قصف، دمار، وأخيراً خلفيات لصور السائحين والعرسان التذكارية.. في حلب سياحة من نوع خاص
خلف أكوام الحجارة المتناثرة، يلتقط “أحمد” من كاميرا جهاز جواله الخاص صورة (سيلفي)، في حي يُطلق عليه “الجديّدة”، الواقع في مدينة حلب القديمة (شمالي سورية)، تمكَّن هذا الشاب كغيره من السوريين الوصول لرقعة كانت الأخطر على الأرض السورية، قبل مدة ليست ببعيدة، وتكبّدت خسائر لا تعوض، كتدمير تراثها الثقافي والحضاري.
الدمار صدم أحمد، شعر أن تلك المدينة ليست حلب التي يعرفها، حين وقعت عيناه على شوارعها انهمرت دموعه، وشعر بغصة في حلقه، ولكنه واصل جولته وكرَّر الزيارة، حينها بدأت تخف أوجاعه بعدما لمح عودة الحياة لهذه الأحياء والشوارع، ورؤيته ورشات الصيانة التي تعمل في خانات وأسواق حلب القديمة، وعن سبب التقاطه للصور بين البيوت المهدمة، قال: “كنت أتمنَّى أن تبقى حلب القديمة بمخيلتي كما لم يصبها أي ضرر، فهذه المدينة من أجمل المدن السورية التي زُرتها، لكن شيئاً ما يدفعني لأن ألتقط الصور، هو مشاركة أصحابي والأصدقاء بصفحتي الشخصية ونشرها”.
سياحة من نوع خاص
اليوم، وبعد انتهاء الحرب في عدد من المدن السورية بدأ يظهر نوع جديد من السياحة الداخلية، مختلف عن الأنواع السابقة التي عرفتها السياحة، ويمكن تسميتها بسياحة الحرب لـ(المدن المدمرة)، التي لم تستقطب فقط السوريين، بل أخذت تستقطب الوفود الإعلامية والسياحية، ولعل أول وفد سياحي أجنبي كان مؤلفاً من عدد من الصينيين الذي جاؤوا من أجل مشاهدة المدينة القديمة المدمَّرة، لتتبعه وفود أجنبية أيضاً.
“أم رافي” تعمل “موظفة بنك”، قدمت إلى حلب مع عائلتها من حمص، اصطحبها زوجها إلى هناك، قالت “إلحاحي أنا وأبنائي لزيارة المدينة القديمة والقلعة دفع زوجي لاصطحابنا معه لحلب، فتحولت زيارته من زيارة عمل فقط إلى زيارة استطلاعية وسياحية”.
لم تتوان أم رافي في تصوير حجارة القلعة، أو الخانات التي زارتها لتقضي ساعات طويلة وهي تتأمل هذه الأطلال “أنا أعمل على تصوير مقاطع فيديو وصور لهذه الأماكن، لأنني أتوقع أنها ستعود من جديد كما كانت، ما يهمني هو أن أوثق فترة حرب مرَّ بها البلد، وانتهت، وأشارك الأصدقاء على مواقع السوشيال ميديا هذه الصور”.
الشابان يوسف سابا ووسام قطماوي قرَّرا القيام بتجربة مختلفة، ولم يكتفيا بزيارة هذه الأماكن وتصويرها، بل قرّرا تصوير سلسلة فيديوهات من نوع الـVlog، وحملت الاسم نفسه، وأنتجا حتى اليوم ثمانية فيديوهات منها، ويخططان لإنتاج المزيد.
أوضح “يوسف” في حديثه لعربي بوست، أنه اضطر لمغادرة حلب عام 2016، وانتقل إلى لبنان، ولكنه عاد بمجرد استقرار الأمور قبل حوالي ستة أشهر، ويتابع بأنه خلال وجوده في لبنان كان قلبه معلقاً بمدينته وما يسمعه من أخبار بخصوصها، وشعر بحنين كبير لأماكن زارها لمرات قليلة، وأخرى أمضى فيها ساعات طويلة مع أصدقائه أو العائلة، وكان حنينه الأكبر لحلب القديمة بشكل خاص، حيث الأحياء القديمة والمهن التقليدية، ويضيف: “حينما وصلت إلى هنا بعد أشهر من الانتظار آلمني المنظر، وشعرت بالصدمة، الحرب حين اندلعت كنت صغيراً في العمر، ولم أتمكن من إمضاء وقت كافٍ في المناطق الأثرية، وكانت زيارتي لها محدودة”.
أما اليوم فقد أصبحت شبه مقيم، أزور الأحياء القديمة بشكل دائم، وأصطحب أصدقائي في جولاتي، وبعد جولات عديدة قرَّرت العمل مع وسام على تصوير هذه الفيديوهات، أردنا أن نسجل كيف تعيش حلب. حلب الحقيقية، بعيداً عن الإعلام وما ينقله، المدينة القديمة تنبض بالحياة في كل يوم يصادفنا أمر يستحق التوقف عنده.
فيديوهات الشابين حقَّقت شعبيةً جيدةً بين السوريين، وخاصة الموجودين خارج حلب، وتناقلتها عدة صفحات، ويوضح يوسف وهو طالب جامعي يدرس الكيمياء، أن المشاهدات كانت أكثر من قبل الموجودين خارج المدينة، كما أن روح التفاؤل التي يحاولون نقلها، تثير أحياناً غضب البعض، ويطلبون منهم أن يكونوا أكثر واقعية، لكنهم يبرِّرون ذلك بأن المدينة رغم ما أصابها من دمار إلا أن حلب لا تزال تنبض بالحياة.
قبل حوالي ثلاث سنوات انتشرت صور عروسين من حمص قرَّرا التقاط صورهما في أحياء حمص المدمرة، وتناقلت وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي قصة حسان يوسف “27 عاماً” وعروسه ندى مرعي 18 سنة.
المناطق المدمَّرة كانت مستفزة أيضاً لفنانين تعمَّد كثير منهم زيارة حلب أو حمص، وسواها من الأماكن التي طالتها يد الحرب والتقطوا صوراً فيها، حتى إن شركات الإنتاج بدأت في الاتجاه إليها، ففي شهر رمضان عرض مسلسل روزنا، الذي تم تصوير جزء كبير منه في حلب، ويحكي أصلاً قصة عائلة حلبية اضطرت لترك ميدنتها والانتقال إلى دمشق، كما يعمل اليوم المخرج باسل الخطيب على فيلمه “حلب دمشق”، ويتطرَّق فيه لحكاية أبٍ قرَّر زيارة ابنته في مدينة حلب أثناء الحرب، وما ستحمله هذه الزيارة من تداعيات، وأيام يقضيها على الطريق، حتى يصل إلى مقصده، وقبل هذين العملين حمل المخرج جود سعيد كاميرته، واختار من أحياء حمص المدمرة مسرحاً لفيلمه “مطر حمص”.