في زمن الكورونا.. حزب الله يحقق مكاسب سياسية في ظل تخوفات من “انفجار اجتماعي”
حزب الله أجرى عرض كبرياء هذا الشهر في مدينة صور، فنحو 100 سيارة إسعاف مزودة بأجهزة لمعالجة مرضى كورونا، وحولها طواقم من الأطباء والممرضات والسائقين يرتدون بدلات الوقاية والكمامات، وفي لحظة متفق عليها تم تشغيل الصافرات لجميع سيارات الإسعاف للقول: “نحن هنا”.
أعلن حزب الله قبل بضعة أسابيع بأنه سيضع تحت تصرف الدولة نحو 20 ألف متطوع ومئات الأطباء والممرضات، وسيهتم بالمعدات ومعالجة سكان جنوب لبنان، الذين هم في معظمهم تحت رعاية حزب الله. إذا كان في لبنان جهة مسؤولة تستطيع المساعدة في اجتثاث الوباء، يقول المتحدثون بلسانه، فهي حزب الله “الذراع الدفاعي للبنان في أوقات الحرب وأوقات الأزمات”، وفقا لصحيفة “هآرتس” العبرية.
في المستشفيات الحكومية الخمس 345 سريراً مخصصاً لمرضى كورونا. أما في العيادات والمستشفيات التي تحت سيطرة حزب الله فهماك 150 سريراً. أطباء حكوميين وآخرون مستقلون لا يحصلون على كامل الراتب، في حين يدفع حزب الله لأطبائه بل ويلزم عدداً منهم بالعمل بشكل تطوعي. حزب الله يعتبر كورونا فرصة لجني مزيد من القوة السياسية؛ فعلى رأس وزارة الصحة يقف ممثل لحزب الله، حمد حسن.
إن جني المكاسب السياسية ليس أمراً سهلاً؛ فقبل بضعة أيام على العرض الذي جرى بمدينة صور نظم حزب الله جولة صحافية في عدة مراكز طبية جنوبي لبنان، وشرح فيها ممثل الحزب عبد الله ناصر، استعداد الحزب لمكافحة كورونا، وقال “لا نعمل بدلاً من الحكومة، بل بتنسيق كامل معها من خلال رغبة في تخفيف العبء”.
وثمة تفسيرات مختلفة لمفهوم “تنسيق”؛ فقد كان رئيس الحكومة، حسن ذياب، ينوي القدوم إلى صيدا للإعلان عن منحة كبيرة استهدفت افتتاح المستشفى التركي في المدينة وتجهيزه، وهو المستشفى المتوقف عن العمل منذ عشر سنوات. الاستعدادات استكملت، ولكن أعلن مكتب رئيس الحكومة في اللحظة الأخيرة بأن تم تأجيل الزيارة إلى إشعار آخر. موقع “المدون” المعارض لديه تفسير للتأجيل؛ وحسب مصادر حزب الله، طلب من وزير الصحة أن يدعو لهذا الاحتفال أيضاً ممثلي الحزب كي يأخذوا شرحاً سياسياً في العرض الحكومي. رئيس بلدية صيدا رفض ذلك وأوضح بأن أحداً من الشخصيات السياسية أو ممثلي الأحزاب لم تتم دعوته إلى الاحتفال. ولا حتى عضوة البرلمان بهية الحريري، شقيقة رفيق الحريري رئيس الحكومة الذي اغتيل، ولا محمد سعد، وهما من سكان صيدا المحسوبين على المعارضة لحزب الله. قبل أسبوع من ذلك، كان وزير الصحة نفسه ينوي زيارة المدينة، ولكن رئيس الحكومة طلب منه أن لا يأتي لأنه سبق وخطط زيارتها. ولكن حزب الله ضغط، ثم ألغيت زيارة ذياب. أما الآن فليس واضحاً هل ومتى ستصل المساعدة إلى المستشفى.
حكومة لبنان بحاجة إلى كل مساعدة مهنية ومالية لمكافحة كورونا، وليس هناك خلاف على أن مساهمة حزب الله ضرورية وناجعة، وفي حالات كثيرة يقدم الحزب احتياجات لا تنجح الحكومة في توفيرها. ففي الوقت الذي يعاني فيه لبنان من أزمة اقتصادية صعبة، فلحزب الله مصادر تمويل خاصة، منها المساعدة الدائمة من إيران والتبرعات من مؤيديه في الخارج، التي بواسطتها يمكنه أن يدير ويمول خدمات عامة لمن هم تحت سيطرته.
ولكن هذه المساعدة فقط تؤكد عجز الحكومة اللبنانية. ومؤخراً بدأت تتجدد نشاطات حركات الاحتجاج. هذه الحركات تطالب بتقديم مساعدة مباشرة للعائلات المحتاجة بعد عدم تنفيذ الوعود بإعطاء المحتاجين نحو 133 دولاراً كمنحة لمرة واحدة، وتقديم خطة اقتصادية لإنقاذ الدولة من الأزمة. “نفضل الموت بكورونا على الموت جوعاً”، كتب على لافتات المتظاهرين.
الاضطرابات التي جرت السبت قرب البنوك في طرابلس تدهورت إلى مواجهات عنيفة. في بيروت كانت المظاهرات أمام البنك المركزي وقوات الأمن. وثمة تخوف من استمرار الاحتجاج وإغراق أجزاء أخرى في أرجاء الدولة رغم منع التجمع الذي أعلنته الحكومة. “هذه الحكومة ستقودنا إلى انفجار اجتماعي”… والوزراء يتفننون كل يوم بتحويلنا إلى فقراء”، حذرت ناشطة الاحتجاج في طرابلس، نتالي رشيد، في مقابلة مع موقع “درج”.
ارتفع سعر السلع الأساسية خلال شهر بأكثر من 13 في المئة. سعر الليرة في السوق الحرة انخفض إلى 3000 ليرة للدولار (مقابل السعر الرسمي، 2000 ليرة)، ولدى ووزير الاقتصاد، رؤول نعمة، حل أصيل ومثير للغضب يعرضه على المتظاهرين: “لا تشتروا البيض والدجاج خلال ثلاثة أيام وسترون ماذا سيحدث للأسعار”. ومحافظ البنك المركزي، رياض سلامة، الذي كان الشخصية الأكثر كرهاً في لبنان، وعد بأن لا يكون هناك خطر على أموال المودعين، وأن الجهاز البنكي مستقر. ولكن رابطة البنوك نفسها تتهم البنك المركزي والحكومة بفشل متواصل في إدارة الجهاز المالي بصورة قد تمس باستقرار البنوك.
المفهوم المدهش “قص الشعر” حظي بنسخة عربية، وهو يهدد أصحاب الودائع بأن الحكومة ستقرر أن تقص منها قبل أن تسمح بإعطائها لأصحابها. “الودائع آمنة، ولا ننوي المس بها”، تعهد رئيس الحكومة، “بالنسبة للموعد وطريقة تحريرها، كل شيء سيكون مرتبطاً بالظروف”. ما هي هذه الظروف وماذا ستكون المعايير؟ حتى الآن، لا إجابة. يبدو أن احتجاجاً جماهيرياً جديداً سيخلق “الظروف المناسبة”.