قرارات ترمب المتهورة تشعل الشرق الأوسط، وحلفاؤه الخليجيون قلقون من خطواته
تزعزِع خطوات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفتح سفارة جديدة بالقدس والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني استقرار الشرق الأوسط المُتقلِّب بالفعل، وتخاطر بنشوب حربٍ إقليمية أوسع لن تكون الولايات المتحدة قادرة أو راغبة في احتوائها.
اقترنت مشاهد إراقة الدماء في غزة على شاشات التلفزيون في أنحاء العالم العربي هذا الأسبوع مع لقطات احتفال المستشارين الرئاسيين إيفانكا ترمب وجاريد كوشنر في السفارة الأميركية الجديدة بالقدس، ما أشعل من جديدٍ تعاطفاً عربياً منسياً مع محنة الفلسطينيين وورَّط الولايات المتحدة في العنف، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأميركية.
وقد أثار قرار ترمب بالانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني قبل ذلك بأيامٍ المخاوف بالفعل بين الأصدقاء والخصوم على حدٍ سواء من أنَّ الرئيس الأميركي يُعجِّل بإجراء تحولاتٍ كبرى في السياسة دون استراتيجية متماسكة لمعالجة التداعيات.
ووفقاً لبروس ريدل، الباحث بمعهد بروكنغز بواشنطن، كانت أيٌّ من هاتين الخطوتين لتزلزل المنطقة، لكن أن تأتي كلتاهما في ظرف أقل من أسبوع، فهذا يرقى إلى “تهورٍ مخيف”.
وقال ريدل إنَّه مع وصول عملية السلام العربية-الإسرائيلية إلى طريقٍ مسدود، والحروب التي تدور رحاها الآن في سوريا واليمن وليبيا، “فإنَّ الشرق الأوسط بالفعل بيئة خطرة بما فيه الكفاية. آخر ما كنا نحتاجه هو خطوات استفزازية للغاية لا تؤدي إلى إضافة المزيد للزخم الرامي باتجاه مواجهةٍ إقليمية أكبر”، كما تقول الصحيفة الأميركية.
انتكاسات لحلفاء واشنطن
وبحسب الصحيفة الأميركية في غضون ثمانية أيام، شهدت نتائج الانتخابات في العراق ولبنانانتكاساتٍ لحلفاء الولايات المتحدة السياسيين في مناطق تنافس فيها الولايات المتحدة نفوذ إيران، واندلعت المواجهة الأكبر حتى الآن بين إسرائيل وإيران في سوريا ومرتفعات الجولان. وكل هذا يضيف إلى الشعور بأنَّ الشرق الأوسط يتقدم سريعاً باتجاه شكلٍ ما جديد من الاضطرابات.
قال رياض قهوجي، من شركة Inegma للاستشارات الدفاعية ومقرها دبي، للصحيفة الأميركية، إنَّ كل ذلك يتعارض مع المصالح الأميركية لأنَّه يُعزِّز المتشددين في إيران، ويُقوِّض حلفاء الولايات المتحدة العرب، ويؤجج المشاعر التي يمكن أن تؤدي إلى التطرف، ويُخلي الأرض أمام المنافسين مثل روسيا.
وأضاف: “إيران وروسيا وداعش والقاعدة، إنكَّم تؤدون بالضبط عن غير قصد ما يرغبه كل أعداء الولايات المتحدة في المنطقة”.
ويقول محللون إنَّ حتى أقرب حلفاء أميركا في الخليج يتزايد انزعاجهم من سياسات ترمب، التي يشكُّون على نحوٍ متزايد في أنَّها نابعة من رغبته في تلبية تعهداته الانتخابية لقاعدته الداخلية أكثر من كونها نابعةً من أي مواءمة مع مصالحهم، بحسب الصحيفة الأميركية.
السعودية والإمارات قلقتان
ويقول محللون إنَّه بالرغم من ترحيب السعودية والإمارات علناً بقرار ترمب الأسبوع الماضي بالانسحاب من الاتفاق النووي، فإنَّ مسؤولين من هذين البلدين عبَّروا سراً عن قلقهم من الافتقار الواضح لأي استراتيجية بديلة لاحتواء إيران. وأقام حكام السعودية والإمارات بنشاطٍ علاقاتٍ شخصية قوية مع عائلة ترمب، لكنَّهم يبدأون الآن في إدراك أنَّ علاقاتهم الوثيقة مع الرئيس قد ترتد بنتائج عكسية.
قال مصطفى العاني، مدير برنامج الأمن والدفاع بمركز الخليج للأبحاث في العاصمة السعودية الرياض: “هذه سياسات رئيسٍ واحد. سيرحل، وسيأتي رئيسٌ آخر، وسنُترَك نحن لمواجهة العواقب في المنطقة”.
وعارضت السعودية وحلفاؤها الاتفاق النووي بكل قوة لأنَّه لم يعالج بواعث قلقها حيال برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ونشاطات إيران التوسعية في المنطقة. لكنَّهم لم يتوقعوا أن ينسحب ترمب من الاتفاق دون استراتيجية بديلة من شأنها معالجة مخاوفهم الأساسية.
لم تضع إدارة ترمب بعد بصورة كاملة استراتيجيتها تجاه إيران، لكن الرئيس الأميركي أشار في بيانه الذي أعلن فيه الانسحاب من الاتفاق إلى أنَّ نهجه سيعتمد على العقوبات لكبح سلوك إيران. لكن العاني قال إنَّ ذلك قد يستغرق سنوات.
وقال: “الإطار الزمني ليس مُشجِّعاً لأنَّنا لا نعتقد أنَّ ترمب بإمكانه تحقيق هدف احتواء إيران في عامين. إنَّنا مع تلك السياسة بنسبة 100%، لكن كيف سيكون هذا الاحتواء، وما هو دورنا، وهل ستضعوننا في خط المواجهة؟”، بحسب الصحيفة الأميركية.
وقال العاني إنَّ دول الخليج اجمعت على أنَّ الاتفاق كان أضعف من أن يُوقِف التطور النووي الإيراني، “لكنَّنا كنا نحتاج إلى إصلاحه، وليس إلغائه. إنَّنا نحتاج اتفاقاً من نوعٍ ما. ولا نريد الحرب”.
ترمب يقوض تحالفاته
وبحسب الصحيفة الأميركية، فاقم افتتاح السفارة الأميركية بالقدس يوم الإثنين الماضي 15 مايو الشعور بأنَّ ترمب يُقوِّض تحالفاته، وهي الخطوة التي دفعت بصور الإسرائيليين وهم يقتلون الفلسطينيين مرةً أخرى إلى وسائل الإعلام في الشرق الأوسط للمرة الأولى منذ سنوات، وتجدَّدت ذكريات عصرٍ كان يُنظَر فيه إلى الولايات المتحدة باعتبارها العدو الأول للطموحات العربية.
وقال قهوجي: “كان ترمب قد بدأ في الحصول على زخمٍ ضد إيران بدعمٍ من دول عربية أخرى، لكن بعد غزة، يبدو الأمر وكأنَّه شخص يضر نفسه. عندما يكون لدينا مشاهد كتلك التي رأيناها في غزة، فإنَّ إيران ستحظى بشعبية أكبر؛ فهي التي تدعو للمقاومة ضد إسرائيل”.
وقال قهوجي أيضاً إنَّ هذه التطورات قد تضع حلفاء الولايات المتحدة العرب “في موقفٍ ضعيف”. وأضاف: “في مرحلةٍ ما، سيتوجَّب عليهم النأي بأنفسهم عن إدارة ترمب”.
وقال رامي خوري، الأستاذ بالجامعة الأميركية في بيروت، للصحيفة الأميركية، إنَّ معظم العرب العاديين في المنطقة يرون أن تحركات ترمب هي ببساطة “غريبة”.
وأضاف: “تحوَّل موقف الولايات المتحدة إلى تبجحٍ استثنائي، ورعونة غير مسبوقة، ونحن نرى النتائج في تصعيد التوترات. لكنَّهم لا يتخذون أي إجراء”.
وقال خوري إنَّه يشك في احتمال اندلاع حرب كبيرة؛ لأنَّ التكاليف ستكون مرتفعة للغاية بالنسبة لكل المنخرطين فيها، وأشار ترمب بوضوح إلى أنَّه لا يرغب بزج الولايات المتحدة في أي عملٍ عسكري. وبدلاً من ذلك، يرجح أن تستمر بعض المواجهات والمناوشات.
احتمالية نشوب صراع
وبحسب الصحيفة الأميركية، يبقى الخطر قائماً إزاء احتمال أن يؤدي سوء تقدير أو حادثة غير متوقعة إلى نشوب صراعٍ أكبر. وتشتد النقاشات حول تحديد الجبهة التي قد تصبح المسرح التالي لاشتعال المشهد.
والمسرح الأكثر وضوحاً هو سوريا، حيث تنخرط إسرائيل وإيران بالفعل في دائرة من المواجهات المتصاعدة. وقد يمتد صراعاً بين إسرائيل وإيران في سوريا إلى لبنان، حيث عزَّز حليف إيران، حزب الله، مؤخراً سيطرته على السياسة اللبنانية بفوز حلفائه المحدود على الكتلة المدعومة من الولايات المتحدة بقيادة رئيس الوزراء سعد الحريري.
ويُعَد اليمن نقطة اشتعالٍ أخرى. إذ قال فراس مقصد، مدير المؤسسة العربية التي يقع مقرها بواشنطن وتربطها علاقات ودية بالسعودية، إنَّ أحد المخاوف الكبرى هو سقوط أحد الصواريخ التي يطلقها الآن المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على الرياض، ما قد يُخلِّف أعداداً كبيرة من الضحايا، أو ضرب منشأة مثل أحد المطارات وقتل أميركيين، ما يستدعي رد الولايات المتحدة، بحسب الصحيفة الأميركية
وفي الوقت نفسه، دخل العراق اللعبة على إثر الانتخابات البرلمانية، فقد حصد رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر أكبر عدد من مقاعد البرلمان، وحل رئيس الوزراء حيدر العبادي المدعوم من الولايات المتحدة في المركز الثالث، وذلك وفقاً للنتائج غير الرسمية.
ويعارض الصدر كلاً من الولايات المتحدة وإيران، ولكليهما وجود عسكري في العراق. ووفقاً لأحدث الأرقام التي نشرتها وزارة الدفاع الأميركية، بلغ عدد الجنود الأميركيين في ديسمبر/كانون الأول الماضي 5200 جندي موجودين هناك جنباً إلى جنب مع المستشارين العسكريين الإيرانيين والميليشيات المدعومة من إيران في ظل انفراجٍ ساد خلال فترة إدارة أوباما، بحسب الصحيفة الأميركية.
لكن فوز الصدر كان محدوداً، وسيحتاج إلى حلفاء حتى تقود كتلته الحكومة المقبلة، ما يفتح الباب أمام منافسة بين إيران والولايات المتحدة للتأثير على شكلها.
وقال ريدل، من معهد بروكنغز: “العراق هو المكان الأخطر؛ لأنَّ لدينا حضوراً أميركياً كبيراً هناك، ويمتلك الإيرانيون العديد من الوكلاء. لقد وضعت الانتخابات مستقبل البلاد في مهب الريح. أنا قلق من إقدام وكلاء إيران على استهداف الجنود الأميركيين، كما فعلوا من قبل، حينها نكون بصدد وضعٍ متزعزعٍ للغاية “.