كذبة احتيالية كبيرة أدَّت إلى بيع مئات الآلاف من الأقراص الموسيقية للموسيقار النمساوي موزرات
بسبب ما يُسمَّى » تأثير موزارت «، تم بيع مئات الآلاف من الأقراص المدمجة للموسيقى الكلاسيكية مع صور أطفال مبتسمين على الغلاف.
على اعتبار أن الاستماع إلى موسيقى الملحن النمساوي الشهير مفيد لتطوير الذكاء.
من أين جاءت فكرة تأثير موزارت وما حقيقتها؟
كما هو الحال في العديد من الأساطير الأخرى، فإن أصلها موجود في دراسة علمية أُسيء استخدام نتائجها.
وحسب موقع El Español الإسباني، فقد بدأ كل شيء في عام 1993، عندما نشرت مجلة Nature دراسةً لجامعة كاليفورنيا عن الاستدلال المكاني.
وفي إحدى التجارب، قامت مجموعة من الطلاب الذين استمعوا إلى Sonata for Two Pianos in D major لموزارت بأداء أفضل، في اختبار يتطلَّب ثني وتقطيع الأوراق.
وذلك مقارنة بالآخرين الذين سمعوا فقط إرشادات للاسترخاء، أو لم يستمعوا إلى شيء على الإطلاق.
كانت مقطوعة محدّدة سمعتها مجموعة من طلاب الجامعات، الذين طلب منهم أداء مهمة محدَّدة استمرَّ تأثيرها 15 دقيقة فقط، وفقاً للباحثين.
وهي ظروف غير كافية أبداً لاستخلاص استنتاجات كبيرة، بغضِّ النظر عن أنَّ مَن نشر نتائج التجربة كانت واحدة من المجلات العلمية العظيمة.
بالإضافة إلى ذلك، لم تذكر النتائج شيئاً عن زيادة الذكاء من الأساس.
الاستماع إلى موسيقى موزارت يجعلك أكثر ذكاء
ورغم ما سبق، فقد بدأت الصحافة في نشر استنتاجاتها الخاصة بها: الاستماع إلى موزارت يجعلك أكثر ذكاء.
شملت هذه الاستنتاجات تأثيرات على الشباب والأطفال والرضع، وحتى الأجنة.
«الاستماع إلى موسيقى موزارت أثناء الحمل يجعل الطفل أكثر ذكاءً من أقرانه»، وذلك على الرغم من حقيقة أنه لم تكن هناك دراسة حول هذه الأعمار.
ولكن دائماً ما نجد ذلك الشخص الذي يأتي ليعطي موثوقية لنظرية ما، بحيث يجعلها حقيقة غير قابلة للشك.
كان هذا الشخص هو دون كامبل، مؤلف كتاب The Mozart Effect، الذي نُشر في عام 1997، مع العنوان الفرعي: «استفِد من قوة الموسيقى لشفاء الجسم وتقوية العقل وإطلاق الروح الإبداعية».
يبدو أن الأمر قد حقَّق نجاحاً، ولكن من المربح دائماً التركيز على الأطفال، وإقناع الآباء بشراء أشياء تجعل أطفالَهم أكثر ذكاء.
لذلك، بعد بضع سنوات، نشر كامبل تأثير موزارت على الأطفال: أيقظ عقل وصحة وإبداع الصغار بالموسيقى.
لا أحد أفضل من السياسيين لنشر الكذب
في الواقع، بدأ الأمر قبل دراسة مجلة Nature، وذلك في منتصف القرن العشرين، عندما بدأ أخصائي الأنف والأذن والحنجرة ألفريد توماتيس، في التنظير حول قدرة الموسيقى على الشفاء.
وعلى وجه الخصوص، بأن موزارت يمكن أن تكون له تأثيرات إيجابية في علاج اختلال وظائف المخ.
يرفض المجتمع العلمي اليوم أساليب هذا الشخص المثير للجدل، ولكن من دون شك أنه كان مؤثراً في وقت انتشار هذه الأفكار.
وبطبيعة الحال، لا شيء أفضل من السياسيين لنشر الأكاذيب.
قرَّر حاكم جورجيا تقديمَ قرص مدمج لموسيقى موزارت لكل مولود جديد في ولايته.
وفي فلوريدا، التي لا يجب أن تكون أقل من جورجيا، قرَّروا القيام بشيء أكثر فاعلية؛ تشغيل هذه الموسيقى في دور الحضانة.
ولكن ما الذي يقوله العلم؟
في عام 2007، قام تقرير علمي للحكومة الألمانية بمراجعة منهجية للأدبيات العلمية حول العلاقة بين الذكاء والاستماع إلى الموسيقى.
كان الاستنتاج قاطعاً؛ الاستماع إلى موزارت «أو أي موسيقى أخرى» لا يجعل أي شخص أكثر ذكاءً وفقاً للبحث الذي قاموا به.
الملاحظة الوحيدة هي أنه من الضروري إجراء المزيد من الدراسات طويلة الأجل، لمعرفة ما إذا كان للموسيقى أي تأثير على معدل الذكاء.
«أداة تسويقية» لصناعة الموسيقى
في دراسة بعنوان Mozart doesn’t make you clever نشرت مجلة Natureهذه الاستنتاجات التي فنَّدت دراسة عام 1993 «المثيرة للجدل»، باعتبارها مصدر هذه الكذبة، وندَّدت بأن ما يسمى «تأثير موزارت» ليس أكثر من «أداة تسويقية» لصناعة الموسيقى.
في العام 2010، أكد مقال نُشر في مجلة Intelligence نتائج تلك الدراسة، واعتمد علماء النفس من جامعة فيينا، النمسا، على ما يقرب من 40 دراسة شارك فيها حوالي 3000 شخص «أنه لا يمكن تكرار النتائج حول الاستدلال المكاني لمقطوعة Sonata for Two Pianos in D major، ناهيك عن القول إنها تُحسن الأداء الفكري».
وفي تصريحات للصحافة، أوضح الباحث المسؤول عن الدراسة، جاكوب بيتشنج، في معرض دفاعه عن اسم موسيقار بلاده العظيم: «أوصي الجميع بالاستماع إلى موسيقى موزارت، لكن انتظار أن تساعدهم في تحسن القدرات المعرفية لن يتحقق».