قصة قورش.. الملك الفارسي الذي يحبّه اليهود وطبعوا صورته على عملة تذكارية
أعلنت منظمة إسرائيلية غير حكومية أنها ستسك وجه الرئيس الأميركي دونالد ترمب على عملة رمزية بمناسبة نقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس.
وقال الحاخام مردخاي بيرسوف في بيانٍ له، “بدأ الرئيس بتحقيق نبوءة قديمة، وذلك بنقل السفارة الأميركية إلى القدس، وكما قال الملك قورش قبل 2500 سنة: لقد كلفت ببناء بيت في القدس، هنا مرة أخرى، يقوم الرئيس ترمب ببناء بيت في القدس”.
على الجانب الأمامي للعملة، ستوضع صور ترمب إلى جانب صورة الملك قورش.
والملك قورش هو قورش بن كمبوجية بن كورش بن جيشبيش بن هخامنش، أحد ملوك الفرس الأخمينية، استولى على آسيا الصغرى وبابل وميديا، حكم بين عامي 550 – 529 قبل الميلاد، وقتل في ماساجت ودفن في باساركاد.
من هو قورش الكبير، أعظم ملوك فارس؟
أحد أعظم ملوك الفرس الأخمينية، الذي أسس إمبراطورية مترامية الأطراف ووضع مبادئ حكمها، ففي العام 530 قبل الميلاد، باتت فارس أكبر إمبراطورية في العالم. فسمح قورش بما يشبه نظاماً للحكم الذاتي واسع النطاق في المناطق التي تحتلها الإمبراطورية. ونجحت السياسة اللامركزية في حكم شعوب مختلفة ومناطق متباعدة الأطراف لها ثقافات وعادات متباينة.
ليس حاكم فارس فقط، بل أكبر إمبراطورية في زمانه
احتضنت الإمبراطورية جميع المناطق المتحضرة في الشرق الأدنى القديم (مثل بلاد الرافدين ومصر وإيران القديمتين، وإرمينيا والأناضول، وبلاد الشام)، وتوسع بعد ذلك ليفتح معظم جنوب غرب آسيا وكثيراً من آسيا الوسطى والقوقاز. من البحر المتوسط وأوروبا الشرقية في الغرب إلى نهر إندوس في الشرق، وامتدت الإمبراطورية في نهاية المطاف إلى أقصى حد ممكن في أجزاء من البلقان (بلغاريا – بايونيا وتراقيا – مقدونيا) وأوروبا الشرقية في الغرب، إلى وادي السند في الشرق.
استمر عهد قورش العظيم 30 سنة. بنى خلالها إمبراطوريته من خلال قهر الإمبراطورية الوسطى، ثم الإمبراطورية الليدية، وفي النهاية الإمبراطورية البيلاروسية الجديدة، وقاد رحلة استكشافية إلى آسيا الوسطى، وأسفرت عن حملات كبيرة وصفت بأنها “أدخلت كل البلاد دون استثناء لامبراطوريته”. لكنه لم يغامر كثيراً في مصر، وخلفه ابنه، قمبيز الثاني، الذي استطاع أن يضيف أراض إلى الإمبراطورية عن طريق غزو مصر، النوبة، وبرقة خلال فترة حكمه القصيرة.
بنى قورش مدناً محصنة بهدف الدفاع عن أبعد حدود مملكته ضد القبائل البدوية الإيرانية في آسيا الوسطى مثل السكيثيين. ومن المحتمل أن فتوحاته الآسيوية امتدت حتى منطقة بيشاور في باكستان الحديثة. وبعد انتصاراته الشرقية، اتجه إلى الغرب وغزا بابل. وفي العام 539 قبل الميلاد، ضم الإمبراطورية الكلدانية لبابل واعتقل حاكمها نابونيدوس، وأخذ لقب “ملك بابل، ملك سومر وأكاد، ملك الأركان الأربعة للعالم”. وبعدها مباشرة، وسع سيطرته على شبه الجزيرة العربية وسرعان ما أصبح المشرق ضمن الحكم الفارسي.
يحترم عادات وديانات شعوب الامبراطورية
واحترم قورش العظيم عادات وديانات الأراضي التي احتلها، وأصبح نموذجًا ناجحًا للإدارة المركزية وإنشاء حكومة تعمل لصالح رعاياها.
كما أن قورش الكبير معترف به بشكل جيد لإنجازاته في مجال حقوق الإنسان والسياسة والاستراتيجية العسكرية، وكذلك تأثيره على الحضارات الشرقية والغربية على حد سواء. بعد أن نشأ من برسيس، الموجودة في مقاطعة فارس الإيرانية الحديثة، لعب كورش دورًا حاسمًا في تحديد الهوية الوطنية لإيران الحديثة.
وفي نهاية المطاف، امتد تأثير الأخمينية في العالم القديم إلى أثينا اليونانية، حيث تبنى الأثينيون من الطبقة العليا جوانب من ثقافة الطبقة الحاكمة من اللغة الأخمينية الفارسية واعتبروا أنها خاصة بهم.
لكن بعض المؤرخين يقولون أن مظاهر التسامح والرحمة والانفتاح الديني هي مجرد دعاية غير صحيحة تاريخياً، وأن عهد قورش شهد تدمير المعابد ونهب عواصم المدن المفتوحة وقتل كثير من سكان البلاد التي ضمها لإمبراطوريته خاصة بين النهرين.
الشخص غير اليهودي الوحيد الذي أشاد به الكتاب المقدس
وترك قورش تأثيراً على الديانة اليهودية، نتيجة سياساته في بابل، والذي يشار إليه من قبل الكتاب المقدس اليهودي كالمسيح (مضاءة. “ممسوحه”) (اشعيا 45: 1)، وهو الشخصية الوحيدة غير اليهودية في الكتاب المقدس الذي يتم استدعاؤه.
ويقول بعض المفسرين أن قورش الأكبر هو “ذو القرنين” المذكور في القرآن لكن هناك خلافاً حول ذلك، وهو مذكور باسمه في العهد القديم (الكتاب المقدس لدى اليهود) باسمه في كتاب عزرا ودانيال وأشعياء.
(سفر إشعياء 45: 1) هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ الَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَمًا، وَأَحْقَاءَ مُلُوكٍ أَحُلُّ، لأَفْتَحَ أَمَامَهُ الْمِصْرَاعَيْنِ، وَالأَبْوَابُ لاَ تُغْلَقُ:
(سفر إشعياء 45: 2) «أَنَا أَسِيرُ قُدَّامَكَ وَالْهِضَابَ أُمَهِّدُ. أُكَسِّرُ مِصْرَاعَيِ النُّحَاسِ، وَمَغَالِيقَ الْحَدِيدِ أَقْصِفُ.
(سفر إشعياء 45: 3) وَأُعْطِيكَ ذَخَائِرَ الظُّلْمَةِ وَكُنُوزَ الْمَخَابِئِ، لِكَيْ تَعْرِفَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يَدْعُوكَ بِاسْمِكَ، إِلهُ إِسْرَائِيلَ.
ورغم أن هناك خلافاً حول ديانته فاليهود لا يعتبرونه وثنياً، ويعتبره بعض المؤرخين موحداً يؤمن بالإله الواحد، ويقال أيضاً بأنه كان زرادشتياً أو مجوسياً يتبع كهنة بلاطه من المجوس أو الزرادشتيين.
ولماذا يحبه اليهود؟
أثنت نصوص العهد القديم على قورش، ويحبه اليهود لأنه أرجعهم بعد السبي وأعطاهم الأموال لتجديد بناء الهيكل بعد تخريبه في السبي البابلي، ورد إليهم نفائس الهيكل المنهوبة المخزونة في خزائن ملوك بابل.
ورغم أن أغلب مواطني إسرائيل من اليهود حالياً ليسوا من أصول “إسرائيلية” (نسبة لبني إسرائيل واليهود القدماء الذين أعادهم كورش إلى القدس)، فإن قورش يعد بطلاً لديهم حتى الآن ويوصف بالمروءة والإنسانية والرحمة.
وأصدرت إسرائيل، في العام 2015 طابعاً بريدياً يحمل صورة لأسطوانة طينية اشتهرت باسم “بيان قوروش”، تكريماً للملك الذي يعتبرونه محرر اليهود بعد سيطرته على ما بين النهرين (العراق)، ويعد كورش بطلاً قومياً فارسياً لدى الإيرانيين أيضاً إذ ينسب إليه الفضل في تأسيس أكبر امبراطورية فارسية بأكبر اتساع لها.
و”أسطوانة قورش” هي أسطوانة طينية قديمة توجد الآن في المتحف البريطاني، مقسمة الآن إلى عدة قطع، والتي هي مكتوبة إعلان في الكتابة المسمارية الأكدية، وتضم وعوداً لمواطني بابل الذين قاموا بتحسين حياتهم وعودة النازحين إلى أوطانهم واستعادة المعابد والمقدسات الدينية في جميع أنحاء بلاد ما بين النهرين وأماكن أخرى في المنطقة.
السبي البابلي، حينما نُفي اليهود مرتين
ويسمى أيضاً الأسْر أو النفي البابلي، وهو شتات اليهود الأول الذي بدأ بعد انقسام المملكة الموحدة بزعامة النبي سليمان إلى مملكتين، إحداهما الشمالية وعاصمتهاالسامرة والأخرى الجنوبية وعاصمتها أورشليم.
ساند يهود المملكة الشمالية (اسمها إسرائيل) الجانب المصري في الصراع بين الإمبراطورية الآشورية والمصرية، فأغضب ذلك سنحاريب ملك الآشوريين الذي قام بحملة على المملكة الشمالية في العام 697 قبل الميلاد، فحطم هيكلها وشرد أهلها وأعمل القتل والسبي في أهلها، وأخذهم سبياً إلى آشور وانتهى بذلك ذكر المملكة الشمالية.
ولاحقاً امتنعت المملكة الجنوبية “يهوذا” عن دفع الجزية لملك آشور، وتصارع البابليون والمصريون على المملكة الجنوبية، وانتصر البابليون وأخضعوا المنطقة وحاصر نبوخذ نصر مدينة أورشليم (القدس) وفي عام 586 قبل الميلاد ودمر هيكلها وسبى عدداً كبيراً من اليهود ومع هذا السبي انتهى أي وضع سياسي وجغرافي لليهود في المنطقة، وسمي ذلك بالسبي البابلي، وهكذا سقطت مملكة يهوذا وسمى الآشوريون القدس (أورو – سالم) وأصبحت البلاد كلها بابلية تدفع الضرائب لبابل وتستخدم لغتها الرسمية.
وبعد سقوط الإمبراطورية البابلية الثانية على يد قورش الأكبر حاكم فارس في ذلك الوقت، سمح لليهود بالعودة إلى البلاد التي هجروا منها.