في البحث عن الحقيقة الكردية (2)
ومن الزمان والوجود والنشوء يصل السيد أوجلان إلى مرحلة تكون الوعي الذي هو أساس الوجود، والذي لم يهتم به الكثير من دارسي حقيقة الوجود الكردي. فمن دون دراسة تشكل الوعي لدى الانسان لا يمكن بتاتاً دراسة وجود أي مجتمع انساني كان، لأنه يُعتبر الخطوة الأولى في الولوج في التفكير المجتمعي للوصول إلى حالة الربط الفلسفي ما بين الحاضر الذي هو بنفس الوقت يمثل التاريخ وبدوره يكون المستقبل. حيث يقول: “حالةُ التكوُّنِ والتبايُنِ هي وعيٌ في حالةِ كمون. ولَربما كان الاختلافُ والتباينُ أول خطوةٍ على دربِ الصعودِ والارتقاءِ نحو الوعي. فبمجردِ أنْ ينشَأَ الموجودُ مع الزمانِ ويختلف، يَكُونُ قد خطا أولى خطواتِه باتجاه الوعي. وبقدرِ ما يتواجدُ التكونُ والأشكالُ والهيئات (لجميعِها نفسُ المعنى)، يَكُونُ ثمة وعيٌ بالقدرِ ذاتِه. والوعيُ بمعناه الكونيِّ اختلافٌ وتبايُن، في حين أنّ الوعيَ تصنيفاً هو الحالةُ الكونيةُ العامةُ لجميعِ حالاتِ الوعيِ أثناء التباينِ والتمايُز. لكنّ اللاتناهي في الأشكالِ يعني اللانهايةَ في حالاتِ الوعيِ أيضاً. أي، يختلفُ الوعيُ بقدرِ اختلافِ الشكلِ والهيئة. ومصطلحُ الوعيِ (الروح Tin) لدى هيغل أَسبَقُ من الشكل. أو بالأصح، ثمة وعيٌ من دونِ شكلٍ أو هيئة. هذا ويَبتدئُ هيغل الشكلَ من الطبيعيةِ الفيزيائية، ليرتقيَ به إلى مرتبة الدولةِ. ويسعى الوعيُ عن طريقِ الهيئاتِ المتجسدةِ إلى التحولِ من الحالةِ العشوائيةِ (اللاشكلية) إلى حالةِ الوعيِ لذاتِه. كما ويُثبِتُ الوعيُ حضورَه، ويتعرفُ على ذاتِه في آنٍ معاً من خلالِ الهيئاتِ الفيزيائيةِ والبيولوجيةِ والاجتماعية. والوعيُ لدى الإنسانِ هو الوعيُ الذي باشرَ بمعرفةِ ذاتِه. أما الوعيُ الفلسفيُّ أرقى حالاتِ الوعي، ويَعُودُ أدراجَه إلى أولى حالاتِه كوعيٍ مدركٍ لذاتِه. أي أنه يعودُ وهو مدركٌ ذاتَه، أي كوعيٍ مطلق. وبمقدورِنا تسمية ذلك أيضاً بمغامرةِ الوجودِ والزمان. هذا النمطُ الفكريّ الذي غالباً ما ارتَقَت إليه المجتمعاتُ الشرقيةُ بالعقائدِ الدينيةِ والتصوف، قد طالَه المجتمعُ الغربيُّ عن طريقِ العلمِ والفلسفة”.
البحث عن الحقيقة الكردية لا بدَّ اعطاء المعنى للوجود والوعي المتشكلان في الظاهرة الكردية ومن دون قوة المعنى لا يمكن الوصول إلى حقيقة الوجود المجتمعي للكرد، حيث يقول: ويؤكد السيد أوجلان أنه من خلاما يَهمُّ في موضوعِنا هو توضيحُ العلاقةِ فيما بين النشوءِ والوجودِ والوعي، وإضفاءُ المعنى عليها. وسوف تَغدو هذه المصطلحاتُ الثلاثةُ تنويريةً للغاية، عندما يَكُونُ الكردُ موضوعَ الحديث. فالعملُ على تعريفِ الكردِ وهم في حالةِ الوجودِ والنشوءِ والوعي، يُشَكِّلُ أرضيةَ الفهمِ الجذريِّ للموضوع. كان وجودُ الكردِ مثارَ جدلٍ وسجال، ربما بالنسبةِ إلى أغلبيةِ المجتمعاتِ والدولِ حتى أَجَلٍ قريب. ولكي يُثبتَ الكردُ وجودَهم، عانوا حوادثَ قمعٍ وإنكارٍ وإبادة، وَصَلَت في القرنَين الأخيرَين مستوىً، يَلُوحُ أنّه ما مِن كيانٍ اجتماعيٍّ شَهِدَ مثيلاً له تحت ظلِّ الحداثةِ الرأسمالية، شكلاً كان أم مضموناً أم عُنفاً تعسفياً. كما ومُورِسَت بحقِّهم إباداتٌ ثقافيةٌ وجسدية، وأُقحِمَت شتى أنواعُ العنفِ والوسائلِ الأيديولوجيةِ في الأجندة، بغيةَ الإنكارِ والتشتيتِ جسدياً وثقافياً (ذهنياً) على السواءِ في موطنِهم الأُمّ (كردستان). وبالإمكانِ القولُ أنه لَم تَبقَ آليةُ قمعٍ ونهبٍ وسلبٍ إلا ومارسَتها الحداثةُ الرأسمالية، وصولاً إلى منزلةِ التطهيرِ العرقيِّ والإبادة. من هنا، فالكردايتيةُ ظاهرةٌ لا نظيرَ لها على هذا الصعيد”.