كندا تمنح الأطفال الموتى بيوتاً بأسمائهم وتسمح للأمهات بزيارتهم والحديث عن آلام الفقدان
غير عادية، تساعد الكنديين على كسر المحظورات الموجودة في العديد من المجتمعات، ومساحة يمكن للوالدين التحدث فيها علانية عن حالات الإجهاض وفقدان أطفالهم، دون أن يشعروا بالخجل أو الغرابة.
بعد أن أنجبت ديبي بالينو طفلها الأول، كانت تتمنى وزوجها أن يكونا أسرة كبيرة، لكن مشكلتها بدأت مع حملها بطفلها الثاني، فكان أول إجهاض لها، ومن بعدها عانت من 8 حالات إجهاض أخرى على مدار خمس سنوات، وعليه عاشت فترةً عصيبةً من حياتها كما قالت في لقاء معها أجراه موقع BBC Mundo.
تعاني حوالي 3000 امرأة كندية من ولادة جنين ميّت كلَّ عام، ويقدر ما بين 15% و20% من حالات الحمل تنتهي بالإجهاض، فقدت ديبي 5 أطفال في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل، و4 في أشهر الحمل الأخيرة وكانت تراودها الكثير من الأسئلة
ماذا تفعل ببقايا طفل يموت أثناء الحمل؟ كيف تكرّم ذكراه؟
هل من المفترض أن تقيم له جنازة، أم أن الظروف ستجبرها على تجاهله؟ تقول إن أصعب لحظة مرت بها حين أخبروها في المستشفى أنهم سيتولون دفن ابنتها، لأن الجثمان لا يعدو كونه أكثر من «نفايات بيولوجية».
حين بدأت حالتها النفسية في السوء بشكل أكبر، أخبرها أحد الأطباء عن المكان الذي ساعدها بشكل كبير على التعافي، وهو حديقة الأرواح الصغيرة Little Spirits Garden
تأبين الأطفال الرضع
حديقة الأرواح الصغيرة مصمَّمة لتأبين الأطفال الذين يموتون أثناء الحمل، تم الانتهاء منها في عام 2012، وتقع داخل مقبرة Royal Oak في فيكتوريا، بكولومبيا.
توجد داخلها سلسلة من الركائز الخرسانية الطويلة، التي ترتكز عليها المنازل الرمادية الصغيرة. التي تسمى «بيوت الأرواح»، كل واحد منها لتكريم ذكرى طفل ميت، ويوجد حوالي 400 منزل في الحديقة، وتتسع مساحتها لحوالي 3000 منزل.
يقوم الأطباء بتوصيل الوالدين اللذين تعرَّضا لفقدان طفلهما، مثل ديبي، بفريق إدارة الحديقة، عندما يعتقدون أنهما بحاجة إلى ذلك نفسياً، ويقدمون هناك خدمات دعم نفسي مجانية وتُموَّل من التبرعات.
وسواء حُرق رفات الطفل أم لا، فإن كل الآباء يُمنحون منازل من «بيوت الأرواح» باسم أولادهم، حتى أولئك الذين تعرضوا لعملية الإجهاض في عمر مبكر من حياة الجنين ولم يتمكنوا من الحصول على جثة.
في الحديقة أيضاً تستطيع كل أم شرح ما تشعر به، فمثلاً في حالة ديبي التي تمتلك 9 منازل في الحديقة، فإنها تقول: «منازل الأرواح التي منحوني إياها هي أكثر ما يمكن لإنسان أن يمنحه لغيره من الكرم والحب واللطف، لأن الشيء المحزن بشأن الإجهاض أو الجنين الميت هو أنه من التابوهات، ولا أحد يتحدث عنه، هذه الحديقة هي مكان يمكنك فيه أن تشعر بما تحتاج أن تشعر به بحريّة، وأن تكون في حداد كما تريد»
صَمم هذه الحديقة مهندسا الحدائق الكنديَّيْن بيل بيتش وجوزيف دالي، إذ جاء الإلهام بفكرة الحديقة بعد أن قضى بيتش فترة في اليابان، حيث عاش لمدة عامين.
عندما كان هناك صدمته التقاليد البوذية التي يُطلق عليها جيزو، وهي إنشاء تماثيل نذرية صغيرة لإعلان وفاة طفل، وغالباً ما توضع في المعابد التي توجد بها مدافن مُرفقة.
خلال الاحتفالات يزيّنون هذه التماثيل بالملابس التقليدية، مثل أغطية الرأس الصغيرة التي ينسجها الوالدان، وتوضع معاً لتشكيل موكب طويل.
يقول بيل: «من الملهم والرقيق والجميل رؤية هذه الإبداعات، أبهرني الشعور بالضخامة عندما رأيت هذه التماثيل تعرض بشكل يُشعرك أن الجميع يشعرون بالخسارة لفقدان هؤلاء الأطفال».
«لقد أدركت كم من الضروري أن تكون هناك حديقة للأرواح في كندا، لأن البيت رمز عالمي للأمان وليس رمزاً دينياً» .
أجرى فريقه سلسلة من ورش العمل لبحث رأي الناس حول الفكرة، موجّهين دعوة للآباء الذين فقدوا الأطفال، والاستشاريين، ورجال الدين، كانت هناك بعض المعارضة، خاصة بين المسيحيين، الذين كانوا يترددون بسبب الأصل الياباني للفكرة، لكنه استمرّ.
تقول سوزان مكمولِن، التي تعمل في المقبرة، ولديها منزلان أيضاً هناك، إذ فقدت اثنين من أطفالها: «عندما أجريتُ عملية الإجهاض في عام 1991، كان الأمر مروِّعاً جداً بالنسبة لي ولزوجي، لأننا أنجبنا طفلاً بالفعل، وبدأنا في إخبار الناس في وقت مبكر جداً (عن الحمل الثاني)، مؤلم أن أخبر أصدقائي أنني حامل، وفجأة لم أعد كذلك»، وبعد أكثر من عقدين من الزمن اختارت هي وزوجها إحياء ذكرى أطفالها بمنازل في الحديقة.
تمنح الحديقة فرصةً لكل مَن له فقيد في الحديث، يُخرجون ما في أنفسهم من مشاعر قد لا يرغبون في البوح عنها مع أصدقائهم، لأنهم لن يتفهّموا الأمر، قد ينظرون للأم على أنها فقدت طفلاً لم يرَ النور، وأنَّ الأمر قد يؤثر عليها سلباً لفترة وجيزة ثم يمضي، لكن الحقيقة أنه ليس كذلك.