كل ما تريد معرفته عن مؤتمر البحرين.. “صفقة القرن”
بعد أكثر من عامين على اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطةً لإحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، سيتم الكشف عن أولى مراحل تلك الخطة يوم الثلاثاء 25 يونيو 2019 خلال ورشة عمل اقتصادية في البحرين.
وصفت قمة «السلام من أجل الازدهار» الاقتصادية لتشجيع الاستثمار في الأراضي الفلسطينية بأنها الشقّ الأول من الخطة السياسية الأشمل التي يعكف البيت الأبيض على إعدادها لإنهاء الصراع.
وأجرى جاريد كوشنر، صهر ترامب والمهندس الرئيسي للخطة، مقابلة حصرية مع رويترز يوم السبت، أطلعها خلالها على المقترحات الاقتصادية.
لا حديث حتى الآن عن دولة فلسطينية
لكن الشق الاقتصادي للخطة لا يأتي على ذكر دولة فلسطينية. ولم تعرف حتى الآن تفاصيل تُذكر عن الشق السياسي اللاحق من الخطة، والذي لابد أن يتطرق إلى هذه القضية وغيرها من القضايا التي ظلت عصيّة على منال صُناع السلام السابقين.
وتشمل هذه القضايا:
- وضع مدينة القدس والذي يشمل المواقع المقدسة لدى اليهود والمسلمين والمسيحيين.
- ترسيم حدودٍ متفق عليها بين الجانبين.
- التعامل مع المطلب الفلسطيني بإقامة دولة ووضع حد لاحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية المستمر منذ عقود.
- إيجاد حل لمحنة ملايين اللاجئين الفلسطينيين.
- التوصل لترتيبات لاقتسام الموارد الطبيعية النادرة، مثل المياه.
- التعامل مع المطالب الفلسطينية بأن تزيل إسرائيل المستوطنات التي يعيش فيها الآن أكثر من 400 ألف إسرائيلي بين نحو ثلاثة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، بالإضافة إلى 200 ألف مستوطن آخر في القدس الشرقية.
ما الذي نعرفه عن الخطة؟
ستتبنى ورشة عمل «السلام من أجل الازدهار» في المنامة نهج «الاقتصاد أولاً» للصراع السياسي والديني.
ومن وجهة نظر المؤيدين، يعكس ذلك توجهاً عملياً لم تشهده الساحة من قبل، لكن المنتقدين يرون أن هذا النهج يسلط الضوء على خبرات مهندسي الخطة الأمريكيين في مجال الأعمال.
ووفقاً للوثائق التي اطلعت عليها رويترز، تدعو الخطة إلى تأسيس صندوق استثمار بقيمة 50 مليار دولار لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني واقتصادات الدول العربية المجاورة.
ومن بين مشاريع البنية التحتية والأعمال المقترحة، وعددها 179 مشروعاً، هناك مشروع بقيمة خمسة مليارات دولار لإنشاء ممر لوسائل النقل بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وسيتم إنفاق أكثر من نصف الخمسين مليار دولار في الأراضي الفلسطينية المتعثرة اقتصادياً على مدى 10 سنوات، في حين سيتم تقسيم المبلغ المتبقي بين مصر ولبنان والأردن، التي تستضيف أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين مقارنة مع دول أخرى، وتخشى من أي إجراء سيؤدي إلى توطينهم بشكل دائم على أراضيها.
من سيدفع؟
تأمل إدارة ترامب أن يسهم آخرون، على رأسهم دول الخليج العربية الغنية ومستثمرون من القطاع الخاص، في دفع معظم قيمة التكلفة المقترح.
يمكن القول إن سقف التوقعات متدنٍّ، فلن يكون هناك ممثلون عن الحكومتين الإسرائيلية أو الفلسطينية في الورشة التي تهدف إلى الترويج للسلام بين الجانبين.
كما لن ينفذ الشق الاقتصادي من الخطة إلا بعد التوصل لحل سياسي لواحد من أكثر الصراعات تعقيداً في العالم.
وانهارت آخر محادثات سلام في 2014، لكن لم يكن هناك بصيص أمل يُذكر حتى في ذلك الوقت بعد انتفاضتين فلسطينيتين في العقود الثلاثة الأخيرة والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي ووصول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى السلطة.
ما الجديد إذاً في هذا المؤتمر؟
يسعى كوشنر وجيسون جرينبلات، مبعوث ترامب للسلام في الشرق الأوسط، لإبرام اتفاق ظاهره تحقيق الرخاء للفلسطينيين والأمن لإسرائيل.
لكن بعض المقترحات الاقتصادية سبق وأن طُرحت من قبل مثل الممر الذي يربط غزة بالضفة الغربية ووضعت على الرفِّ بسبب عدم وجود اتفاقات سياسية أو أمنية.
والقضية المهيمنة المسكوت عنها هي إن كان حديث إدارة ترامب عن توجّه جديد كناية عن التخلي عن حلّ الدولتين، وهي المعادلة الدولية المطروحة منذ فترة طويلة لإحلال السلام عن طريق إقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب مع إسرائيل.
وتدعم الأمم المتحدة ومعظم دول العالم حل الدولتين ولطالما كان هذا الحل جزءاً أساسياً من أي خطة سلام طُرحت خلال العقود الماضية. لكن فريق ترامب رفض بشكل مستمر الالتزام بها.
ماذا يقول الإسرائيليون؟
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إنه سيستمع إلى الخطة الأمريكية، لكنه كرر موقف إسرائيل الثابت بضرورة احتفاظها بوجود في غور الأردن الاستراتيجي الذي يقع في أقصى الشريط الشرقي من الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل والمتاخم للأردن.
وقال نتنياهو أمس الأحد: «سنستمع للمقترح الأمريكي.. سنستمع إليه بإنصاف وانفتاح. ولا أستطيع أن أفهم كيف يرفض الفلسطينيون الخطة دون حتى أن يستمعوا إليها».
وأضاف: «موقفنا في ظل أي اتفاق سلام سيكون ضرورة استمرار وجود إسرائيل هنا، من أجل أمن إسرائيل وأمن الجميع».
ويقول الفلسطينيون إن غور الأردن، الذي يمثل نحو 30% من الضفة الغربية، سيكون جزءاً حيوياً من أي دولة لهم في المستقبل، باعتباره سلة غذاء الضفة الغربية وحدودها الخارجية مع الأردن.
ماذا يقول الفلسطينيون؟
رفضت السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس ومنظمة التحرير الفلسطينية التعامل مع إدارة ترامب قبل 18 شهراً، متهمين إياها بالانحياز لإسرائيل. وتقاطع السلطة ومنظمة التحرير ورشة عمل البحرين. وقال عباس، أمس الأحد، إن الحلول الاقتصادية وحدها لن تكلل بالنجاح.
وأضاف عباس: «الأموال مهمة والاقتصاد مهم.. السياسة أهم.. الحل السياسي أهم. عندما يتم حل سياسي على أساس الشرعية الدولية.. على أساس رؤية الدولتين نحن ساعتها نقول مرحباً بكل من يريد أن يساعدنا سواء من المنامة أو غير المنامة، إنما الآن نحن ضد ما يجري في المنامة وضد صفقة العصر».
وتابع: «ماذا اخترع الأمريكان.. هذه الخمسين أو الستين مليار (دولار).. اتعودنا على الكلام هذا.. وبلاش نكذب على بعض ونسمع كذب لا أول له ولا آخر، واللي بعيش هيشوف الخمسين والستين مليار إذا بييجوا».
وقال إسماعيل رضوان المتحدث باسم حماس: «فلسطين ليست للبيع».
هل يمكن أن تنجح الخطة؟
- ناثان ثرال، مدير مكتب مشروع إسرائيل/فلسطين في مجموعة الأزمات الدولية:
«لا أمل في (نجاح الخطة) لأن الفلسطينيين لن يحضروا والدول العربية ليست أمامها سوى مساحة محدودة للغاية للمناورة فيما يتعلق بإلى أي مدى يمكن أن تخون الفلسطينيين في القضايا الجوهرية».
«إنها (الدول العربية) تخون الفلسطينيين بمجرد تقاربها المتزايد مع إسرائيل، لكن أن تخون الفلسطينيين في مسألة مثل الموقف العربي من القدس أو اللاجئين فهذا أمر لا يزال من الصعب تصوره، في 2019 على الأقل».
- عبدالرحمن الراشد، المدير العام السابق لتلفزيون العربية:
«سيقول كثيرون: (الأمر لا يتعلق بالاقتصاد يا غبي).. مَن يعارضون (الخطة) سيطالبون بحل سياسي يستند إلى إقامة دولة فلسطينية. لكنني أعتقد أن الاقتصاد مهم ونحن لم تنقصنا قط الحلول السياسية. بناء الطرق والجسور سيؤدي إلى رأب صدع الخلافات السياسية».
- أرون ديفيد ميلر، مفاوض سابق في ملف الشرق الأوسط في إدارات ديمقراطية وجمهورية أمريكية:
«لا أستطيع أن أقول لكم كم عدد المرات، خلال عملي في المفاوضات العربية الإسرائيلية على مدى 20 عاماً، التي وضعت على مكتبي مقترحات خاصة بالشرق الأوسط على غرار خطة مارشال. لكن الواقع هو أنه من حيث الترتيب والحجم فإن استخدام الحوافز الاقتصادية ينطوي على مشاكل بالغة وهي التعامل مع التنمية والتجارة والمساعدات وبناء المؤسسات قبل التعامل أولا مع الاحتياجات السياسية الأساسية ومتطلبات أطراف الصراع».
- رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري:
«نؤكد أن الاستثمار الوحيد الذي لن يجد له في لبنان أرضاً خصبة هو أي استثمار على حساب قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.. مستر كوشنر لن يكون لبنان واللبنانيون شهود زور أو شركاء في بيع فلسطيني بثلاثين من الفضة».
- جاريد كوشنر، المستشار الكبير بالبيت الأبيض:
«ستكون هناك إشادة في بعض المواضع، وستكون هناك انتقادات في بعض المواضع وآمل أن تكون بناءة. أفضّل دائماً أن يتحدث الناس عما يؤيدونه بدلاً من الحديث عما يعارضونه، وإذا كان لدى الناس نقد بناء، فنحن نرحب به، وسنحاول القيام بتعديلات، لكن نأمل أن نتمكن من جمع كل الناس المختلفين معاً من أوروبا وآسيا والشرق الأوسط والاتفاق على أن هذا مسار جيد للمضي قدماً إذا استطعنا حل القضايا السياسية».
هل الوقت مناسب الآن؟
من المؤكد أن توقيت طرح الخطة معقد. فالعلاقات الأمريكية – الإسرائيلية في أفضل حالاتها؛ إذ إن ترامب ونتنياهو من أوثق الحلفاء.
لكن العلاقات الأمريكية – الفلسطينية هَوَت إلى الحضيض بعد قرارات ترامب في 2017 بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية من تل أبيب للقدس.
وقال عباس إنه لم يعد من الممكن اعتبار واشنطن وسيطاً أميناً في أي محادثات سلام مع إسرائيل.
كما أن الشرق الأوسط منشغل بالأحداث في الخليج، في ظل مخاوف من أن التوترات بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب السُّنة من جهة وإيران من جهة أخرى، قد تتصاعد إلى عمليات عسكرية من المرجح أن تهدد إيرادات النفط واستقرار المنطقة.
كما يقف ترامب ونتنياهو على أعتاب حملات انتخابية، الأول بهدف إعادة انتخابه، والأخير بعد فشله في تشكيل حكومة ائتلافية عقب انتخابات أبريل/نيسان.
لماذا البحرين؟
في ظل استبعاد إسرائيل والضفة الغربية وغزة لأسباب سياسية وأمنية، كانت إدارة ترامب تحتاج لمكان آمن في المنطقة.
والبحرين حليفة للولايات المتحدة وبوسعها استضافة حدث ضخم، كما أنها تستضيف الأسطول الخامس التابع للبحرية الأمريكية.
ويقع فندق فور سيزون، الذي ستقام فيه الورشة لمدة يومين، على جزيرة مرتبطة بالبر الرئيسي بجسر واحد. ويتيح هذا للسلطات السيطرة على الأمن في البلد الذي شهد اضطرابات سياسية عدة أعوام.
متى سيُكشف النقاب عن الخطة السياسية؟
لا أحد يعرف على وجه اليقين، كما لم تلزم إدارة ترامب نفسها بموعد.
وقال جرينبلات إنه من الممكن تأجيل الشق السياسي حتى نوفمبر/تشرين الثاني؛ لأن إسرائيل ستجري انتخابات في سبتمبر/أيلول هي الثانية لها في ستة أشهر.
وقال كوشنر لرويترز: «ما فكرنا فيه هو أن من الأفضل طرح الخطة الاقتصادية أولاً. إنها أقل إثارة للجدل. فلندع الناس يدرسونها ويعطوننا رأيهم فيها».
ورغم أن المعالم المحددة للخطة لم تُكشف بعد، فإن مصادر فلسطينية وعربية جرى إطلاعها بشكل مقتضب على مسوّدة الخطة السياسية، تخشى من أنها تسعى لأن ترشو الفلسطينيين لقبول الاحتلال الإسرائيلي لضفة الغربية، تمهيداً لأن تضم إسرائيل نحو نصف أراضي الضفة تاركةً للفلسطينيين كانتونات متناثرة.
من سيذهب إلى البحرين؟
سيكون وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين أرفع مسؤول في الوفد الأمريكي الذي سيشمل أيضاً كوشنر وغرينبلات.
ومن المتوقع أن ترسل إسرائيل وفداً اقتصادياً، لكن لن يتضمن مسؤولين حكوميين.
وقالت مصر والأردن إنها ستحضران لكن بتمثيل منخفض. وسيرسل كل من البلدين نائباً لوزير المالية. ولأنهما البلدان العربيان الوحيدان اللذان أبرما اتفاقات سلام مع الإسرائيليين، كان من المهم بالنسبة للأمريكيين أن يكونا حاضرين.
وقال مسؤول كبير في إدارة ترامب إن الصين لم تؤكد بعد إن كانت سترسل مندوباً، لكن كيريل ديمترييف رئيس صندوق الثروة السيادي الروسي يعتزم الحضور.
إلا أن وزارة الخارجية في موسكو انتقدت ورشة العمل وأصدرت بياناً الشهر الماضي قالت فيه إن من «غير المقبول تحويل مسار عملية السلام في الشرق الأوسط بعيداً عن الإطار القانوني الدولي».
وقال صندوق النقد الدولي والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية والبنك الدولي إنهم يعتزمون المشاركة.
ولم تؤكد معظم دول الخليج من سترسل إلى الورشة. وتعتزم الإمارات والسعودية الحضور، لكنهما أكدتا للفلسطينيين أنه لا نية لتأييد خطة لا تلبي مطالبهم الرئيسية.
وسيشمل الفريق السعودي وزير الاقتصاد محمد التويجري، والمشرف العام على صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان. ووفقاً لمصدر مطلع على الخطة، فلم يُطلب من الصندوق الالتزام بتقديم أي أموال للخطة.
وذكرت وسائل إعلام كويتية أن الكويت ستكون مُمثلة على مستوى فني وليس سياسياً، وسترسل على الأرجح مسؤولاً من وزارة المالية.
وقال مسؤولون أمريكيون إن المغرب سيحضر لكن المملكة لم تؤكد ذلك بعد. وأوضح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أن المغرب لا يزال ملتزماً بحل الدولتين الذي يضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس.
أما الأمم المتحدة فسترسل جايمي ماكجولدريك، منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية. لكن في اليوم ذاته الذي تبدأ فيه أعمال الورشة في البحرين، ستعقد وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) مؤتمرها السنوي للمانحين في نيويورك. وقطعت الولايات المتحدة بالفعل كل التمويل الذي كانت تقدمه للوكالة.
الغائبون عن الورشة؟
قال القادة السياسيون الفلسطينيون إنهم سيقاطعون المؤتمر، كما أعلن عدد من قيادات قطاع الأعمال الفلسطيني أيضاً مقاطعتهم.
لكن الاستثناء من ذلك هو أشرف الجعبري، من مدينة الخليل الذي تربطه علاقات وثيقة بمجموعات مستوطنين إسرائيليين. وأبلغ مسؤول أمريكي رويترز أن من المتوقع أن يحضر 15 فلسطينياً على الأقل.
ولن يحضر لبنان والعراق.