طرق أكثر إنسانية للإعدام
كانت كلماته الأخيرة «أحبك»، تلاها دعاءٌ إسلامي. ثم أشاح تشارلز بروكس الابن، المجرم المُدان، بنظره عن صديقته الحميمة، واستسلم لسكرات الموت.
كان ممدداً على سريرٍ أبيض، يرتدي من رأسه إلى قدميه أزياء التسعينات التقليدية، من سروال ذهبي وقميصٍ مفتوح الأزرار. في أحد ذراعيه محقن وريدي، ويسير الأطباء على مقربة منه. كان أشبه بمريضٍ في مستشفى.
لكن لحظاته الأخيرة قضاها في غرفة الإعدام بسجن تكساس. كان العام 1982، وكانت المرة الأولى التي يُستَخدم فيها الحقن المميت في قتل المجرمين بالولايات المتحدة، حسب هيئة الإذاعة البريطانية BBC.
كان الكرسي الكهربائي هو الخيار
قبل هذه اللحظة الرائدة كانت طريقة الإعدام المفضلة في البلاد هي الكرسي الكهربائي، وهو ما يراه الكثيرون اليوم وسيلة من وسائل التعذيب. كان الصعق عنيفاً جداً لدرجة أن مقلتي الضحية كانتا تخرجان من محجريهما وتسقطان على الخدين. وعادة ما يشتعل شعر الرأس، الأمر الذي يدفع الحراس إلى الاستعدادبمطافئات الحريق على مقربة.
واعتبر الحقن المميت أكثر لطفاً
رحب الناس بالحقن المميت باعتباره أكثر لطفاً وأكثر تقدماً على الصعيد التقني، فهو بلا دماء ولا صراخ. وقال أحد الشهود على موت بروكس إنَّه ببساطة تثاءب واضربت معدته. وبعد دقائق من ذلك، قال طبيبٌ: «أعلن وفاة هذا الرجل».
لكن هل هذا صحيح فعلاً؟
ما زالت هذه الطريقة حتى اليوم هي الخيار الأول في كل ولاية أميركية، حيث تكون عقوبة الإعدام قانونية. لكنها قد لا تكون مسالمة كما تبدو. المشكلة هي أن أحداً لم يتحقق من ذلك. لم تُجرَ أبحاثٌ أو اختباراتٍ من أي نوع.
تألموا بشدة وفقدوا القدرة على الصراخ
في عام 2005، بعد تنفيذ أكثر من 1000 عقوبة إعدامٍ بالحقن المميت، قرر فريقٌ من العلماء البحث في الأمر. بقيادة ليونيداس كونياريس، الجراح الذي يعمل بولاية إنديانا بمدينة إنديانابوليس، درس الفريقُ سجلات الإعدام من ولاتي تكساس وفرجينيا واكتشفوا أنَّ 44% من السجناء ربما كانوا واعين لحظة موتهم، وعلى الأرجح في ألمٍ شديد. ولم يقدروا على التلوي أو الصراخ لأن المزيج السام يحتوي مادة تُصيب العضلات بالشلل، حسب BBC.
وتسبب الاختناق أحياناً
وكشف مزيدٌ من البحث أنَّ أحد العقاقير التي من المفترض بها إيقاف القلب لم يكن يعمل. يقول كونياريس: «ما يستنتجه المرء بناءً على البيانات هو استنتاجٌ مثيرٌ جداً جداً للاضطراب وهو أن آلية القتل هي الاختناق، إنَّه سيناريو كابوسي. إذا بقيت بعيداً قد تقول إنَّنا فقط ابتعادنا عن الطرق ظاهرة الوحشية في قتل الناس». ومع أن أغلب الأميركيين يوافقون على عقوبة الإعدام، يرى عددٌ قليلٌ للغاية أن عملية الإعدام ينبغي أن تؤلم المُدان.
ولهذا فكّروا في البدائل
الآن، أدى نقصٌ مستمر في عقاقير الإعدام ببعض الولايات الأميركية إلى تجربة البدائل. ونتيجةً لذلك، سار عددٌ من عمليات الإعدام على نحوٍ خاطئ، في إحداها استغرقت وفاة المحكوم عليه ساعتين و640 شهقة. لذا يمكن القول إنَّ طريقة الحقن المميت تواجه أزمة.
إذن.. هل هناك خيارٌ أكثر آدمية؟
لآلاف الأعوام، كانت عمليات الإعدام عرضاً للعامة. ولم تُواجه البشرية نقصاً في الأفكار المبدعة للإعدام وواجهت القليل من تأنيب الضمير في تشريعها، بدءاً من إغراق الناس في أشولة مع الحيوانات، وحتى اقتلاع الرئتين من ظهورهم.
وفي بلاد فارس، كان هناك الإعدام بالقوارب «Scaphism»، إذ يوضع فيها الضحية بين قاربي تجديف أحدهما فوق الآخر، مع إخراج يديه وقدميه في الهواء، ثم يُغَطَّى باللبن والعسل ويُترك لتلتهمه الحيوانات حياً. في حين أخبر مسافر زار دلهي في الهند في القرن الرابع عشر عن فيلة مدربة لتمزيق المساجين إرباً بشفرات مربوطة بخراطيمها.
المقصلة
غير أن الاهتمام بالتوصل إلى طريقة إعدام أكثر آدمية عمره مئات الأعوام. بدأ الأمر عام 1789 باختراع المقصلة. كانت الثورة الفرنسية في بدايتها، ورؤوس نبلاء باريس قد بدأت في مفارقة الأجساد. وبعد سلسلة من الإعدامات البشعة الطويلة -أحياناً احتاج إتمام الأمر بضع ضربات بالفأس- اتضحت الحاجة إلى تحديث العملية.
هنا أتى جوزيف إينياس غليوتان، الطبيب الذي قرر أن الإعدامات ينبغي تنفيذها بطريقة أكثر آدمية. اقترح غليوتان استخدام المقصلة، متباهياً في خطاب له قائلاً: «الآن بآلتي أقطع رأسك في لمحة البصر، ولن تشعر بالأمر أبداً». لاحقاً سُمِّيت المقصلة باسمه guillotine، مع أنه لم يكن مخترعها في الحقيقة.
المقصلة عبارة عن سكين مائلة، معلقة فوق رأس الضحية بإطار خشبي. وبعض طرازاتها تضمنت سلة لرأس الضحية. واتضح أن المقصلة أسرع وأكثر كفاءة من قطع الرؤوس يدوياً، بفضل وزن الشفرة.
إذاً، إلى أي حدٍ هي طريقة آدمية؟ قد تقدم لنا فئران المختبر بعض الدلائل، لأن قطع الرؤوس طريقة معتادة في قتل الفئران في أنواعٍ بعينها من التجارب، باستخدام مقصلة صغيرة.
أفادت دراسة تعود إلى عام 1975 بأنَّ علامات الوعي استمرت بين 9 ثوان و18 ثانية بعد قطع رأس الحيوان. وهذا الإطار الزمني ظهر مع حيواناتٍ أخرى أيضاً، لذا قد يكون يكون مؤشراً منطقياً بالنسبة للأمر نفسه في البشر.
الشنق
لا يزال قطع الرؤوس طريقةً ممارسة إلى يومنا هذا، تحديداً في السعودية حيثُ أُعدِم 146 شخصاً بقطع الرأس في 2017. لكن أكثر طرق الإعدام انتشاراً حتى الآن هي الشنق.
هناك طريقتان لفعل هذا: «السقوط القصير» و»السقوط الطويل». كما تشير الأسماء، يسقط الشخص في الأول من ارتفاع منخفض، ويموت بالاختناق. وتُعدُّ هذه طريقة بالغة الإيلام عموماً.
أما «السقوط الطويل» فيُعتقدُ أَّنه الطريقة الأكثر آدمية. في «أفضل» السيناريوهات، إذ يكسر الحبل الفقرة الثانية من عنق الضحية. ويَقطع «كسر المشنقة» الحبل الشوكي كذلك، ما يسبب هبوط ضغط الدم إلى الصفر في أقل من ثانية. وعادة ما يفقد الضحية الوعي فوراً، غير أن توقف خفقان القلب قد يستغرق ما يصل إلى 20 دقيقة.
تكمُن المشكلة في أن هذه الطريقة تتطلب حساباتٍ بالغة الدقة. فإنَّ كانت السقطة أطول من اللازم سينخلع رأس الشخص عن جسده. وإنَّ كانت أقصر من اللازم سيختنق حتى الموت. وتقول ميغان ماكراكين، من برنامج » Death Penalty Clinic» بجامعة كاليفورنيا في بركلي: «من خبرتي هناك سقطات كثيرة للغاية في الإدارة لدرجة أن العثرات تحدث حتى وإنَّ كانت الطريقة ناجحة نظرياً، وهذا بسبب الأخطاء أو انعدام الكفاءة». ولم يُشنق أحدٌ في الولايات المتحدة منذ عام 1996.
الإعدام رامياً بالرصاص
على الرغم من ارتباط فكرة الموت على يد فرقة إطلاق النار بالجرائم العسكرية والحروب، فولاية يوتا أعادت تطبيق تلك الطريقة من جديد مؤخراً كطريقة احتياطية، في حين أنَّها لا تزال مُستخدمة بالفعل في كوريا الشمالية بصورة منتظمة.
أثناء عملية الإعدام النموذجية يُربط المجرم بكرسي مع غطاء على رأسه، ثم يَطلق خمسة قناصة عليه النار في صدره، وتحتوي بندقية واحدة فقط على طلقة جوفاء.
في عام 1938، استخدمت الولاية نفسها تلك الطريقة لإعدام رجل يبلغ 40 عاماً ويُدعى جون ديرينغ لإدانته في جريمة قتل. اتخذ جون قراراً استثنائياً إذ قرر توصيله إلى جهاز رسم قلب أثناء الإعدام، ما أوضح لنا مدى سرعة تلك الطريقة في القتل.
كشفت القراءة على الشاشة أَّن قلب ديرينغ توقف عن النبض بعد 15 ثانية من إصابته. ومن المستحيل تحديد الوقت بالضبط الذي عانى فيه من الألم، لكن يمكننا مرة أخرى الاستعانة ببعض القوارض للحصول على بعض المعلومات. أُجريَّت دراسة عام 2015 على عملية توقف القلب لدى الفئران، وأشارت إلى أنَّه عادة ما يصاحب توقف القلب ارتفاع مفاجئ في أنشطة الدماغ يدوم لحوالي 30 ثانية، ما قد يفسّر السبب في أن بعض الأشخاص الذين نجوا من تجارب كانوا فيها على وشك الموت فيها يقولون إنَّهم شعروا بوعي متزايد. ثم يُلظم المكان.
الكرسي الكهربائي
في بادئ الأمر، اختُرع الكرسي الكهربائي على أنَّه بديلٌ أكثر آدمية من الشنق، وكان يُنظَّر إليه على أنَّه طريقةٌ متحضرةٌ وعلميةٌ مثل المقصلة والحقن المميت. وبدأت كل طرق الإعدام تلك عن طريق تقرير مروع أمرت ولاية نيويورك بإجرائه عام 1887 والذي قدَّر أنَّ عدد هناك 34 طريقةً لقتل الإنسان.
تذكر أحد القائمين على التقرير، وكان طبيب أسنان، حادثة انطوت على موت عامل سفينة ثمل فور لمسه مولداً كهربائياً، وذلك قبل بضع سنوات من اختراع الكرسي. وبالتالي توصل إلى فكرة اختراع الكرسي الكهربائي الذي استُخدَّم بعد ثلاث سنوات فقط لإعدام قاتل استخدم الفأس في عملية القتل التي نفذها.
لم تدم الفترة التي نظر فيها إلى الكرسي الكهربائي باعتباره وسيلة قتل آدمية، إذ سرعان ما اتضح للناس أن عمليات الموت تلك كانت فوضوية ومطولة إضافة إلى أنَّ تلك الكراسي أصبحت تحمل أسماء مستعارة مثل Gruesome Gertie «غيرتي الشنيع» وSizzling Sally و»سالي الحارقة». ولا تزال 9 ولايات أميركية تستخدم تلك الطريقة على أنها وسيلة احتياطية بالرغم من أنَّها مثيرة للجدل.
استنشاق غاز النيتروجين ونقص الأوكسجين من الجسم
يقودنا ذلك إلى أحدث فكرة للإعدام وهي «القتل عن طريق استنشاق غاز النيتروجين»، التي تنطوي على استبدال الهواء بغاز خامل مثل النيتروجين أو الهيليوم. اكتسبت تلك الطريقة زخماً في البداية بعدما عرضت BBC فيلماً وثائقياً قدمه النائب البرلماني السابق عن حفظ المحافظين مايكل بورتيلو بعنوان «How to Kill a Human Being» معلناً فيه أن تلك الطريقة تُعد «أداة ممتازة للقتل».
بداية، يحتوي الهواء على 78% من النيتروجين بالتالي يسهل الحصول عليه. وتؤدي تلك الطريقة إلى الموت السريع على نحوٍ مفاجئ. كشفت دراسةٌ أُجريت في الستينيات أنَّ هناك أشخاصاً تطوعوا لاستنشاق النيتروجين النقي لكنَّهم فقدوا وعيهم في غضون ما يتراوح بين 17 و20 ثانية. غير أنَّه بناءً على الدراسات التي أُجريَّت على الحيوانات كان يُعتقد أنَّهم كانوا يتوقفون عن التنفس بعد ثلاث ثوانٍ.
وبفضل طفرة في الخصائص البيولوجية، يبدو أن تلك الطريقة لا تسبب أي ألم. ويرجع هذا إلى أنَّ الجسم لا يستطيع في الواقع تحديد نقص الأوكسجين، بل إنَّ ما يحدث هو زيادة في ثاني أكسيد الكربون الذي يجعل الدم حامضياً ما يتسبب في الشعور بالألم في الساقين الذي ينتابك بعد أداء التمرينات الرياضية. ويعني هذا أن الشخص لا يشعر وكأنه يختنق.
كيف يكون الشعور إذاً؟
لدى جون ليفنسون، وهو طبيب متخصص في أمراض القلب وطيار يقطن في مدينة بوسطن بولاية ماساتشوستس، بعض الرؤى عن الأمر. قبل بضع سنوات كان يقود طائراته الثمينة من صناعة شركة Mooney للطائرات على ارتفاع 23 ألف قدم (7 كم)، وهو ارتفاع تُصبح فيه طبقات الغلاف الجوي أقل كثافة ويجب على الطيارين استخدام الأوكسجين الإضافي حينئذ.
وبعد وصوله إلى ذلك الارتفاع أقدم جون على حركة خطيرة بأن رفع قناع الأوكسجين عن وجهه واستمر في استنشاق الهواء. ويقول: «بعد حوالي 30 ثانية بدأ يراودني شعور غريب حقاً، لم أصب بالهلوسة، أو الألم، أو الاضطراب ولكن (كان لدي) شعور غريب فقط. وهو لا يشبه تناول الكحول أو أي مادة من هذا القبيل».
إنَّ الأعراض بالغة الدقة لنقص الأوكسجين قد تتسبب في وفاة الطيارين بشكل خاص الذين يطيرون على ارتفاعات عالية لاسيما أنَّهم لا يدركون أن هناك خطأ ما يحدث. ومن المعتقد أن ذلك كان السبب وراء حادثة وفاة أحد الطيارين في بداية هذا العام، الذي بدا أنه فقد وعيه وأخذ يترنح بالطائرة قبل أن يُفقد أثره فوق مياه الخليج المكسيكي.
فيما يتعلق بحالة ليفنسون، في ذلك الوقت كان يقود الطائرة بصحبة مدربه الذي كان سيهبط بالطائرة بأمان في حال وفاته. تَكمن الفكرة في التوصل إلى ماهية الشعور بنقص الأوكسجين، وبالتالي يمكن إدراكه وتمييزه عند حدوثه المستقبل. وبعد عدة سنوات كان يقود الطائرة بصحبة زوجته حينما بدأ يراوده نفس الشعور الغريب، وأدرك الأمر على الفور ثم بدأ في إصلاح الخلل في خط الأوكسجين قبل أن يصاب أي شخص.
اعتمدت ثلاث ولايات أميركية الآن تلك الوسيلة على أنها وسيلة احتياطية، ولكن هل هذا مجرد خطأ آخر؟
روبرت دونهام، وهو محام ومدير تنفيذي لمركز معلومات عقوبة الإعدام، يظن ذلك بالتأكيد، ويقول: «تقول كلٌ من الجمعية الأميركية للطب البيطري والجمعية العالمية لحماية الحيوانات إن وسيلة الإعدام باستنشاق النيتروجين لا تُعد ملائمة للقتل الرحيم البيطري؛ نظراً لأنَّها لا تسبب الموت سريعاً كما انتشر عنها، فالقطط والكلاب تُدرك أنها على وشك الموت قبل أن تفقد الوعي ويستغرق الأمر 7 دقائق على الأقل قبل أن يموت الخنزير»، حسب هيئة الإذاعة البريطانية.
تتمثل إحدى المشكلات الأساسية في اعتماد الوسيلة على تعاون السجين: إذا حبس أنفاسه أو كان يعاني من صعوبة في التنفس فإنَّها قد تستغرق وقتاً أطول للقضاء عليه. وقال مكراكين: «أنا أفهم بالطبع النظرية التي تكمن وراء تلك الوسيلة التي تقول إنَّها طريقة آدمية. ولكنَّها في الحقيقة بعيدة كل البعد عن طريقة تنفيذها بالفعل في غرفة الإعدام».
ووفقاً لدنهام، ففي جميع الاحتمالات يجب تخدير الضحية أولاً. وهذا يعود بنا إلى القضايا التي واجهت الحقن المميت: أن شركات الأدوية لا تُريد أن تُستخدم عقاقيرها في المساعدة على قتل إنسان.
وتابع: «تَكمُن المشكلة الأساسية في أنَّ الولايات المتحدة ترفض الجوانب البشعة أو العنيفة لعقوبات الإعدام. فهي تريد أن تنفذ حكم الإعدام ولكن ضميرها لا يقبل إعدام الشخص بصورة وحشية. أرى أن هذا تناقض داخلي»، مضيفاً: «عندما يتعلق الأمر بالإعدام، أعتقد أن الناس بحاجة إلى أن يفهموا أن عقوبة الإعدام لا تمثل أي درب من دروب الأفعال الإنسانية».