«لقد حصلنا على إذن من رئيسنا بقتلك»، هذا ما قاله 30 جندياً من إسرائيل لمراهق من فلسطين يبلغ من العمر 16 عاماً، عندما جاؤوا إلى منزل ياسين شبيطة في قرية فلسطينية بنتصف الليل. ولذا يبدو أنه من حسن الحظ هذا المراهق أنه تم اعتقاله بعد شهر من هذه الواقعة، فقد كان يعيش على خوف دائم من حياته منذ ذلك الحين. قال له أحد الجنود آنذاك، وفقاً لشبيطة: «لا أريد أن أضعك في السجن لأشهر أو سنوات، أريد قتلك والتخلص منك الآن».
وقال شبيطة لموقع “ميدل غيست آي” البريطاني: «كنتُ أخشى أن يأتوا ويقتلونني في أي وقت». عاد الجنود الإسرائيليون في 11 أبريل/نيسان، وقاموا بمداهمة منزله ليلاً واعتقاله بعنف. سحب الجنود شبيطة من منزله في قرية عزُّون، وهي قرية فلسطينية في شمالي الضفة الغربية المحتلة، وسلَّموه إلى شرطة مراقبة الحدود الإسرائيلية.
وقال شبيطة إنَّ الشرطة بدأت ضربه، ودفعته نحو سيارة جيب عسكرية في نهاية طريقه. وأضاف، مشيراً إلى المكان الذي تعرَّض فيه للضرب: «كان كل جندي يمر بجواري يركلني ويصفعني».
تعد تجربة شبيطة الدرامية تجربةً شائعة، خاصةً في عزُّون صاحبة أكبر عدد من اعتقالات الأطفال في الضفة الغربية بالنسبة لإجمالي عدد السكان، وفقاً لمسؤول اتصالات البلدية حسن شبته.
عزُّون محاطة بخمس مستوطناتٍ إسرائيلية غير شرعية، وهي أيضاً متاخمةٌ للجدار الفاصل.
وقال حسن شبتة لموقع Middle East Eye، إنَّ «الجيش الإسرائيلي يدخل عزُّون 398 مرة في السنة، نهاراً أو ليلاً، ويضع نقاط تفتيش داخل القرية. هذا يخلق ضغطاً نفسياً داخل الناس، إنَّهم ينفجرون».
في مواجهة مثل هذا الوجود العسكري الساحق، أوضح شبتة أنَّ العديد من الأولاد الصغار في القرية غالباً ما يذهبون إلى الطريق الرئيسي ويلقون الحجارة.
وأضاف: «يضغط الإسرائيليون على الشباب للخروج لمقاومة الاحتلال، لكن في الوقت نفسه يريد الإسرائيليون قتل روح المقاومة، لذلك يلقون القبض عليهم».
أحمد ريان (15 عاماً) يعيش أيضاً في قرية عزُّون، وسُجن بالفعل مرتين.
وأخبرت والدته سلام ريان موقع Middle East Eye بقصة مماثلة تقريباً لقصة شبيطة، بشأن الطريقة التي اعتُقِلَ بها ابنها مؤخراً، في 30 يوليو/تموز 2018.
وقالت سلام إنَّ حوالي 12 جندياً إسرائيلياً جاؤوا إلى منزلهم في حوالي الساعة الثانية صباحاً، وبعد أن اقتحموا باب المنزل الأمامي، أخذوا أحمد من فراشه.
وأضافت: «قيَّدوا يديه خارج المنزل، ومنعوه حتى من تغيير ملابسه وحذائه».
ووفقاً للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال (DCI)، يُحتجز كل عام تقريباً من 500 إلى 700 طفل فلسطيني، تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، ويُحاكمون في نظام المحاكم العسكرية الإسرائيلية.
وأُبرِزَ احتجاز إسرائيل للقُصَّر في الآونة الأخيرة من خلال قضية الفتاة الفلسطينية الشَّابة عهد التميمي، التي سُجنت لمدة ثمانية أشهر لصفعها جندياً إسرائيلياً.
لكنَّ قضية التميمي تعد فريدةً من نوعها في اهتمام وسائل الإعلام بها.
لم ترد أي تقارير في وسائل الإعلام في اليوم التالي لاعتقال شبيطة من منزله، رغم أنَّه كان في نفس عمر عهد التميمي عندما اعتُقِل.
«نحن غاضبون من وسائل الإعلام». هكذا قال شبيطة لموقع Middle East Eye، معبراً عن مشاعره هو غيره من السجناء الصغار في السن الآخرين.
وأضاف: «لماذا عهد التميمي ولا أحد غيرها؟ هناك مليون آخرون مثل عهد التميمي في السجن، إنَّها مثل أي سجين آخر».
قرية النبي صالح، حيث تنحدر عهد التميمي، هي قرية في الضفة الغربية، معروفة بمقاومتها ضد الاحتلال الإسرائيلي، وذلك بفضل النهج الاستباقي لسكانها في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية.
في المقابل، لا يعرف الكثير من العالم عن المداهمات الإسرائيلية المتكررة على قرية عزُّون.
وذكر تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) في عام 2013، أنَّ «سوء معاملة الأطفال الذين يتعرضون لنظام الاعتقال العسكري الإسرائيلي هو أمر واسع الانتشار ومنهجي ومؤسسي».
تبدأ هذه المعاملة السيئة من لحظة الاعتقال، وتمتد على مدار فترة محاكمة الطفل وإدانته والحكم عليه.
ويُتَّهم أغلبية الأطفال بإلقاء الحجارة.
وبمجرد دخول الأطفال الحجز العسكري الإسرائيلي، يتنقلون في الجزء الخلفي من سيارة جيب عسكرية، بين قواعد عسكرية ومراكز شرطية مختلفة في المستوطنات للاستجواب.
ويشتكي الأطفال مثل شبيطة من سوء المعاملة.
إذ قال شبيطة: «نُقِلتُ إلى معسكرٍ للجيش معصوب العينين، لم أستطع النوم، ولم آكل حتى أو أشرب».
وأضاف: «حاولتُ النوم ووضعتُ رأسي لأخذ غفوة، جاء جندي وضرب بقضيبٍ معدني على المكتب لإيقاظي، ونزع عصابة العينين عني وبدأ استجوابي. استغرقت الجلسة الأولى من الساعة الثالثة صباحاً حتى الساعة الثامنة صباحاً».
وتابع: «كانوا يعرضون مقاطع فيديو وصوراً لأشخاصٍ مجهولين. كانوا يخبرونني أنَّ هذا كان أنا، ويقولون باستمرار: إما أن تعترف أو سنضعك في السجن، في الظلام، أو نقتلك».
بموجب مختلف القوانين الدولية، بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل، يجب إجراء التحقيق مع الأطفال بحضور محام وولي أمر من عائلة الطفل. ويجب أيضاً تسجيل عملية الاستجواب بالصوت والصورة.
ووفقاً لتقرير اليونيسف عام 2013: «لم يُرافق أي طفل محامٍ أو أحد أفراد العائلة أثناء الاستجواب». وكان لدى هؤلاء الذين تحدث إليهم موقع Middle East Eye نفس التجربة.
بسبب عدم وجود أي إشراف أو دعمٍ اجتماعي ودود، يُمكن أن يتعرَّض هؤلاء الأطفال إلى ضغط هائل، وقد يصابون بجنون الارتياب بسبب الاستجواب.
وأوضحت سلام ريان، استناداً إلى تجربة طفلها الأولى في الاعتقال: «إنَّهم يسألونهم أسئلةً لفترةٍ طويلة جداً، ويشعر الطفل كأنَّه استنفد طاقته، فيستسلم ويقول لهم: ألقيتُ حجراً واحداً. هم يظنون أن الأمر سينتهي إذا قالوا شيئاً ما».
وإذا اعترف الطفل، يُجبَر على توقيع نموذج مكتوب باللغة العبرية، وهي لغة لا يفهمونها.
تعرَّض شبيطة «للضرب بوحشية» على ذراعيه وساقيه، بمجرد نقله إلى زنزانة السجن.
وقال شبيطة: «قال السجناء الآخرون للحُرَّاس إنَّني بحاجة إلى الذهاب للرعاية الطبية، لكن بدلاً من ذلك أخذوني إلى زنزانة حبسٍ انفرادي».
وأضاف: «كانت تلك الزنزانة مظلمة للغاية، ولا تعرف فيها إذا كان الوقت نهاراً أم ليلاً. هناك مياه صرف صحي على الأرض ومرحاض واحد وسرير صغير».
تحظر لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب بشدة وضع الأطفال في حبسٍ انفرادي، لما ينجم عن ذلك من أثرٍ ضار على الصحة والسلامة النفسية.
ويفرض القانون الدولي مثول الأطفال أمام القاضي خلال 24 ساعة من اعتقالهم.
لكن بالنسبة لشبيطة، استغرق الأمر ثلاثة أيام لعقد أولى جلسات محاكمته، وكانت هذه هي اللحظة الأولى التي تمكَّن فيها من مقابلة محامٍ، رغم أنَّه لم يستطع التحدث إليه.
شملت جلسات محاكمة الفتى البالغ من العمر 16 عاماً 7 جلسات استماع إجمالاً، على مدار شهر ونصف الشهر. لم تتمكَّن والدته من حضور سوى جلسة واحدة فقط، بسبب القيود المفروضة عليها بشأن السفر إلى إسرائيل.
أُخبر الفتى في الجلسة الأخيرة فقط، بالتهمة الموجهة إليه بالفعل، ألا وهي إلقاء الحجارة.
وقال شبيطة: «حُكم عليَّ بالسجن لمدة شهرين، ودفع غرامة بقيمة 3000 شيكل (807 دولارات أميركية) لتعريض حياة المستوطنين للخطر».
ومن جانبه، قال عايض أبو عقطيش، مدير برنامج المساءلة في الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال، إنَّ كل طفل يُعتقل ويُحتجز على يد الجيش الإسرائيلي يتعرض لأنواعٍ مختلفة من التعذيب.
وأضاف لموقع Middle East Eye: «بعض هذه الأنواع هي عنف جسدي، والبعض الآخر يُشكّل ضغطاً نفسياً مثل وضع الأطفال في حبسٍ انفرادي».
وتابع: «كل هذه الأنواع من سوء المعاملة، بالإضافة إلى الإهانة والترهيب، هي لاستخراج المعلومات منهم بالقوة، وتُشكّل هذه الاعترافات الدليل الأساسي أمام النظام القانوني العسكري الإسرائيلي».
قالت سلام ريان، إنَّ ابنها تغيَّر بعد إطلاق سراحه من السجن، عندما أُلقي القبض عليه للمرة الأولى العام الماضي.
قال أحمد نفسه، إنه يستوعب خوفه، ومنذ أن تم سجنه أصبح أكثر نضجاً.
في الوقت نفسه، قالت ريما شبيطة، والدة ياسين شبيطة، لموقع Middle East Eye إنَّ ابنها أصبح متوتراً وعصبياً منذ مغادرة السجن العسكري الإسرائيلي.
وأضافت، بينما تجلس بجوار ابنها في الشرفة: «هو يخشى دائماً أن شخصاً ما سيأتي ويأخذه مرةً أخرى. إنَّهم (الأطفال في هذا العمر) يعيشون في حالة رعب».
ومع اعتقال مئات الأطفال كل عام، يظهر جيل كامل من الأطفال الفلسطينيين الذين تعرضوا للإيذاء النفسي.
وقال أبو عقطيش، من الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال: «نحن نؤمن بأنَّ كل طفل مرَّ عبر هذه التجربة سيتأثر نفسياً، ويعتمد مستوى التأثير النفسي على عمر الطفل عند القبض عليه، وأنواع سوء المعاملة والتعذيب التي تعرض لها داخل السجن الإسرائيلي».
وأضاف: «نحن نؤمن بأنَّ جميع الأطفال يتأثرون لأنَّ النظام بأكمله مُصمَّم لكسر السلامة النفسية لكل من يمر عبره، سواءٌ كانوا أطفالاً أو بالغين، لكنَّ التأثير على الأطفال يكون أكثر حدة».
يريد ياسين شبيطة جذب الانتباه الدولي لمئات الأطفال الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل.
وقال: «لا يوجد طفل آخر في العالم يتعرض لهذا النوع من المعاملة. ليس من العدل وضع أطفالٍ في عمر 12 و13 عاماً في السجن، يجب أن يلعبوا في الشارع أو مع عائلاتهم».
وأضاف: «أطالب وسائل الإعلام ليس فقط التركيز على عهد التميمي، ولكن على كل المعتقلين القُصَّر دون السن القانونية».
وأشارت ناريمان التميمي، والدة عهد التميمي، إلى أنَّ الضجة الدولية بشأن اعتقال ابنتها تنبع من طبيعة ملامحها ولون بشرتها الشقراء، وبالتالي فإنَّ لهذا طابعاً عنصرياً.
وقالت ناريمان لوكالة الأناضول التركية: «بصراحة، ربما مظهر عهد هو الذي أثار هذا التضامن العالمي. وهذا بالمناسبة يتسم بالعنصرية».
وأشارت ناريمان إلى أن أحد الصحافيين في صحيفة هآرتس الإسرائيلية كتب ذات مرة، عن تعاطفهم مع عهد عندما كان الجنود الإسرائيليون يحاولون إلقاء القبض عليها؛ لأنهم شعروا بأنها تبدو مثلهم! لكن كل الأطفال الفلسطينيين هم عهد التميمي.
بالنسبة لسلام ريان، مجرد أنَّ مشادة عهد التميمي مع الجندي الإسرائيلي التقطتها عدسة كاميرا، قد ساعد ذلك في أن تصبح قضيتها «أكبر بكثير» من الأطفال الآخرين.
وقالت: «بالنسبة إلى عهد، هناك فيديو لصفعها الجندي، إذا لم يكن هناك فيديو، كان اعتقالها سيكون أمراً عادياً. لم يعلم أحد أنَّهم أخذوا ابني».
يقام في السادسة من مساء اليوم احتفال بأول إصدارات دار أم الدنيا للدراسات والنشر والتوزيع…
الرياض 13 أبريل 2022: أتاحت التأشيرة السياحية السعودية للحاصلين عليها أداء مناسك العمرة إلى جانب…
يحتاج التأمل في أعمال التشكيلي السوري محمد أسعد الملقّب بسموقان إلى يقظة شرسة تجعلنا قادرين…
في حلقة جديدة من برنامجه "تراثنا الشعري" استضاف بيت الشعر بالأقصر الأستاذ الدكتور محمد…
يقيم المركز الدولي للكتاب، خلف دار القضاء العالي، ندوته الشهرية لمناقشة أعمال (سلسلة سنابل) للأطفال،…