قصة سوريين هربوا من الموت إلى مخيمات لا آدمية لكنهم يستطيعون النوم بعيدا عن القصف
في خيمة واحدة يتكدسون، فارين من معارك تدور رحاها على أطراف العاصمة دمشق، 7 أفراد يتشاركون أي شيء وكل شيء، مرحاض واحد للمخيم بأكمله وقليل من العمل، كثير من الألم.
لم يكن أمام عائلة سويدان خيار سوى مغادرة وطنهم بمدينة دوما السورية، لينجوا من القصف والمعارك بعد أن كانوا على وشك الموت جوعاً تحت الحصار الخانق المفروض عليهم، والأسلحة الكيماوية التي ضربت مساكنهم، فروا من الموت واستسلموا لحياة المنفى في شمال سوريا.
استسلام للمنفى
نقلت صحيفة أسوشيتيد برس عن ميساء التي تعيش مع زوجها وأطفالها الأربعة ووالدة زوجها في الخيمة:فولها إنه لا يمكن اعتبار أنها تعيش حياة طبيعية، لكنَّها على أي حال أفضل من تلك التي كانت تعيشها في دوما” تضيف “تخلصنا من القلق الذي كنا نعيشه، لا توجد غاراتٌ جوية، وبإمكاننا النوم، ويمكن للأطفال على الأقل اللعب في الخارج”.
تركت العائلة المدينة الواقعة في منطقة الغوطة الشرقية في أبريل/نيسان عندما سيطرت عليها الحكومة. كان زوج ميساء عضواً في جماعةٍ مسلحة تسيطر على دوما قبل أن تدخلها قوات النظام السوري.
أما الآن، يتشارك جميع أفراد الأسرة خيمةً صغيرة تقع على أطراف المخيم بمدينة الباب، وهي مدينة تخضع لسيطرة القوات التركية، كان يبلغ عدد سكانها حوالي 7 آلاف أثناء حكم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ووصل إلى حوالي 300 ألف مواطن في فبراير/شباط الماضي، وفقاً للمسؤولين الأتراك. ومعظم سكانها من النازحين من مناطق أخرى في سوريا.
تُستخدم ملاءات لتقسيم الخيمة لتوفير غرفة لتغيير الملابس وجزءاً لينام فيه الأم والأب. وخلال النهار، يُستغل هذا الجزء في تخزين البطانيات والوسادات. بينما تنام الجدة والأطفال، الذين يبلغ عمر أصغرهم 21 شهراً، في الجزء المفتوح، أما ميساء فلا تغادر الخيمة أبداً إلا للذهاب إلى المرحاض المشترك على الطريق الموحل.
لا مكان لموطئ قدم
وتقول فتحية، الجدة ذات الـ 61 عاماً، إنَّها حاولت دون جدوى الحصول على خيمةٍ منفصلة لتمنح ابنها وزوجته بعض الخصوصية. وأثار تعليقها ذلك ضحكاتٍ خجولة من ميساء وفتحية.
وأضافت الجدة: “يبدو الوضع وكأنَّني أحتجزهم كرهائن لدي”.
اكتظ المخيم باللاجئين، 5 آلاف لاجئ وصلوا من الغوطة في أبريل/نيسان، ليحلوا محل غيرهم من النازحين من المحافظات الأخرى في شرق سوريا. وتوجد لافتة عند بوابة المخيم تقول: “أبناء المنطقة الشرقية يرحبون بإخوانهم من الغوطة الشرقية”.
تُعد الباب واحدةً من المدن التي أصبحت جزءاً من منطقة في شمال غرب سوريا تخضع لسيطرة تركيا والمقاتلين السوريين المدعومين منها بعد طردهم مقاتلي داعش والمقاتلين الأكراد من المنطقة. وكانت مدينة عفرين هي آخر المدن التي وقعت تحت سيطرة تركيا والمقاتلين السوريين في بدايات هذا العام، بعدما استولت عليها القوات السورية المدعومة من تركيا من أيدي المقاتلين الأكراد.
من إجمالي 66 ألف نازح من الغوطة إلى شمال سوريا، يقطن حوالي 20 ألف شخص بمدينة الباب وغيرها من المدن الواقعة تحت سيطرة تركيا. واتجهت البقية إلى إدلب الواقعة في شمال غرب سوريا أيضاً، لكنَّها لا تزال خاضعةً لحكم المعارضة، إلى جانب وجودٍ مؤثر لجماعةٍ لها علاقة بتنظيم القاعدة.
ومع وفود لاجئين جدد إلى مدينة الباب، كبر حجم المخيم الذي كان يضم أكثر من 280 خيمة ليضم 44 أخرى مُعدّة لحياةٍ بسيطة، تضم كل واحدةٍ ما يصل إلى 50 شخصاً، إذ يعيش الرجال والنساء في أجزاءٍ منفصلة.
المصابون في خطر..
توزع المنظمات الخيرية وجباتٍ يومياً على سكان المخيم. ولا يوجد مكان للمطبخ، ولا يملكون أموالاً لشراء المزيد من الطعام أو معالجة المصابين في الحرب.
حينما كانت تعيش الأسرة في دوما المحاصرة في وقتٍ مبكر من هذا الربيع، كانت ميساء تمنح الطعام القليل الذي يحضره زوجها بأكمله إلى أطفالها. نتيجةً لذلك، بدأت تفقد توازنها وأصيبت بالإغماء نتيجة الجوع.
وقالت الجدة: “كانت تمتنع عن تناول الطعام ليأكله أطفالها”. وخلال شهر رمضان المبارك، لا تصم ميساء (27 عاماً)، في محاولةٍ لتعزيز حالتها الصحية الواهنة.
في 7 من أبريل/نيسان وقع هجوم بالغاز الكيماوي، قال عنه الفريق الطبي أنَّه أدى إلى مقتل أكثر من 40 شخصاً في دوما، كانت المدينة هي الهدف الأخير للحملة التي شنتها الحكومة لاستعادة السيطرة على ضواحي الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق من قبضة المعارضة، بعد ثورةٍ دامت لمدة سبع سنوات. تخلى فيها مقاتلو المعارضة عن المدينة بعد أيامٍ من الهجوم المزعوم.
وكان من بين من تأثروا بهذا الغاز الابن الأكبر لعائلة سويدان، عبد الرحمن البالغ من العمر 11 عاماً. قال إنَّه يتذكر بوضوح كيف استعاد وعيه.
محاولات لإعادته للحياة
وروى بحماسة طفلٍ تعلم لتوه لعبةً جديدة: “ظل المسعفون يطرقون على قلبي، ثم وضعوا شيئاً كبيراً عليه وواصلوا الطرق للتخلص من المواد الكيميائية. واستمروا في ضربي على الصدر حتى أعود إلى وعيي”.
لم يكن لدى ميساء أي فكرة عن مكانه، حتى ذكر شخصٌ غريب وجود طفل بدون مرافق في وحدة صحية. وقالت إنَّها تتذكر الشخص الغريب وهو يخبرها قائلاً: “أنقذ الله حياته”.
اتهمت الدول الغربية الحكومة السورية التي تدعمها روسيا باستخدام الغاز الكيماوي في دوما، وقصفت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا مواقع تابعة للحكومة رداً على ذلك. وأنكرت سوريا وحليفتها روسيا استخدام تلك الأسلحة الكيماوية. فيما ذهب مفتشون من منظمة حظر الأسلحة الكيماوية إلى دوما للحصول على عيناتٍ منها، في محاولةٍ لتحديد ما إذا كان قد استُخدِمَ سلاحٌ كيماوي أم لا. لكنَّها لم تُصدر تقريراً بخصوص ذلك بعد.
ترغب عائلة سويدان في مغادرة المخيم بحثاً عن منزل في مدينة الباب. لكنَّهم لا ينوون أبداً الرجوع إلى دوما الخاضعة لسيطرة الحكومة.