«كلما تأزم الوضع في لبنان تنهار الليرة السورية أكثر».. إلى أين سيصل زلزال انهيار العملة في دمشق؟
تصاعدت حدة هبوط الليرة السورية مؤخراً، مع تراجع مصادر الحصول على نقد أجنبي، يحمي أسواق الصرف في البلاد من انتعاش الأسواق الموازية (السوداء). وكان للأحداث في كل من لبنان وإيران دور في تصاعد حدة تراجع الليرة السورية الناتج بشكل رئيس عن زيادة الطلب على النقد الأجنبي، بحسب محللين، إلى جانب الأوضاع غير المستقرة منذ 2011.
ماذا حدث؟
فقدت الليرة السورية ثلث قيمتها مقابل الدولار منذ مطلع العام الجاري؛ حيث انخفضت قيمتها مقابل الدولار خلال أسبوعين من 900 ليرة إلى 1200 في السوق غير الرسمية، مسجلة رقماً قياسياً في قيمة الانخفاض.
وبعد وصول سعر الصرف إلى 1200 ليرة لكل دولار، تكون العملة الأمريكية صعدت مقابل العملة السورية بنحو 25 ضعفاً، منذ بدء الثورة السورية في مارس/آذار 2011، البالغ حينها سعر الدولار 49 ليرة.
ما العوامل التي أدت إلى ذلك؟
يقول جاسم عجاقة، الخبير الاقتصادي والأستاذ في الجامعة اللبنانية، إن تراجع الليرة السورية نتاج طبيعي للأزمة التي تعصف بسوريا منذ 2011 حتى اليوم، وما نتج عنها من تدمير للماكينة الاقتصادية السورية والعقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا.
وذكر عجاقة أن «كل هذه العوامل تؤثر سلباً على الليرة السورية، وتدفعها إلى التراجع، ولا يخفى على أحد أن الترابط العضوي بين الاقتصادين السوري واللبناني».
وأوضح أن شح الدولار في الأسواق اللبنانية أثر بشكل مباشر على الليرة السورية وخفض من قيمتها مقابل الدولار. مضيفاً أنه أيضاً كان للمضاربة من قبل بعض شركات الصرافة، ومافيات العملات تأثير سلبي وهذا ما دفع المركزي السوري إلى إقفال عشرات مكاتب الصرافة.
مرجحاً أنه كلما تأزم الوضع في لبنان سيكون له تداعيات على الليرة السورية. وأفاد الأستاذ الجامعي بأن التاريخ أثبت أن التأثير الاقتصادي بين لبنان وسوريا كبير، فعند وقوع الأزمة السورية تراجع الوضع الاقتصادي في لبنان، كذلك الأمر عند بدء الأزمة الاقتصادية الحالية في سبتمبر/أيلول الماضي، تأثر الاقتصاد السوري.
سنوات الحرب
أما الخبير الاقتصادي محمد العون فيرى أن الليرة الضعيفة هي نتاج سنوات الحرب والاضطرابات الإقليمية والاقتصاد الهشّ. معتبراً أنه بغياب الرقابة وشح العملة في البنوك المحلية، تجد تفاوتاً كبيراً بين السعر الرسمي والسوق السوداء للعملات الأجنبية.
وبالنسبة للتراجع الكبير في الأسابيع الأخيرة، فإنه يعود بشكل رئيس إلى استمرار العقوبات الاقتصادية ضد إيران وتصاعد التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وإيران، ومقتل قاسم سليماني، ما زاد مخاوف اشتعال حرب مع طهران الحليف الأبرز للنظام السوري، يقول عون.
مشيراً إلى أن الاضطرابات السياسية في لبنان وتأثرها اقتصادياً وإغلاق البنوك هناك، أثر بنحو ملموس على توفير العملة في سوريا.
محاولة يائسة للنظام
وفي محاولة بائسة للسيطرة على الوضع، أصدر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال الأسبوع الجاري مرسوماً تشريعياً، بتشديد عقوبة كل من يتعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات، أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري أو التسديدات النقدية، سواء كان ذلك بالقطع الأجنبية أم المعادن الثمينة.
حسب المرسوم، تم تعديل المادة الثانية من التشريع رقم 54 لعام 2013، بتغليظ العقوبة بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن 7 سنوات وغرامة مالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة.
ونص المرسوم: «في حال كان المبلغ المتعامل به 5 آلاف دولار فأكثر، أو ما يعادله من العملات الأجنبية الأخرى أو المعادن الثمينة، كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة من 3 إلى 10 سنوات والغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد على ألا تقل عن مليون ليرة سورية».
وكانت العقوبة في السابق الحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات، والغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات على ألا تقل عن 100 ألف ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين.
إلى أين ستصل آثار هذا الانهيار؟
في وقت سابق، قال عبدالرحمن مصطفى، رئيس الحكومة السورية المؤقتة، إن تراجع الليرة أمر طبيعي في ظل الظروف التي يمر بها النظام الحالي. وذكر مصطفى أن الاقتصاد المحلي يواجه رزمة ضغوط سابقة تتمثل في «ارتفاع الدين العام، وتجميد أرصدة البنك المركزي، وانهيار كافة المؤشرات التنموية، وانخفاض الناتج المحلي، بينما خرجت معظم ثروات البلد من سيطرته».
معتبراً أن «التجار بدورهم عاجزون عن سحب أرصدتهم من البنوك اللبنانية، بعد الاضطرابات التي تشهدها عديد المدن في لبنان.. تقدر أرصدة التجار السوريين في بنوك لبنان بـ30 مليار دولار».
وعجز النظام عن التدخل في السوق لتثبيت سعر الصرف، بعد فقدانه الأدوات اللازمة لذلك، إذ إنه بعد انهيار الليرة الحاد أصبح متوسط الأجر في مناطق النظام لا يتجاوز 50 دولاراً شهرياً، وهذا مبلغ لا يكفي لتأمين الحد الأدنى من مستوى المعيشة.
وبالتالي، فإن تراجع الليرة سيؤثر على المواطنين في مناطق سيطرة المعارضة؛ بسبب وجود تبادل تجاري لبعض المنتجات والمواد بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة، بحسب مصطفى. مردفاً: «ستعاني مناطق سيطرة النظام من عاملين سلبيين: الأول انهيار سعر الصرف، والآخر بسبب تخفيض الدعم الاجتماعي بحوالي 378 مليار ليرة خلال 2020».