قاطَعوا منتجات تجارية فهددتهم الحكومة بالمتابعة القانونية.. مغاربة يتحدّون وزراء بلادهم: اعتقلونا جميعاً
احتجاج من نوع آخر، لا مظاهرات ولا هُتافات ولا مسيرات قد تمنعها السلطات المغربية بقوة القانون والعنف.
هكذا وجدت السلطة نفسها في المواجهة مع واحدة من أشرس وأقوى حملات المقاطعة في تاريخ المغرب الحديث، انطلقت شرارتها الأولى من مواقع التواصل الاجتماعي وتسبَّبت في خسائر مادية تقدر بملايين الدراهم.
تهديد ووعيد!
ما إن دخلت حملة المقاطعة التي تستهدف 3 شركات عملاقة بالسوق المغربية، أسبوعها الرابع حتى انبرت الحكومة المغربية إلى مهاجمة المقاطعين والدفاع عن الماركات التجارية المعنية بالحملة، مهدِّدة المروجين والداعمين لها على الشبكات الاجتماعية بالمتابعة القضائية، باعتبارهم يروجون لـ”أخبار زائفة” ما اعتربه السلطات مخالفاً للقانون.
مصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة، قال خلال مؤتمر صحفي إن “المروجين لحملة المقاطعة اعتمدوا على معطيات غير صحيحة”، من شأنها أن تضر بقطاعات مهمة ما يتسبب في مشكلات اقتصادية كبيرة في المغرب على حد تعبيره.
وفي السياق ذاته أصدرت الحكومة بياناً رسمياً أفاد بعدم تهاون السلطات مع ما أسمته استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أخبار زائفة بسوء نية أو إشاعات من شأنها الإضرار بالمكتسبات المحقَّقة في البلاد، وإن “حماية الحريات الأساسية للمواطنين وفي مقدمتها حرية التعبير، تعتبر خياراً استراتيجياً لا تراجع فيه.
عبد الإله الخضري رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان يرى أن المغرب أمام منعطف تاريخي مرتبط بتفاعل المواطنين مع انتهاكات حقوق الإنسان، قائلاً “يبدو أن سلوك المقاطعة الشعبية إزاء انتهاك الحقوق الاقتصادية أخطر ما واجهته بلادنا، ولا يستطيع أحد التنبؤ بمآل ذلك،خاصة أن كل المحاولات لكبح جماح هذه المقاطعة باءت بالفشل، ولا تزال المقاطعة تشهد زخماً متزايداً”.
وأبرز الناشط الحقوقي ضمن حديثه لـ”عربي بوست”، أن الحكومة تسعى إلى البحث عن مخرج لهذا المأزق الاقتصادي، مرجحاً أن يكون الضغط الذي تمارسه اللوبيات الاقتصادية هو الذي يدفع الحكومة ومن وراءها مختلف المؤسسات المعنية بالموضوع، للبحث عن سبيل من أجل وضع حد لهذا النزيف، وتلوِّح بمتابعة المروجين لأخبار زائفة، مع العلم أن المقاطعة لم تُبنَ إلا على الأخبار الحقيقية وهي الارتفاع المهول في الأسعار”
سخرية وتهكم
ما إن أعلنت حكومة سعد الدين العثماني عن موقفها من المقاطعة، حتى قوبِلت بموجة جديدة من التهكم والسخرية اجتاحت مواقع التواصل فيما أعرب نشطاء مغاربة عن استغرابهم من لغة “التهديد والوعيد” التي لجأت إليها الحكومة عوض الإنصات لمطالب الشعب والنقاش معهم واحترام آرائهم، والتوجه للشركات المعنية عبر حثها على خفض الأسعار وتجويد المنتجات وتحسين التواصل.
انتشر من جانب آخر وسم “أخبار زائفة” لرفض تهديدات الحكومة باعتقال المروجين للحملة، الذي سجل مع وسم “غير شدونا كاملين”، ( ألقوا القبض علينا جميعاً)، على تويتر الأكثر تفاعلاً بالمغرب خلال ساعات قليلة.
سخرية المغاربة امتدت إلى نشر صور مركبة وحورات هزلية، تؤكد على ضرورة طرق أبواب المواطنين من قبل الحكومة بدلاً من قمع رأيهم.
العدالة والتنمية.. مصداقية على المحك
لم يكن الوزير الإسلامي مصطفى الخلفي هو الوحيد الذي أغضب الشعب المغربي، إلا أن تصريحات الوزير المنتدب المكلف بالشؤون العامة والحكامة، الحسن الداودي، المُعربة عن تخوف الحكومة من إغلاق شركة “سنطرال دانون” وتشريد آلاف العمال والفلاحين الذين يتعاملون معها، جعلت حزب العدالة والتنمية القائد للائتلاف الحكومي في مرمى انتقادات وسخط المغاربة.
وحذّر الداودي من عواقب إغلاق الشركة الفرنسية بسبب مقاطعة منتجاتها، مؤكداً أن الحكومة تسعى لاستمرار عمل الشركة بالمغرب، قائلاً: “أصحاب الشركة أجانب، ومن السهل عليهم أن يغادروا البلاد وهذا ما لا نريده”، ما دفع نشطاء لمشاركة مقاطع توثق مداخلة قديمة للداودي في 2009 حين كان نائباً برلمانياً معارضاً وبين موقفه الحديث.
الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، الأمين السعيد، وصف ما يُعانيه حزب العدالة والتنمية بـ”الانفصام على مستوى الخط السياسي”، موضحاً أن بيان المجلس الحكومي الأخير الذي قدم معطيات وأرقاماً وحججاً تدافع عن الشركات أثرت بشكل سلبي على شعبية وزراء حزب العدالة والتنمية الذي يمزج بين خطاب سياسي رسمي يبرر جزء من سلبيات التدبير الحكومي، وبين خطاب سياسي شبه معارض يقوده بعض قواعد الحزب متماهٍ مع حملة المقاطعة والوفي لخطاب الحزب حينما كان في المعارضة.
حكومة العثماني.. غياب الانسجام
السعيد خلال حديثه لـ “عربي بوست”، أكد أن صمت وزراء العدالة والتنمية وتأخر تفاعلهم مع الحملة خلال الأسابيع الأولى لها، مرتبط بتقديم إشارات سياسية لحزب التجمع الوطني للأحرار، لكون أمينه العام عزيز أخنوش معني بشكل مباشر بالحملة.
“ما يعني أن قيادة الحزب فضلت ضمان الاستقرار الحكومي على حساب التجاوب مع المطالب المجتمعية، غير أن استمرار المقاطعة خلق توتراً داخل قواعد الحزب وأعاد النقاش حول إشكالية انسجام قيادته مع قواعده وخاصة شبيبة الحزب التي انخرط جزء من أعضائها في حملة المقاطعة”. وفق تعبير أمين السعيد.
مجموعة من التناقضات إذن أظهرتها حملة المقاطعة، بحَسْب السعيد رأى أن أبرزها غياب الانسجام الحكومي وانعدام الثقة بين مكونات الحكومة وخاصة بين حزبي “العدالة والتنمية” و”التجمع الوطني للأحرار”، إذ كان من المفترض أن تتجاوب الحكومة وتتفاعل مع هذا الإشكال وفق مبدأ التضامن الحكومي في المادة 93 من دستور 2011 الذي ينص في فقرته الأولى على أن “الوزراء مسؤولون عن تنفيذ السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به، وفي إطار التضامن الحكومي”.
المقاطعة.. مع أو ضد
بعد اعتذار مدير شركة “سنطرال دانون” عن وصفه المغاربة المقاطعين بخونة الوطن، ونفيه أي زيادة في ثمن علبة الحليب، خرجت من جهتها شركة “أولماس للمياه المعدنية” المالكة للعلامة التجارية “سيدي علي” عن صمت استمر ثلاثة أسابيع لتؤكد أن هامش ربحها بسيط للغاية ولا يتعدى 7 بالمئة من ثمن عبوة لتر ونصف، مشترطة على الدولة تخفيض الضريبة على القيمة المضافة لخفض أسعار عبواتها.
وفي وقت يستمر فيه أغلب المغاربة في مقاطعة منتجات الشركات الثلاث، يُشكك آخرون في أهداف هذه الحملة خاصة وأن الجهة الداعية لها تبقى مجهولة حتى الآن، وهو ما تساءلت على إثره سميرة الحجيب، أستاذة التعليم الثانوي بمدينة سلا عن المغزى من مقاطعة “سنطرال” واقتناء ماركات أخرى تباع بنفس الثمن.
وتابعت حديثها “أعتقد أن المقاطعة تستهدف التجمع الوطني للأحرار، هذه الحملة ذات أبعاد سياسية وبعيدة كل البعد عن المصالح الاجتماعية، ولن تضر سوى اليد العاملة”، فيما رد عليها النائب البرلماني محسن مفيدي، قائلاً “إن المقاطعة صرخة ضد الظلم و”الحُكرة” (الاحتقار) وجشع بعض النافذين”