قائمة طويلة من العوائق أمام تنفيذ صفقة القرن
على الرغم من أن الفلسطينيين يعانون من الاحتلال الإسرائيلي الذي يتحكم في حياتهم من جميع النواحي، فإنه بعد أن كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطته للسلام أو صفقة القرن، بدأت تلوح في الأفق بوادر مواجهات بين الجانبين، فما قصة معركة الماشية؟
وكالة بلومبيرغ الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: “معركة الماشية تضع عائقاً جديداً أمام خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط”، ألقى الضوء على تفاصيل العلاقة الاقتصادية الشائكة بين الطرفين.
ما هي قصة مزارع المواشي؟
أخذت مزرعة المواشي “دورون باداتز” الواقعة في شمال إسرائيل تتعرض للحصار في خضم المواجهة المتأزمة حالياً في الشرق الأوسط.
يعتمد باداتز بالأساس على الفلسطينيين كزبائن لما تنتجه مزرعته من المواشي ولحومها، ولكن بعد أن حظر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية أي استيراد للحوم العجول من تجار الماشية الإسرائيليين، في سبتمبر/أيلول الماضي، حُرم باداتز من سوقه الرئيسي، وأخذت تجارته تعاني أسوأ كساد لها، ويعلق باداتز الذي يقود أيضاً جمعية مربي الماشية الإسرائيليين، على ذلك بالقول: “لا نتذكر أننا مررنا بأزمة كهذه من قبل”.
بعد أن جاء الإعلان عن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للسلام في الشرق الأوسط ليُبعد أي احتمال لقيام دولة فلسطينية أكثر فأكثر، جعل الفلسطينيون من أولوياتهم الوطنية فصل اقتصادهم عن إسرائيل، وتحريره من القبضة المسيطرة بإحكام، والتي أخذت إسرائيل تفرضها بوصفها قوة محتلة لأكثر من نصف قرن.
أطلقت المعركة المتعلقة بتجارة الماشية ولحومها سلسلة من القيود التجارية المتصاعدة على نحو متبادل، لتفضي إلى وقف من الاتجاهين للصادرات الزراعية، وأكبر مواجهة تجارية على الإطلاق بين القوة الإقليمية والاقتصاد الفلسطيني المحدود المعتمد عليها.
الروابط التجارية
يستورد الفلسطينيون منتجات تفوق قيمتها بكثير ما يصدّرونه إلى إسرائيل، وفي تعليق لدافيد بروديت، الذي كان كبير المفاوضين الإسرائيليين في الاتفاقية الاقتصادية التي وقعها الجانبان (اتفاق باريس الاقتصادي بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل في عام 1994) بعد عام من اتفاق أوسلو للسلام في عام 1993، يقول بروديت: “كانت هناك بعض الحوادث من هذا القبيل بين الجانبين في الماضي، لكنها لم تصل في أي وقت لهذا النوع من الصدام”.
سبق الحظرُ على واردات الأبقار كشفَ النقاب عن خطة ترامب للسلام الشهر الماضي، لكن الفلسطينيين كانوا قد ارتابوا بقوة في أن الخطة ستتمسك إلى حد كبير بوجهة النظر الإسرائيلية، ورفضوها بمجرد الكلام عنها، وبعد ذلك رفضوها مرة أخرى بعد أن تأكدت شكوكهم. وتتضمن الخطة السماحَ لإسرائيل بضم 30% من مساحة الضفة الغربية -التي تعد قلب الدولة المأمولة للفلسطينيين- وتمنح إسرائيل السيادة على القدس المتنازع عليها بكاملها.
وقال اشتية لحكومته بعد بدء الحظر: “من حقنا استيراد ما نريد ومن أي مكان نريده، وليس لإسرائيل الحق في إملاء إرادتها الاقتصادية أو السياسية علينا”.
إسرائيل تفرض مزيداً من القيود
في ظل الضجة التي أخذ مربو الماشية مثل باداتز يثيرونها في الأسابيع السابقة للانتخابات الإسرائيلية المقرر عقدها في 2 مارس/آذار، شرعت إسرائيل في منع الواردات الزراعية الفلسطينية هذا الشهر، وهو ما دفع السلطة الفلسطينية بالمقابل إلى حظر استيراد منتجات إسرائيلية، وقالت الحكومة الإسرائيلية إنها سترفع قيودها بمجرد إلغاء الحظر المفروض على استيراد الماشية.
وعمدت المتاجر الفلسطينية التي لديها مخزون من المنتجات الإسرائيلية بالفعل إلى رفع أسعارها استجابة للنقص، ويقول فارس (46 عاماً)، وهو صاحب متجر في بيت لحم طلب عدم نشر اسمه الأخير، منتقداً الحكومة: “إنها لعبة سياسية، ونحن من ندفع ثمنها”.
الفلسطينيون لديهم بالفعل مربو ماشية محليون، كما أنهم يستوردون من المجر والبرتغال وفرنسا وأستراليا.
اقتصاد فلسطيني يعتمد بشدة على إسرائيل
يعتمد الاقتصاد الفلسطيني بشدة على إسرائيل، ولن يكون فك الارتباط سهلاً، إذ تتمتع المنتجات الإسرائيلية التي تُنتج في مناطق السيادة الإسرائيلية والمستوطنات في الضفة الغربية بحرية الوصول إلى السوق الفلسطينية، وذلك على الرغم من الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة لإنتاج واستيراد البدائل، وتشكل المنتجات الإسرائيلية نحو ثلثي السلع التي تستوردها السلطة الفلسطينية التي تتخذ من الضفة الغربية مقراً لها، كما أن نحو 90% من الصادرات الإسرائيلية تذهب إلى إسرائيل، وفقاً لدراسة أجراها “معهد توني بلير للتغيير العالمي”.
كذلك أعاقت القيود الإسرائيلية المفروضة على حركة الشعب الفلسطيني والسلع الفلسطينية تطورَ الاقتصاد الفلسطيني، وتطوير أصحاب الأعمال الفلسطينيين لتجاراتهم، تحت ذرائع أمنية، وزاد على ذلك توفير وظائف ذات رواتب أفضل لعشرات الآلاف من الفلسطينيين، والسماح لهم بالعمل في إسرائيل ومستوطنات الضفة الغربية، وهو ما أسهم في تشكيل عائق اقتصادي بارز آخر أمام الاقتصاد الفلسطيني.
يقول غيث العمري، وهو زميل أقدم في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” ومستشار سابق للمفاوضين الفلسطينيين: “لا أرى أي أدوات يملكها الفلسطينيون لتحمل التبعات العملية والاقتصادية. عند الحديث عن المسائل الاقتصادية نرى تراجعاً كبيراً للفلسطينيين”.
في حين أن بعض المزارع الإسرائيلية، مثل مزرعة بداتز في كفر يهوشع، ستُعاني معاناة شديدة بفعل المقاطعة، فإن الحسابات المالية الإسرائيلية لن تفقد الكثير، إذ تشكل سلع ذات قيمة مضافة منخفضة معظم التجارة مع السلطة الفلسطينية.
ويقول بدر روك، مستشار السياسة الاقتصادية في معهد توني بلير للتغيير العالمي، إن العداء التجاري عمل محفوف بالمخاطر لكلا الجانبين، خاصة عندما أدى الغضب الفلسطيني حيال خطة ترامب للسلام إلى أعمال عنف.
ويضيف روك: “فيما يتعلق بالفلسطينيين لا تشن حرباً تجارية على شريكك الذي تعتمد عليه ما دام ليس لديك بديل، فهذا ليس من الذكاء في شيء. أما الجانب الإسرائيلي فعليه أيضاً ألا يطلق حرباً على الجانب الفلسطيني الآن، بالنظر إلى التوقيت فأنت لا تريد أن تشهد تدهوراً في الوضع الأمني في تلك الظروف”.