في اتصالات أمنية مكثفة: هل ينتظر نتنياهو “هدية ترامبية” أخرى قبيل الانتخابات؟
يحاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ترتيب هدية سياسية دراماتيكية من جانب الإدارة الأمريكية في الأسابيع التي بقيت حتى يوم الانتخابات للكنيست، بهدف زيادة احتمالاته لتشكيل الحكومة القادمة. في الأسابيع الأخيرة جرت اتصالات مكثفة بين عدد من المستشارين الكبار لنتنياهو وجهات في إدارة ترامب بخصوص بيان نشره الرئيس الأمريكي. ومن شأن ترامب في إطار هذا البيان أن يتعهد بالدفاع عن إسرائيل أمام أي تهديد وجودي مستقبلي عليها. والمحيطون بنتنياهو في المقابل يناقشون تقديم بادرة حسن نية سياسية أخرى من جانب روسيا. ومؤخراً جرى فحص احتمالين: زيارة أخرى للرئيس فلادمير بوتين في البلاد قبل الانتخابات، أو لقاء ثلاثي آخر بين مستشاري الأمن القومي من إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا مثل اللقاء الذي جرى في البلاد في حزيران الماضي.
فكرة البيان الرئاسي الأمريكي ولدت من خلال مبادرة أوسع لبلورة “حلف دفاع” بين إسرائيل وأمريكا، الذي طرح للمرة الأولى في التسعينيات، لكنه لم ينفذ في أي يوم. أحد المعاني الأساسية لحلف الدفاع هو أن الدولتين تتعهدان بمساعدة بعضهما إذا تعرضت إحداهما لمواجهة عسكرية. وفي الأشهر الأخيرة بحث هذه المبادرة مجدداً شخصيات كبيرة إسرائيلية وأمريكية وحظيت بدعم سيناتورات بارزين في الحزب الجمهوري. ولكن التوقيع على اتفاق كهذا بين الدولتين يحتاج إلى أشهر كثيرة من المفاوضات بين وزارة الدفاع الإسرائيلية والبنتاغون ووكالات أخرى في الإدارة الأمريكية. إن احتمالية بلورة حلف دفاع قبل الانتخابات في 17 أيلول ضئيلة جداً.
إلى ذلك، ثمة جهات كبيرة بجهاز الأمن في إسرائيل تعارض الحلف الدفاعي مع الولايات المتحدة خوفاً من أن يقيد هذا الاتفاق الجيش الإسرائيلي مستقلاً أثناء الأزمات الأمنية. وثمة معارضة أيضاً في أوساط رؤساء جهاز الدفاع السابقين، الذين يحظون بحرية إجراء مقابلات والإدلاء بتصريحات في هذا الشأن، الأمر الذي يمكنه أن يقلص المكاسب السياسية لاتفاق كهذا بالنسبة إلى نتنياهو.
بسبب صعوبات في بلورة حلف الدفاع فإن أحد الاحتمالات التي فحصها مستشارو نتنياهو مع الإدارة الأمريكية هو نشر تصريح نوايا قبيل بلورة اتفاق حلف الدفاع، بدون التعهد باستكمال المفاوضات حول الموضوع. بيان كهذا ستكون له أهمية سياسية لرئيس الحكومة، ولو لم تنضج المفاوضات فعلياً بين الجهات المهنية في الطرفين في الأشهر التي ستعقب الانتخابات. في تموز نشر بن كسبيت في “معاريف” بأن نتنياهو معني بالدفع قدماً بمبادرة بهذه الروح مع إدارة ترامب، بعد أن نشرت الحكومة عدداً من القرارات التي ساعدت رئيس الحكومة في الحملة الانتخابية السابقة، بما في ذلك اعتراف أمريكا بهضبة الجولان كجزء من إسرائيل، وإجراء زيارة رسمية أولى لوزير خارجية أمريكي لحائط المبكى.
إحدى الجهات التي تدفع قدماً باحتمالية حلف الدفاع هي المعهد اليهودي لبحوث الأمن القومي (جي.آي.ان.اس.إي)، وهو منظمة تجمع عشرات اليهود من أمريكا الذين خدموا في وظائف أمنية في الولايات المتحدة. هذه المنظمة أجرت، الشهر الماضي، محادثة مشتركة في الموضوع مع السناتور الجمهوري لندسي غراهام، الذي صرح بأنه يؤيد حلف دفاع بين هذه الدول خلال زيارة له في إسرائيل قبل الانتخابات السابقة في آذار 2019. وقال غراهام في المحادثة بأنه بحث الموضوع مباشرة مع الرئيس ترامب، وأن وزارة الخارجية الأمريكية -حسب تقديره أيضاً- تؤيد اتفاق حلف الدفاع، وقال إن “هذه الفكرة ستحظى بتأييد كبير في أوساط الجمهور الإسرائيلي”.
الإدارة الأمريكية تفحص احتمالية أخرى، ملزمة أقل من بيان بشأن اتصالات للتوقيع على اتفاق حلف دفاع. وثمة إعلان عام للرئيس ترامب يقول إن الولايات المتحدة برئاسته ستساعد إسرائيل في أي حالة تهديد وجودي مستقبلي على الدولة. إعلان كهذا لا يجب أن يمر عبر وكالات الإدارة المختلفة، ولا يحتاج إلى أي مصادقة من الكونغرس الأمريكي. صلاحيته القانونية غير واضحة. ولكن من ناحية سياسية يتوقع أن يساعد نتنياهو وترامب أيضاً الذي سيتنافس على ولاية ثانية في تشرين الثاني 2020.
وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، أشار إلى إمكانية كهذه في مقابلة أجراها في الأسبوع الماضي مع المحلل السياسي الجمهوري يو وايت، الذي سأله إذا ما كانت إدارة ترامب ستساعد إسرائيل في حرب مستقبلية، مثل المساعدة التي أغدقتها إدارة نيكسون على حكومة غولدا مئير في حرب يوم الغفران. “دائماً نبحث معهم هذا الموضوع”، أجاب بومبيو، “أنا على قناعة بأن الرئيس ترامب الذي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس وأوضح بأن لإسرائيل حقوقاً في هضبة الجولان، سيصنع ما يجب صنعه من أجل ضمان أمن صديقتنا إسرائيل”.
في الأسبوع الماضي كشفت فجوات في الإدارة الأمريكية بخصوص نشاطات عسكرية لإسرائيل في أرجاء الشرق الأوسط. وفي الوقت الذي منح فيه بومبيو ونائب الرئيس مايك بينس تأييداً علنياً مطلقاً لإسرائيل، فإن وزارة الدفاع والجيش الأمريكي كانوا متحفظين. مصادر رفيعة في البنتاغون قدمت توجيهات لوسائل الإعلام الأمريكية عن أن إسرائيل هي التي تقف من وراء موجة التفجيرات في العراق في الأسابيع الأخيرة. وبعد ذلك، نشرت بيان رسمي للبنتاغون عبّر عن دعمه لسيادة الحكومة العراقية وتعهد بمساعدة العراقيين في تحقيق هذه المسألة.
بعد يوم على البيان الرسمي الذي تربع على العناوين في إسرائيل والولايات المتحدة، وقف وزير الدفاع المؤقت مارك اسبر ورئيس الأركان الأمريكي جوزيف دانفورد بصورة استثنائية من أجل إعطاء توجيه إعلامي مشترك في البنتاغون الذي كررا خلاله هذه الرسائل: “نحن في العراق مجرد ضيوف على الحكومة العراقية”، قال اسبر في تطرقه إلى الخمسة آلاف جندي أمريكي الموجودين في العراق. “بالطبع نحن قلقون من أي شيء يمكن أن يؤثر على قواتنا هناك وعلى شبكة علاقاتنا” قال، وأضاف دانفورد بأن “كل ما نفعله يتم على قاعدة التفاهمات مع الحكومة العراقية”.
الخلاف حول الهجمات المنسوبة إلى إسرائيل في العراق يمكن أن يطفو من جديد إذا جرت اتصالات من أجل التوقيع على حلف الدفاع، ويمكن أن يكون هذا سبباً يوضح مسوغ تفضيل الإدارة الأمريكية بياناً عاماً للرئيس الأمريكي على إجراء مفاوضات من أجل اتفاق مفصل مع إسرائيل.