قرار ترامب حظر الإخوان المسلمين يحمل رسالتين: الأولى للبيض المناهضين للإسلام .. والثانية للعرب
من المحتمل أن يكون قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، تصنيف جماعة الإخوان المسلمين ضمن قائمة الإرهاب، في حال تم إقراره، أخطر وأهم قرار يتخذه حتى الآن، في ظل الفترة الرئاسية التي ثبت بالفعل أنَّها الأكثر تدميراً في التاريخ الأمريكي الحديث.
فعلى الرغم من أن قراراً مثل هذا سيسعد قادة بعض الدول العربية، مثل مصر والإمارات والسعودية، فإن ذلك لا يعني أن ترامب يخضع لتأثير هؤلاء القادة، بحسب موقع “ميدل إيست آي” البريطاني.
فترامب لا يدعمهم بسبب غياب البديل الذي يمكنه التعويل عليه، بل يدعمهم لأن سياساتهم وسياساته متوافقة إلى حد كبير.
ملف تصنيف الإخوان منظمة إرهابية لم يكن حديثاً، فهو على أجندة ترامب وبومبيو قبل صعودهما لمنصبيهما
عداء ترامب للإسلام الراديكالي ليس جديداً، فقد هاجم ترامب الرئيسَ الأمريكي السابق باراك أوباما، واتهمه بتمويل الربيع العربي، وقال بتغريدة له في شهر فبراير/شباط 2012: «ميزانية باراك أوباما تُموِّل (الربيع العربي) بـ800 مليار دولار، والإخوان المسلمون في مصر بـ1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية. إنَّه يحب الإسلام المتشدِّد. يريد أوباما الآن تقديم 450 مليون دولار أخرى للإخوان المسلمين. المال الذي لا نملكه سيذهب إلى الأشخاص الذين يكرهوننا. أحمق!».
وما يدل أيضاً على أن الأمر موضوع على الطاولة منذ سنوات، ما ورد على لسان وليد فارس، مستشار ترامب لشؤون السياسة الخارجية والمنظِّر السابق لإحدى الميليشيات اللبنانية المسيحية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، والتي ارتكبت جرائم حرب في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، حيث ذَكَرَ فارس تصنيف الإخوان على قائمة الإرهاب، إلى جانب الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وتمزيق الاتفاق النووي مع إيران.
وما يدفع ترامب إلى التقدم أكثر في هذه الخطوة، هو أن تصنيف الإخوان المسلمين منظمة إرهابية كان جزءاً لا يتجزَّأ من حزمة الملفات التي جلبها مايك بومبيو، وزير الخارجية، معه إلى المنصب.
إذ شارك بومبيو في رعاية مشروع قانون لحظر الإخوان، حين كان عضواً بالكونغرس.
وقال بومبيو لفرانك غافني، المسؤول الأمني الأمريكي السابق: «هناك منظمات وشبكات مرتبطة بالإسلام الراديكالي لدرجةٍ عميقة وجوهرية هنا داخل الولايات المتحدة. وهُم ليسوا في مناطق مثل ليبيا وسوريا والعراق فقط، بل بمناطق مثل مدينة كولدووتر وولاية كانساس وبلدات صغيرة في مختلف أنحاء أمريكا».
وأعاد السيناتور تيد كروز والسيناتور ماريو دياز بالارت تقديم مشروعي قانون للغرض نفسه، إثر تنصيب ترامب رئيساً، بهدف مطالبة وزارة الخارجية الأمريكية بإبلاغ الكونغرس «ما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين تستوفي معايير التصنيف باعتبارها تنظيماً إرهابياً».
إذن، فهذه ليست مفاجأةً كبيرة، إذ أُشِير إلى فرض الحظر على الإخوان كثيراً.
المختصون في مكافحة الإرهاب مثل CIA وأجهزة استخبارات أوروبية حذروا من هذه الخطوة
ويرى الموقع البريطاني أن مثل هذا القرار -في حال تم اتخاذه- سيكون الأخطر والأهم من واشنطن، إذ سيستفيد أبو بكر البغدادي، الذي نصَّب نفسه خليفةً لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، من الحظر المفروض على جماعة الإخوان المسلمين التي تُعَدُّ أكبر أعدائه وأكثرهم فاعلية، خاصةً في ظل عودة البغدادي المُغتَرِّ إلى الظهور على الشاشة في الأسبوع نفسه، ليَهزأ بترامب، قائلاً إنَّه ومقاتليه -الذين يُقدَّرون بـ15 ألفاً- ما يزالون موجودين بعد خسارة آخر معاقلهم في بلدة الباغوز السورية.
وأكَّد المختصون في مكافحة الإرهاب ممَّن لا يُكِنُّون الحب للإسلام السياسي أو يمتلكون المعرفة العميقة بشأنه، مثل وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) وجهاز الاستخبارات البريطاني (MI6)، هذه النقطة مراراً وتكراراً.
إذ نشرت وكالة الاستخبارات المركزية وثيقةً داخلية تُفنِّد أسباب ترامب لتصنيف الإخوان تنظيماً إرهابياً، بعد 11 يوماً من تنصيب ترامب في يناير/كانون الثاني 2017.
ما يقلق جهاز الاستخبارات الأمريكية هو أن يمنح القرار الأمريكي «داعش» و»القاعدة» مؤيِّدين
ولم تهتم وكالة الاستخبارات المركزية بمسألة أعداد الإخوان كثيراً، بقدر اهتمامها بـ «الدعم الواسع» الذي تتمتَّع به الجماعة بالمنطقة، خصوصاً في البلدان التي تُعَد حليفة للولايات المتحدة.
إذ ذكرت مجلة Politico الأمريكية أنَّ وكالة الاستخبارات المركزية أعادت تأكيد أنَّ الإخوان «رفضوا العنف باعتباره مسألة سياسة رسمية، وعارضوا تنظيمي القاعدة وداعش».
وأقرَّت وكالة الاستخبارات المركزية بانخراط أقلية من أعضاء الإخوان المسلمين في أعمال العنف رداً على قمع الأنظمة، أو ما اعتبروه احتلالاً أجنبياً، أو صراعاتٍ أهلية.
وخلصت الوكالة إلى الآتي: «سيؤدي التصنيف الأمريكي إلى إضعاف حجج قيادات الإخوان المسلمين ضد العنف على الأرجح؛ ومن ثم منح داعش والقاعدة أداةً دعائية إضافية للحصول على الأتباع والدعم، خاصةً من أجل الهجوم على المصالح الأمريكية».
فسربت وكالة الاستخبارات الأمريكية تقريرها للإعلام، لتخبر الرأي العام رفضها للقرار
كانت الرسالة واضحة: إذ ترى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية أنَّ فرض أي حظر على الإخوان سيؤدي إلى تأجيج التشدُّد، وليس إخماده. ووردت الحجة نفسها في ردّ جهاز الاستخبارات البريطاني على التحقيق الذي طلبه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون، بتشجيعٍ من الإمارات وتحت قيادة السير جون جينكينز، حول جماعة الإخوان المسلمين في المملكة المتحدة.
وسرَّبت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وجهاز الاستخبارات البريطاني اعتراضاتهما إلى وسائل الإعلام، للتأكُّد من وصول الرسالة إلى الرأي العام.
لكن ترامب لا يُنصت لهذه التقارير ولا حتى لمقربيه، بل يمكنه التخلي عنهم لهذه الأسباب
استمع ريكس تيلرسون لتقرير الاستخبارات، وعبّر عن رفضه تصنيف الإخوان جماعة إرهابية، وقال خلال جلسة استماع أمام مجلس الشيوخ بعد بعضة أشهر فقط على تعينيه في منصبه: «إن تصنيف الإخوان تنظيماً إرهابياً قد يُعقّد علاقات واشنطن بالشرق الأوسط»، مع العلم أنه كان يؤيد القرار قبل صدور تقرير الاستخبارات.
وقال مُتحدِّثاً أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، إنَّ الإخوان لديهم خمسة ملايين عضو، وهو ادِّعاءٌ لم يسمعه من قبلُ إلا قليلون، وأكبر بخمس مرات من التقدير المعتاد. وأضاف تيلرسون أنَّ جماعة الإخوان أصبحت تعاني «بعض الانقسامات» داخل صفوفها، إذ واصلت بعض المجموعات الفرعية، التي كانت مُدرَجة بالفعل على القوائم السوداء الأمريكية، تحمُّل مسؤولية أعمال العنف.
واستدرك تيلرسون: «لكن بعض عناصر الإخوان المسلمين في قمة التسلسل التنظيمي للجماعة أصبحوا الآن جزءاً من الحكومات. ووصلت تلك العناصر إلى هذه الدرجة عن طريق نبذ العنف والإرهاب».
لكن تيلرسون لُفِظ خارج هذه الإدارة منذ ذلك الحين، إلى جانب عديدين ممن حاولوا تخفيف الوازع القومي الأبيض لدى الرئيس.
ماذا عن الدول العربية؟ كيف ستتلقى نبأ تصنيف الإخوان جماعة إرهابية؟
وبعيداً عن الدائرة المحيطة بترامب في البيت الأبيض، فإنَّ حظر الإخوان المسلمين يتمتَّع بدعم تحالفٍ إقليمي حقيقي.
إذ ستحتفل عواصم عربية، وستدعم حظر ترامب الإخوان المسلمين، خاصة «إذا كان المسؤول هو أمير سعودي يستعين بأشخاص لقطع أصابع الصحفيين قبل خنقهم»، بحسب الموقع البريطاني.
وسيُمثِّل حظر ترامب المرتقب يوم حصاد المكافأة بالنسبة للإمارات، وسيمثل تعويضاً لكل الوقت والمال الذي استثمرته في الرئيس الأمريكي.
يُذكر أنَّ ولي العهد إماراتياً، هو محمد بن زايد، يُدرِج 83 منظمة إسلامية حول العالم على قائمة التنظيمات الإرهابية، وضمن ذلك مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، والرابطة الإسلامية في بريطانيا.
ليس هؤلاء القادة فقط من سيفرحون، بل سيشاركهم الاحتفال أيضاً رئيس وزراء إسرائيل
كما أن رئيس وزراء إسرائيل سيقفز فرحاً كذلك عند إعلان ترامب حظر الإخوان، لأن ذلك سيعزز هدفه المتمثل بهدم حل الدولتين إلى الأبد، وحماية دولة الفصل العنصري (الأبارتيد) التي يهدف إلى بنائها. إذ إنَّ المجموعات الأكثر مقاومة لإسرائيل على الصعيد العالمي هي المجموعات الإسلاموية.
وسيكون إعلانُ ترامب شريانَ حياة أيضاً، للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي أعلن الحرب على الإخوان في بلاده، وقتل المئات منهم، وسجن آلافاً آخرين.
ويرى الموقع البريطاني أن هؤلاء «هُم رفاق ترامب الطبيعيون، وسيدفعون بالمنطقة إلى فوضى أسوأ بكثير من كل ما رأيناه حتى الآن».
بالنهاية يرسل ترامب بقراره رسالتين: الأولى للقوميين البيض، والثانية للعرب
ويرى الموقع البريطاني أنَّ حظر ترامب الإخوان المسلمين يبعث برسالتين: الأولى لقاعدته الشعبية من القوميين البيض المُناهضين للإسلام، ويقول فيها: «استمِروا. اطمُسوا الفوارق؛ الإسلام الراديكالي يكرهنا، وأقصد بالإسلام هنا جماعة الإخوان المسلمين، أو كل مسلم يجرؤ على المخاطرة برفع صوته. إنَّكم تجعلون أمريكا عظيمة بالتقليل من شأن المسلمين الأمريكيين».
وهذا ليس مجرد كلام، فقد كتب مايكل فلين، مستشار ترامب السابق للأمن القومي، تغريدة حذَفها لاحقاً، على صفحته بموقع تويتر: «الخوف من المسلمين شعورٌ منطقي».
وبالنسبة للعرب، فإنَّ رسالة ترامب في العموم هي: » الديمقراطية لا تنجح، واعتزال العنف لن يُوصِّلَكم إلى أي مكان، والتظاهرات السلمية أمرٌ خيالي. اعملوا بجِدٍّ تحت حكم الدكتاتوريين الذين سيُفقِرونكم ويُضعِفون دولتكم، أو انضمُّوا إلى داعش. الخيار لكم، تعرَّضوا للتعذيب على يد قواتكم الأمنية، أو النحر على يديّ»