي فيروس كورونا.
وقال بيان صادر عن وزارة الخارجية إن “المملكة قررت تعليق جميع الرحلات الجوية الدولية لنقل المسافرين إلى إشعار آخر في إطار الإجراءات الوقائية ضد انتشار فيروس كورونا”.
وفي وقت سابق أمس، أعلن المغرب تسجيل 10 حالات جديدة بفيروس كورونا؛ ليرتفع إجمالي المصابين في البلاد إلى 28.
تراجع النمو
والأربعاء الماضي، قال أحمد الحليمي، رئيس المندوبية السامية للتخطيط (رسمية مكلفة بالإحصاء)، إنه “يتوقع تراجع نمو الاقتصاد المغربي لأدنى مستوى منذ 20 عاماً، بسبب الجفاف، وانتشار فيروس كورونا”.
وأضاف الحليمي في تصريح لوكالة بلومبيرغ الاقتصادية: “مندوبية التخطيط ستخفض توقعاتها لمعدل نمو الاقتصاد المغربي لعام 2020 بنسبة الثلث، إلى 2.2%”.
وإزاء هذه التطورات، أعلنت الحكومة المغربية الأسبوع الماضي إنشاء “لجنة اليقظة الاقتصادية” لمواجهة انعكاسات وباء فيروس كورونا المستجد على الاقتصاد، وتحديد الإجراءات المواكبة.
وقالت وزارة المالية والاقتصاد، في بيان، إنه “في إطار الجهود الاستباقية التي تقوم بها الحكومة لمواجهة الانعكاسات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة لوباء كورونا على الاقتصاد الوطني، تم إنشاء لجنة اليقظة الاقتصادية على مستوى الوزارة”.
وستعمل اللجنة على “رصد آني للوضعية الاقتصادية الوطنية، وتحديد أجوبة فيما يتعلق بمواكبة القطاعات الأكثر عرضة للصدمات الناجمة عن هذا الوباء”.
إجراءات مطلوبة
لحسن حداد، وهو خبير مغربي لدى البنك الدولي ووزير سابق للسياحة، قال إن مجموعة من الحجوزات في الفنادق تم إلغاؤها، وكذلك رحلات الطيران، إضافة إلى إلغاء العديد من المؤتمرات، “هذا سيؤثر كثيراً على القطاع السياحي”.
واعتبر حداد في تصريح للأناضول أن “وزارة المالية أحدثت لجنة لليقظة، وأصبح من اللازم تفعيل عدة إجراءات، منها تشجيع السياحة الداخلية”.
وأضاف: “المطلوب أخذ الاحتياطات اللازمة بخصوص السياح الأجانب الوافدين إلى المغرب، وتتبع وضعهم الصحي.. وعلى السلطات المختصة العمل على طمأنة الزائرين، خصوصاً القادمين من الدول التي لا تعرف انتشاراً للفيروس”.
وزاد: “إلى حين عودة الأمور إلى نصابها يجب التركيز على دعم السياحة الوطنية، والتفكير في إحداث صندوق خاص بدعم المقاولات (الشركات) المتضررة من إلغاء الحجوزات، ومن الركود الاقتصادي المتوقع”.
التبعية للخارج
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة محمد الخامس بالرباط، عمر الكتاني، للأناضول: “قطاعات اقتصادية واعدة بالبلد، مرتبطة مباشرة بالسوق الأوروبية، وبالتالي التأثير الاقتصادي لانتشار فيروس كورونا بأوروبا، سيلقي بظلاله على المغرب”.
وذكر أن الوباء يتزامن مع انحباس المطر، “وبالإضافة إلى تأثير انتشار فيروس كورونا، أتوقع أن تكون سنة 2020، صعبة من الناحية الاقتصادية”.
وزاد: “لن يكون باستطاعتنا تحقيق نفس الأرقام المتعلقة بمداخيل العملة الصعبة، المتأتية مع العمال المغاربة بالخارج”.
ويرى الكتاني أن وضعية تبعية الاقتصاد المغربي للخارج، سواء تعلق الأمر بتحويلات العملة الصعبة، أو الارتهان للمبادلات التجارية، سيجعل البلد أمام امتحان صعب خلال 2020، مع انتشار فيروس كورونا”.
وأضاف: “الحيطة والحذر مسألة أساسية، وهذا امتحان لاقتصادنا، ويجب أن نأخذ الدروس ونبحث عن سبل تحقيق الاستقلالية للاقتصاد المحلي، بدل التبعية للخارج”.
مطالب برلمانية
التأثيرات المتوقعة على الاقتصاد المحلي، لانتشار فيروس “كورونا” في البلاد، دفعت بلجنتي الاقتصاد والمالية بغرفتي البرلمان المغربي، (مجلسي النواب والمستشارين)، إلى الإعلان عن اجتماع مشترك، يُعقد الثلاثاء 24 مارس/آذار الجاري.
وقال بيان للبرلمان المغربي إن الاجتماع “سيدرس تداعيات فيروس كورونا على الاقتصاد الوطني، بحضور وزير الاقتصاد والمالية المغربي محمد بنشعبون”.
وفي 6 مارس/آذار، وجه برلماني مغربي طلباً لرئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، لـ”اتخاذ إجراءات مستعجلة، لمساعدة المقاولات (الشركات) الصغرى والمتوسطة، على تجاوز آثار تراجع النشاط السياحي بفعل فيروس كورونا”.
وقال البرلماني إدريس الأزمي الإدريسي، عضو الكتلة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية (يقود الائتلاف الحكومي)، في المراسلة: “التأثيرات الاقتصادية السلبية، لانتشار فيروس كورونا، بدأت تظهر تدريجياً على بعض القطاعات، لا سيما القطاع السياحي”.
وتابع الأزمي، وهو وزير سابق مكلف بالميزانية: “بات من الضروري التفكير في إجراءات عملية مستعجلة، لمواكبة الفاعلين بالقطاع السياحي، لا سيما المقاولات الصغرى والمتوسطة العاملة به”.
وبلغ عدد السياح الأجانب الذين زاروا المغرب في 2019، حوالي 12.9 مليون سائح، بارتفاع 5.2% مقارنة مع عام 2018، بحسب السلطات المغربية.
ويوفر القطاع السياحي بالمغرب، 750 ألف فرصة عمل، ويشكل 7% من الناتج الداخلي الخام.
وحقق قطاع السياحة بالمملكة، عائدات بقيمة 78.6 مليار درهم (8.25 مليار دولار) في 2019، بارتفاع 7.7% مقارنة مع 2018.