كولومبيا بين اليمين واليسار في أول انتخابات رئاسية بعد اتفاق السلام
ترتسم ملامح مواجهة غير مسبوقة بين اليمين واليسار في كولومبيا الأحد في أول انتخابات رئاسية منذ السلام مع حركة التمرد القوات المسلحة الثورية الكولومبية (فارك) الذي ادى الى استقطاب في مجتمع مزقه النزاع، ويبدو مستقبله رهنا بهذه الانتخابات.
وفي كولومبيا حيث يحكم اليمين دائما، يبدو مرشحه إيفان دوكي الجديد في السياسة، الاوفر حظا لهذه الدورة الأولى، لكنه يواجه منافسة من مرشح معاد للنظام هو غوستافو بيترو، رئيس بلدية بوغوتا اليساري السابق.
وكتب رئيس الدولة المنتهية ولايته خوان مانويل سانتوس (66 عاما) في تغريدة، ان “هذه الانتخابات تنطوي على معنى كبير لبلد يسوده الرجاء. يتعين علينا الاستمرار في بناء السلام”. ودعا الكولومبيين السبت الى المشاركة “بكثافة” و”سلميا في هذا القرار البالغ الأهمية للمستقبل”.
وبعد ولايتين منذ 2010، لا يستطيع هذا الرئيس الآتي من وسط-اليمين، وأنهى مواجهة مسلحة استمرت اكثر من نصف قرن، ان يترشح. وبات ترسيخ السلام الذي أضعفه التأخر في تطبيق الاتفاق، رهنا بخلفه.
وينوي اليمين المتشدد، المعارض للاتفاق الموقع مع حركة التمرد، والمحادثات التي بدأت مع جيش التحرير الوطني، آخر حركة تمرد في البلاد، استعادة الرئاسة مع مرشح شاب. وإذا لم يتحقق ذلك الأحد، ففي الدورة الثانية في 17 حزيران/يونيو.
– سلام وفساد ولا مساواة –
وبالإضافة الى اعادة النظر في اتفاق السلام الذي يعتبره متساهلا حيال المتمردين السابقين الذين يُعفون من السجن اذا ما اعترفوا بجرائمهم، يعد ايفان دوكي باستئصال المخدرات والفساد وإنعاش رابع اقتصاد في اميركا اللاتينية سجل تراجعا في النمو الذي بلغ 1،8 بالمئة .
ومن بين المرشحين الستة، يمثل هذا المحامي والخبير الاقتصادي إئتلافا يقوده المركز الديموقراطي الذي يتزعمه ألفارو أوريبي، الرئيس السابق المثير للجدل لكنه يتمتع بشعبية. ويدافع دوكي الذي سيحصل على ما بين 37،6% و41،5% من الأصوات، كما تفيد استطلاعات الرأي، عن حرية المبادرة والقيم التقليدية للعائلة، وينتقد فنزويلا المجاورة الواقعة في الافلاس.
وأبرز منافسيه، غوستافو بيترو الذي تمنحه استطلاعات الرأي 24،2% الى 29،5% من الأصوات، وينتمي الى حركة “كولومبيا انسانية”. وهو متمرد سابق في حركة ام-19 المنحلة. وفي الثامنة والخمسين من العمر، يبهر الجماهير ببرنامج يتعاطف مع الفقراء، لكنه يتعرض للانتقاد بسبب علاقاته مع الاشتراكية الفنزويلية.
وفي بلد متحالف مع الولايات المتحدة، يدافع عن الاتفاق مع التمرد السابق (فارك) والحوار مع جيش التحرير الوطني الذي علق تحركاته المسلحة بمناسبة الانتخابات. إلا ان السلطات شددت التدابير الأمنية للانتخابات، من الساعة 8،00 الى 16،00 (13،00 الى 21،00 ت غ) ونشرت حوالى 150 الف جندي.
وما زال هذا البلد، المنتج العالمي الاول للكوكايين، والذي يبلغ عدد سكانه 49 مليون نسمة، يواجه عنف المجموعات غير الشرعية التي تتنازع السيطرة على تجارة المخدرات في المعاقل القديمة للقوات المسلحة الثورية الكولومبية التي تحولت الى حزب سياسي ابقى على الاحرف الاولى من اسمه.
وتواجه كولومبيا التي تتصدر البلدان التي يسودها عدم المساواة في القارة، بعد هايتي وهندوراس، صعوبة في الخروج من نزاع تورطت فيه طوال عقود، حوالى ثلاثين حركة تمرد وقوات الأمن وقوات شبه عسكرية، واسفر عن اكثر من ثمانية ملايين ضحية بين قتيل ومفقود ومهجر.
– تأثير اوريبي –
في 2016 ووسط مفاجأة كبرى، رُفض اتفاق السلام في استفتاء، قبل ان يُعاد التفاوض في شأنه، ثم التصويت عليه في البرلمان. ولا يمكن احيانا توقع نتائج الانتخابات، وعادة تبلغ نسبة الامتناع عن التصويت 50%.
وقال نيكولاس ليندو استاذ العلوم السياسية في جامعة سيرجيو أربوليدا، لفرانس برس ان “مرشحين يتصدران بوضوح، وما لم تحصل مفاجأة وخطأ كبير في استطلاعات الرأي، سينتقل بيترو ودوكي الى الدورة الثانية، على رغم امكانية فوز دوكي ايضا في الدورة الاولى”.
وبعدما منيت بهزيمة ساحقة في اذار/مارس عندما واجهت حقيقة صناديق الاقتراع ولم تتمكن من تجاوز 0،5% للفوز بأكثر من المقاعد النيابية ال 10 الممنوحة باتفاق السلام، تخلت القوة البديلة الثورية المشتركة (فارك) عن الانتخابات الرئاسية.
وفرض اليمين المتشدد نفسه في هذه الانتخابات التشريعية. واذا ما خلف سانتوس في 7 آب/اغسطس، فيتعين على دوكي الاعتماد على دعم الكونغرس. لكنه يستفيد خصوصا من هالة اوريبي. وبعد ولايتين (2002-2010)، لا يستطيع “والد كولومبيا”، كما وصفه أحد مديري الاجتماعات، ان يترشح.
لكن المحلل اندريس ماسياس من جامعة اكسترنادو نبه الى ان “استطلاعات الرأي تؤكد ايضا مستوى كبيرا من المترددين او التصويت بورقة بيضاء، وهذا ما يمكن ان يؤدي الى مفاجأة”.