في البحث عن الحقيقة الكردية (1)
كثيرون من علماء وفلاسفة التاريخ والفلسفة حاولوا عبر دراساتهم وبحثهم عن الكثير من الحقائق التي كانت تشكل الغموض والمجهول في قضايا كثيرة تعاش من حولهم، خاصة حينما كان مجال دراستهم تلك كانت تدور عن حقيقة الوجود الكردي ضمن المنطقة التي يعيشون فيها وعليها جغرافياً واجتماعياً وتاريخياً. والملفت للنظر أن معظم تلك البحوث والدراسات التي تمت كانت تعتمد المنظور الاستشراقي إن كانت لباحثين غربيين أو من الكرد والعرب الذين لم يتخلصوا من عقدة التكرار والأحكام المسبقة والدراسة السطحية لمجتمع غائر في الجغرافيا.
ظهر من الباحثين الغربيين مثل مينورسكي يكيتين و ب- ليرخ والمؤرخ التاريخي هيرودوتس والعالم هنري فيلد وغيرهم والعرب مثل ياقوت الحموي والطبري والمسعودي وغيرهم والكرد مثل محمد علي عوني ومحمد أمين زكي والبدليسي أيضاً حاولوا الكتابة في هذا المجال وجانبوا بعضاً من الحقيقة في كتاباتهم تلك، إلا أنَّهم لم يتخلصوا إلى نتائج تشبع النهم والجوع الفكري والإدراك المعرفي والاستيعاب التاريخي في سياق بحوثهم تلك، أو أنَّ البعض منهم نظر للكرد نظرة قوموية ضيقة وأرجع أصولهم للعرب أو الترك أو الفرس.
طبعاً، أي بحث لا يستند إلى التاريخ المجتمعي والشك الفلسفي لن يصل لمبتغاه لتحديد أصل شعب ما. إلا أن السيد عبد الله أوجلان حاول هو أيضاً في معرفة الحقيقة الكردية التي باتت لغزاً يحيّر الكثيرين في معرفة تاريخ هذا الشعب.
أوجلان وفي مجلده الخامس المعنون بـ “مانيفستو الحضارة الديمقراطية – القضية الكردية” عمل على إعادة كتابة التاريخ الكردي من جديد معتمداً على التاريخ الفلسفي والمجتمعي لمقاومة هذا الشعب في البحث عن نشأته وتكوينه. ويمكن اعتبار محاولة قراءة هذا المجلد عمل يستحق الكثير لمعرفة بعضاً من الحقائق عن هذا الشعب، وهذا ما نبتغيه من خلال هذه الكلمات.
السيد أوجلان يبدأ في البحث الفلسفي لمعرفة الحقيقة الكردية ومنها ينطلق نحو إثبات الوجود المجتمعي والاجتماعي للوصول إلى الحقيقة الكردية وما لعبته الثورات التي قام بها الكرد عبر تاريخهم لإثبات كيانهم المجتمعي والوجودي على الأقل. حيث يقول أوجلان في بداية بحثه عن الحقيقة الكردية أنه ينبغي ربط الوجود بالزمان ومنه المكان وهي عناصر لا يمكن فكها عن بعضها البعض بتاتاً. حيث قال: “يُشَكِّلُ الوجودُ والوعيُ قضيةً مِحوَرِيّةً في الفلسفة. ومصطلحُ الوجودِ بالتحديدِ لا ينفكُّ يتصدرُ قائمةَ المصطلحاتِ الفلسفيةِ التي غالباً ما يدورُ الجدلُ والفضولُ حولها. أما المصطلحُ التوأمُ الذي يُلازِمُه، فهو الزمان. وهما لا ينفصلان عن بعضِهما البعضِ أبداً. فكيفما يستحيلُ التفكيرُ بالوجودِ بلا زمان، فالزمانُ أيضاً عدمٌ من دون الوجود. أي أنّ الزمانَ معنيٌّ تماماً بالوجود. والعلاقةُ بينهما متعلقةٌ بالأكثر بمصطلحِ النشوء. فهما يتحققان حتمياً بالنشوء. إنّ الزمانَ يُرغِمُ على النشوءِ متجسداً في الوجود. أو بالأحرى، سَيرورةُ الوجودِ ممكنةٌ بالنشوء. ولدى حديثِنا عن الوجودِ وهو في حالةِ نشوء، يَكُونُ الزمانُ قد وُلِد. إذا كان النشوءُ موجوداً، أي إذا وُجِدَت وردتان مختلفتان في مكانٍ ما على سبيلِ المثال، فهذا معناه أنّ الوجودَ والزمانَ موجودان هناك. وغيابُ النشوءِ يعني انعدامَ الوجودِ والزمانِ في آنٍ معاً. والنشوءُ حالةُ اختلافٍ وتَجَسُّدٍ عَينيٍّ للوجود. وأيُّ وجودٍ ليس في حالةِ نشوء، هو وجودٌ غيرُ موجود، وزمانٌ غيرُ موجود”.