قصة السجادة الحمراء التي تزين حفلات الأوسكار
في تقرير لها طرحت شبكة CNN الأمريكية سؤالاً لقرائها، عن حجم معلوماتهم عن تاريخ السجادة الحمراء؟
وقالت الشبكة الأمريكية إن السجادة الحمراء تسبق جوائز الأوسكار بأكثر من 2400 سنة، على الأقل. ولها أصولٌ فتاكة على عكس المتوقع. فتجسيدها في العصر الحديث، المرتبط بالثروة والبريق والشهرة، هو أبعد ما يكون عن بداياتها.
علاقتها باليونانيين
يُعتقد أن الكاتب المسرحي اليوناني إسخيلوس هو صاحب أول إشارة مكتوبة للسجادة الحمراء في قصة «أجاممنون»، التي يعود تاريخها لعام 458 قبل الميلاد. تتحدث كلتمنسترا، زوجة أجاممنون، عن «أرضية مزخرفة باللون القرمزي فُرشت لتصنع طريقاً للملك».
وتوضح إيمي هندرسون، المؤرخة الفخرية في معرض الصور القومي بواشنطن: «يخرج أجاممنون للقتال (في حروب طروادة)، ويترك زوجته كلتمنسترا في المنزل. يغيب لمدة طويلة، ويجد كلٌ منهما شخصاً آخر يهتم به. عندما يعود أجاممنون يكون متيماً بكساندرا ويجلبها معه».
على الرغم من خيانتها لزوجها، إلا أنَّ كلتمنسترا تغضب من خيانة زوجها لها. وكانت لديها أسبابها التي جعلتها تفعل ذلك: فقد أبرم أجاممنون صفقةً مع الآلهة، وضحى بابنتهما البالغة من العمر 15 عاماً لتقف الآلهة إلى جانبه.
تقول الملكة: «لتكن كل الأرض حمراء، حيثُ تمر تلك الأقدام؛ والعدالة، وظلمة الأيام الماضية، ويرشده البيت إلى الموقد الذي لا يتطلع إليه».
وتعلق إيمي: «تبسط له سجادة قرمزية لإقناعه بالسير لحتفه». تختلف الروايات هنا، لكن إما تقتل كلتمنسترا زوجها أجاممنون في الحمام، أو يقتله عشيقها، وتقتل هي أيضاً كاساندرا. وتضيف إيمي: «إنَّها ليست قصة لطيفة».
وبكونها من أوائل من تبنوا تلك الفكرة في مؤامرتها، أثبتت كلتمنسترا بقصتها القاتمة أنَّ الناس سيتبعون حتماً شريطاً أحمر من النسيج.
علاج السجادة الحمراء
تلاحظ إيمي أنَّ الوثائق تشير إلى جيمس مونرو، الرئيس الخامس للولايات المتحدة، وهو يغادر زورقاً نهرياً في ساوث كارولينا عام 1821 كعرضٍ للاحتفال. وعلى الرغم من أنَّه لا توجد معلوماتٌ أكثر عن الأمر، فمن المفهوم أنَّ هناك علاقة حيوية بين السجادة الحمراء ومسألة الحركة والانتقال.
ووفقاً لإيمي، فقد ارتبطت السجادة الحمراء بعد ذلك بالسكك الحديدية: «في عام 1902، استخدمت نيويورك السجاد القرمزي الفخم لتوجيه الناس الصاعدين إلى القطارات».
وتقول: «لم يكن السجاد براقاً» لذاته، لكنَّه كان يُستخدم على نطاقٍ واسعٍ لحاملي تذاكر الدرجة الأولى، فأصبحت السجادة الحمراء علامةً على الوضع الاجتماعي. بمرور الوقت نمت فكرة «علاج السجادة الحمراء». وتقول إنَّ هذا الشريط الأحمر «كان وسيلة لجعل الناس يشعرون بأنَّهم مميزون».
الظهور للمرة الأولى
استخدم قطب المسرح سِيد غرومان السجادة الحمراء في هوليوود لأول مرة في 18 أكتوبر 1922، حين نظم أول عرضٍ في هوليوود. الفيلم كان Robin Hood، وكان غرومان، صاحب المسرح المصري حديث المنشأ، جاهزاً لإثارة إعجاب الجمهور. إذ كان الفيلم قد تكلَّف ما يقرب من مليون دولار، وهو رقم مذهل في ذلك الوقت.
سار دوغلاس فيربانكس ووالاس بيري وآخرون من ملوك التمثيل على السجادة الحمراء، وتقول إيمي: «أصبحت فكرة سحر هوليوود مرتبطة على الفور بذلك. بالنسبة للممثلين، كان كل ذلك خاصاً بهم، وهذا ما تحبه هوليوود».
أصبحت السجادة الحمراء روتينية في العروض الأولى. كانت تمثل دعايةً إضافية للأفلام، ولكن ثبتت أيضاً فائدتها للجمهور. فعظماء هوليوود، الذين كانوا بعيدين عن أعين الناس أكثر من اليوم، كان مضموناً ظهورهم عليها. وبهذا قرَّبت السجادة الحمراء الجمهور من الفنانين.
استضاف مسرح غرومان الصيني حفل توزيع جوائز الأوسكار بين عامي 1944 و1946، لكن حتى عام 1961 لم تكن أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية قد أضافت السجادة الحمراء لروتين الحفل.
وتقول إيمي: «بالطبع، كان البث بالأسود والأبيض.. (لكن) كانت الفكرة أكثر أهمية من مجرد مظهر السجادة الأحمر».
ونجح الأمر، وبدأت العائلات في الاهتمام بمشاهدة مرحلة ما قبل الحفل. وبحلول عام 1966، عندما بُثَّ الأوسكار لأول مرة بالألوان، كان هذا هو السبب الرئيسي في مشاهدة الكثيرين للحفل.
وبحسب إيمي، حينها «فكر المديرون التنفيذيون للإعلانات الذكية والمسؤولون التنفيذيون في ماديسون أفينيو قائلين: يا لها من فكرة جيدة. أن تكون لدينا سجادة حمراء خاصة بنا».
وهكذا تجاوزت السجادة الحمراء الحديثة الأفلام وبدأ انتشارها.
السجادة الحمراء الحديثة
تبسط الفاعليات الحديثة السجادة الحمراء، كمعرض الأزياء Met Gala وعشاء منظمة مراسلي البيت الأبيض. حتى في الفاعليات السينمائية، لم تعد السجادة الحمراء خاصة بنجوم الفيلم فقط.
شاهد عرضاً احتفالياً في مهرجان كان السينمائي، وستجد موسيقيين وعارضات ومليونيرات وعمالقة يسيرون على السجادة. وفي مناسباتٍ عديدة، يغطي حضورهم على الممثلين.
وتقول إيمي هندرسون إنَّها بيئة تُفرط في الاعتناء بالتفاصيل، لتعبر عن «هذه المخلوقات المتقَنة التي تسير على كوكب الأرض. يمكننا تقليد ما يضعونه من مستحضرات التجميل أو ما يرتدونه من ملابس، لكنَّنا لن نستطيع حقاً أن نكون مثلهم، لأنَّهم مختلفون».
تحولت القدرة التسويقية للسجادة الحمراء بعدما أدركها المديرون التنفيذيون إلى فرصة لبيع أي شيء يمكن أن يمثله البشر. فأي سلعة أخرى كانت تروج لها اللافتات الدعائية.
لكن على الرغم من كل السحر والرومانسية اللذين تدل عليهما السجادة الحمراء، فإنَّها غالباً ما ينتهي بها الأمر إلى مصيرٍ مختلف.
تمتلك شركة Veolia لحلول البيئة عقداً لإعادة تدوير 80 طناً من السجاد الذي يستخدمه مهرجان كان كل عام. يُرسل السجاد إلى مدينة كارو شمال نيس، ويتحول النسيج إلى حبيبات ويعاد استخدامه في التعبئة والتغليف وعلامات الطريق.
وعلى الجانب الآخر، وفقاً للتقارير، فإن السجادة الحمراء الخاصة بحفل الأوسكار، التي تصنعها مجموعة Signature Systems، تُدمر بعد الحفل عبر وسائل غير معلنة.
من الممكن مناقشة ما إذا كان هذا عرضاً أو رمزاً لنمط الحياة الاستهلاكية الذي تروج له السجادة الحمراء، لكن ما لا شك فيه هو أنَّه من البداية الدموية إلى النهاية الجميلة، فقد قطعت السجادة الحمراء طريقاً طويلاً جداً.