قمة تركيا: مناطق خفض التصعيد أم تقسيم النفوذ في سوريا؟
بدأت سوريا مرحلة تحالفات وصراعات جديدة مع بداية دخولها إلى عام 2018، فقد أصبح جلياً أن روسيا هي من تملك دفة القيادة الرئيسية هناك وبالتالي يجب أن تسير الأمور وفقاً للخطط التي رسمتها من أجل المنطقة. فكانت عملية “غصن الزيتون” التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أجل السيطرة على منطقة عفرين الكردية شمال غربي سوريا في يناير/كانون الثاني 2018، بعد أن أخذ الضوء الأخضر من روسيا.
وبالمقابل تخلت تركيا عن دعم الفصائل السورية المعارضة التي كانت تحارب الحكومة السورية في الغوطة الشرقية، ورُحلت تلك الفصائل إلى مناطق خاضعة للسيطرة التركية. ويرى مراقبون أن صفقات أخرى مرتقبة تستبعد الحلول لإنهاء الحرب في سوريا.
الهدف من قمة أنقرة
عقد رؤساء كل من تركيا وإيران وروسيا قمة ثلاثية في أنقرة في الرابع من أبريل 2018، من أجل مواصلة البحث عن تسوية الخلافات بين الأطراف المتصارعة بعد عدة مفاوضات ومباحثات لم تنهِ أي منها الحرب بسبب عدم التزام الأطراف بالبنود المتفق عليها.
أما في مفاوضات أستانة، فخرجت تركيا وروسيا باتفاق حول مناطق خفض التصعيد في سوريا، تشمل إدلب وأجزاء من حلب واللاذقية وحمص والغوطة في ريف دمشق.
لكن على أرض الواقع، لم يكن هناك وقفاً لإطلاق النار. فكانت محادثات سوتشي التي عقدت في نوفمبر/تشرين الثاني 2017. والتي ظهرت بعض نتائجها في مارس 2018 من خلال الاجتياح التركي لمدينة عفرين والسيطرة عليها.
وقالت جانا جبور الخبيرة بالشؤون التركية إن “هدف قمة أنقرة هو إعادة تنظيم مناطق النفوذ في سوريا وإعادة التفاوض حولها والتفكير في مستقبل شمال سوريا بعد الانسحاب الأميركي”.
صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مؤتمر صحفي أقيم بالبيت الأبيض في الثالث من أبريل / نيسان 2018، عن نيته في سحب قواته من سوريا قائلاً ” إن مهمتنا الأساسية في سوريا تنتهي بانتهاء تنظيم الدولة هناك، وإن السعودية مهتمة جدا ببقائنا، فإذا كانت تريدنا هناك، يجب عليها أن تدفع”.
وقال البيت الأبيض في اليوم التالي أن مهمة الجيش الأمريكي في سوريا تقترب من الانتهاء، لكنه لم يحدد جدولاً زمنيا للانسحاب من هناك.
وكان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في زيارته للولايات المتحدة في مارس/آذار 2018 قد دعا واشنطن إلى البقاء في سوريا على المدى المتوسط أو البعيد منعاً من توسع النفوذ الإيراني في المنطقة، التي تعمل مع بعض حلفائها الإقليميين على إنشاء طريق بري يسمى بـ”الهلال الخصيب” أو كما يسميها بن سلمان ” الهلال الشيعي”، الذي يبدأ من لبنان وينتهي في إيران، مروراً بسوريا والعراق.
تعقيدات الحل
يعتبر الأكراد “صفقة” مبادلة مدينة عفرين الكردية شمال غربي سوريا بالغوطة الشرقية الدمشقية ، وفقاً للاتفاق الروسي التركي، لا تعني نهاية الأمر أو اقتراب الوصول إلى الحل.
فسيطرة الجيش التركي بالتعاون مع فصائل المعارضة السورية المتحالفة معها على عفرين وتهجير سكانها الذين تتجاوز أعدادهم مئات الآلاف، هي قضية جديدة من نوعها في تطورات المسألة السورية.
وحسب تصريحات بروسك حسكة القيادي في وحدات حماية الشعب في عفرين، فإن “العمليات العسكرية لم تتوقف في عفرين بل تغير شكلها فقط، وأصبحت حرب الكر والفر”.
ويضيف بروسك :” لن نقبل بعملية التغيير الديموغرافي الذي حصل بطريقة قسرية في عفرين، ولا تملك الفصائل المعارضة الموجودة حالياً هناك أية قاعدة شعبية تدعمها وخاصة بعد أن هُجِّر الأهالي وسلبت أموالهم وممتلكاتهم و منازلهم”.
قوات الجيش الروسي على بسط سيطرتها في معرة النعمان وجسر الشغور القريبتين من مناطق سيطرة قوات الحكومة على الساحل السوري، بالإضافة إلى وجودها الجزئي في تل رفعت ومطار”منغ” العسكري اللذين يعتبران الهدف التالي لتركيا بعد سيطرتها على عفرين في 18 مارس/آذار 2018.
ويُعتقد أن تركيا ستبحث مع روسيا في قمة أنقرة مسألة بلدة “تل رفعت” الفاصلة بين مناطق السيطرة التركية.
ويبقى السؤال، هل ستوافق روسيا على الطلب التركي أم لا، وما هي الصفقة القادمة بعد الغوطة الشرقية وعفرين؟
ويرى مراقبون سوريون ودوليون، أن روسيا قد تقبل بالتنازل عن تل رفعت لصالح تركيا كما فعلت في عفرين، مقابل طرد فصائل المعارضة من معرة النعمان وجسر الشغور.
منبج بين أنقرة وواشنطن
بعد أن سيطرت أنقرة على عفرين، وجهت تهديداتها إلى منبج حيث يديرها مجلس منبج العسكري وقوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة.
وقال قائد مجلس منبج العسكري محمد أبو عادل |زادت قوات التحالف الدولي من أعدادها وأسلحتها الثقيلة لصد الهجمات التركية”.
ولمدينة منبج أهمية استراتيجية بالنسبة إلى جميع الأطراف المتحاربة عليها.
فبالنسبة إلى تركيا، تبعد المدينة 30 كيلومترا عن حدودها وتقع بمحاذاة مناطق سيطرة الفصائل الموالية لها، أبرزها مدينة الباب غرباً وجرابلس شمالاً. أما بالنسبة للأكراد، فمنبج تربط المدن الكردية في شرق الفرات مع مدينة عفرين.
كما أن لقوات التحالف الدولي قاعدة عسكرية على أطراف المدينة تتخذها مقراً لها، لملاحقة عناصر تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية.
ويبدو المشهد معقداً نوعا ما مع تكرار تصريحات الرئيس الأمريكي نيته الانسحاب من منبج، في حين يقوم الجنود الأمريكيون بنفس الوقت بزيادة تحصيناتهم وبناء نقطة عسكرية جديدة في قرية الدادات القريبة من منبج.
ويعتقد عبد الكريم عمر، مسؤول العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية في شمال سوريا أنه من المبكر الحديث عن انسحاب أمريكي فوري من المنطقة، لأن الإرهاب ما زال موجوداً ويعيد تنظيم نفسه.
كما أن لقاء مسؤولين أكراد بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أوائل أبريل/نيسان، وتجديد الأخير دعمه للأكراد ومواصلة محاربة تنظيم الدولة أثار حفيظة أردوغان الذي حذر من “الاجتياح الفرنسي” وزاد من تعقيد المشهد في الشمال السوري.
عودة تنظيم “الدولة الإسلامية”
مازال تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية، ينتشر في عدة مناطق متفرقة من سوريا. ويجمع جميع الجهات المحاربة والداعمة للقتال في سوريا على أولوية محاربتهم لضمان عدم عودتهم وتشكل قوتهم ثانية.
ومن مناطق تواجد التنظيم جنوب شرق دير الزور وشمال شرقها على الحدود السورية العراقية و مناطق في ريف درعا و مخيم اليرموك والحجر الأسود والقدم في دمشق.