فيلم Inception أجمل إبداعات هوليوود في هذه الفئة
أمضى كريستوفر نولان 10 سنوات في إبداع فيلم الخيال العلمي Inception، ليتمكن من أن يلج إلى عمق عالم اللاوعي، من أجل تفكيك الذاكرة الإنسانية إلى طبقات.
كما استطاع نولان من خلال الفيلم، أن يجمع بين الخيال العلمي والرياضيات والفن.
وتركَنا جميعاً عالقِين في المنتصف، لا ندري هل تسير الأحداث في عالم الواقع أو عالم الأحلام، فما هي حكاية فيلم Inception؟
أبطال فيلم Inception يسرقون الأفكار من عقول رجال الأعمال
يعمل كوب، الذي جسَّد دوره ليوناردو دي كابريو، في شركة كوبول، لسرقة الأفكار من أذهان الآخرين.
وظيفة كوب هي التسلل بخفة إلى عالم الحلم الخاص برجال الأعمال والتحكم في تلك الأحلام.
في حين أن سايتو، وهو رجل الأعمال الياباني الذي كان كوب مكلفاً سرقة أفكاره، يتمكن من اكتشاف اللعبة، ويطلب من كوب أن يعمل لصالحه.
يطلب سايتو من كوب أن يزرع فكرة في رأس وريث إمبراطورية غريمه المنافس روبرت فيشر، وتتجسد تلك الفكرة في تفكيك إمبراطورية والده.
يُذكر أن عملية زرع الأفكار تختلف كثيراً عن سرقتها، فالثانية لا تتطلب سوى مستوى واحد للحلم.
إذ يتسلل كوب من خلاله ويسرق الفكرة ثم يقتل نفسه ويخرج، والقتل هنا ضروري من أجل العودة لعالم الواقع.
أما زرع الفكرة، فيتطلب 3 مستويات للحلم، ومن أجل تنفيذ عملية زرع الفكرة في رأس فيشر، قام كوب بالاستعانة بفريقٍ من الخبراء يضمُّ:
1: آرثر شريكه القديم، الذي أدى دوره جوزيف غوردون- ليفيت.
2: إيمز، الذي جسده توم هاردي ويوسف -ديليبي راو- وهو كيميائي متخصص.
3: وأريادن، المهندسة المعمارية، التي مثَّلت دورها إلين بيج، والتي كان يتمحور دورها في تصميم عالم الأحلام الخاص بفيشر، الذي يجب أن يأتي على شكل متاهة؛ حتى لا تداهمهم الانعكاسات.
التلاعب البصري في إبداع المتاهات داخل حدود الحلم
استوحى نولان معظم الخدع البصرية في الفيلم من أعمال الرسام الهولندي موريتس كورنيليس إيشر، المعروف باسم ماك إيشر.
واتسمت أعمال إيشر بالمتاهات الرياضية اللانهائية والتركيبات الهندسية المستحيلة وبالتصميمات المعمارية المتناقضة.
ومن خلال الفيلم، يظهر كوب وهو يجلس مع أريادن في أحد مقاهي باريس، طالباً منها أن تصمم عالم الحلم من مخيلتها.
وهنا تقوم أريادن في إبداع بصري مميز بقلب المدينة رأساً على عقب.
كما يستخدم آرثر سلالم بنروز أو السلالم المستحيلة من أجل إخفاء حدود الحلم؛ إذ يظهر السلم كأنه يصعد بشكل لا نهائي، وتلك هي العمارة المتناقضة.
دقة العمل يجب أن تكون متناهية؛ حتى لا يشعر الشخص المخترَق بالخدعة، والمدى الذي يجب أن يكون عليه التصميم المعماري لمستويات الحلم يبدأ من مبنى ويمتد إلى مدينة كاملة.
كريستفور نولان.. لطالما كنت مفتوناً بالزمن
أفلام نولان لا تقدِّم أحداثاً متسلسلة جنباً إلى جنب، ولكنها تقدِّم أحجية أو ألغازاً.
وعادةً ما ترتكز تلك الأحجيات على عنصر الزمن؛ ففي فيلم Momento، ثاني أفلام نولان والذي عُرض عام 2000، بُنيت حبكته على ألعاب الذاكرة.
إذ كان البطل يعاني فقدان الذاكرة وفي الوقت نفسه يطارد قاتل زوجته.
وطوال أحداث الفيلم ينتقل المُخرج بالزمن من الأمام والخلف، ليضع المُشاهد أمام تركيبة كاملة من حيث الصورة والبنية الدرامية المثيرة محكمة التفاصيل.
خلال أحداث فيلم Inception، يأخذ الزمن منحنىً مختلفاً وأكثر تعقيداً؛ فطوال مدة مشاهدة الفيلم سوف يتساءل المشاهد: أين عالم الواقع؟ وأين عالم الأحلام؟
فعندما التقى كوب مع أريادن للمرة الأولى، وطلب منها تصميم متاهة معمارية، وتحدَّث معها مطولاً حول عملية زرع الأفكار بداخل عقل أحدهم.
تبين لنا بعد انتهاء المشهد أنه كان في عالم الأحلام وليس الواقع.
كما تبين أنَّ المحادثة التي دامت مطولاً بين الاثنين لم تأخذ في عالم الأحلام سوى 5 دقائق فقط.
في الدقائق الست الأولى من الفيلم، يحاول نولان أن يعطي المُشاهد ومضةً من المفارقة الزمنية التي تنتظره طوال مدة عرض الفيلم.
إذ يظهر كوب وفريقه في القطار وهما يحاولان سرقة الأفكار من عقل سايتو.
وتجدر الإشارة إلى أن تفويت تلك الدقائق الست سوف تنتهي بالمُشاهد إلى متاهة أخرى من عدم فهم أحداث الفيلم على الإطلاق.
فمن خلال جهاز صغير ينوِّم كوب ضحيته، وينام هو وفريقه، ليدخلوا في حالةٍ من الحلم المشترك.
وفي حين أن كوب وفريقه يعلمون أنهم في حلم، لا يدرك الضحية ذلك الأمر إلا إذا كان هناك خطأ في تصميم المتاهة.
وهو ما حدث بسبب خطأ المهندس المعماري وجعل سايتو يكتشف عملية السرقة، ليعود بعدها ويعمل مع كوب.
الانقلاب على المنطق والجاذبية
تبدأ عملية زرع الفكرة في رأس روبرت فيشر من الطائرة؛ إذ يقوم فريق كوب بحجز جميع مقاعد الدرجة الأولى والسفر مع فيشر إلى مدينة سيدني.
ومنذ بدء الدخول في عالم الأحلام، تتجلى عبقرية الفيلم ونحن ننتقل من مستوى حلم إلى الآخر بمنتهى البراعة والإتقان، لنفقد الاتصال تماماً بالواقع.
عكس عملية سرقة الأفكار التي تتطلّب الموت حتى يمكن العودة لعالم الواقع؛ في عملية زراعة الأفكار تتم العودة عن طريق الرفس أو الركلة أو السقوط من مكان عالٍ.
فعندما تعرّض يوسف لضرب النار من رجال فيشر الذين ظهروا من انعكاسات عقله الباطن، اضطر إلى السقوط بالشاحنة في البحر.
وقد صُوِّر هذا المشهد بتقنية التصوير البطيء، فالوقت الذي قضتْه الشاحنة منذ سقوطها من أعلى الجسر إلى البحر، كان طويلاً في عالم الأحلام، واتّسم بانعدام الجاذبية.
وبما أن آرثر اضطر إلى إيقاظهم حتى يدخلوا في المستوى الثاني من الحلم، وبسبب استحالة السقوط بفعل انعدام الجاذبية، اضطر إلى ربطهم معاً وأدخلهم إلى المصعد.
ومن ثم، قام بتفجيره حتى يحدث السقوط ويستيقظ الفريق دخولاً في المرحلة التالية من الحلم.
فَقَدَ زوجته في الفراغ!
فَقَدَ كوب زوجته «مال» بسقوطها في الفراغ أو مساحة العقل الباطن غير المصقول، فكوب وزوجته كانا مولعين بفكرة الأحلام والعيش بداخلها وترك الواقع تماماً.
وفي حين أراد كوب العودة إلى العالم الحقيقي لم تُرد مال ذلك، وانسحقت في مراحل عميقة من الأحلام وأرادت أن يصاحبها كوب.
ولأن مال وصلت إلى المستوى الثالث من الأحلام، حيث لم يعد بإمكانها العودة بمجرد القتل، فعندما حاولت قتل نفسها لم تعد إلى الواقع، وإنما سقطت في الفراغ اللانهائي.
والفراغ اللانهائي هو المساحة التي جذبت كوب وفريقه إليها بمنتهى الذكاء؛ ولهذا حاولت إفساد عمليته؛ حتى لا يمكنه العودة ويظل بجانبها.
وحتى تغلق مال كل الأبواب في وجه كوب، فقد كتبت خطاباً إلى محاميها، تذكر فيه أن كوب حاول قتلها.
وعليه بعد اختفاء «مال» في الفراغ اللانهائي، اتهم كوب بقتلها واضطر إلى أن يعيش حياته هارباً.
واستمر هذا الأمر إلى أن وعده سايتو بأن يُسقط عنه كل التهم القانونية الموجهة ضده، وأن يعيده إلى بيته وأطفاله مقابل زرع الفكرة برأس فيشر.
وهو الأمر الذي لن نتأكد حتى آخر لقطات الفيلم، أنه حدث في عالم الواقع.
موسيقى هانز زيمر، والانتقال بالمُشاهد لحالات الخوف والوحدة
استخدم فيلم Inception الموسيقى تقريباً طوال أحداث الفيلم؛ إذ لا يوجد مشهدٌ واحد دون موسيقى تصويرية.
وقد أضافت موسيقى هانز زيمر إحساساً ثابتاً بالفيلم والذي من دون موسيقاه، كان سيفتقر الفيلم إلى عنصر التشويق والتفاعل مع حالة الأبطال.
يُذكر أن الفيلم لا يحتوي على مقطوعات موسيقية مطوّلة؛ فكل مشهد لديه نوعٌ مختلف من الموسيقى التصويرية تختلف حسب سرد الأحداث.
فتارةً تكون الموسيقى ناعمة أو بطيئة، وتارة أخرى تكون سريعة وصاخبة.
وفي المشهد الافتتاحي للفيلم، كان هناك موسيقى صاخبة ومخيفة، ولكن بمجرد اقتراب المشهد إلى الأمواج على الشاطئ، تصبح الموسيقى أكثر ليونة، .
مشهدٌ آخر تُستخدم فيه الموسيقى ببراعة شديدة، حين يظهر كوب ومال لأول مرة، وهما يتحدثان بعضهما إلى بعض على شرفة السفينة في عالم الأحلام.
ورغم أن المُشاهد لم يكن يعلم بعدُ علاقة كوب بمال، فإن موسيقى زيمر التصويرية وضَّحت للمشاهدين مع لحن رومانسي بطيء وحزين، أن هذين الشخصين كانت تربطهما قصة حب، وأنهما أيضاً لم يعودا معاً.
فيلم Inception حصد أكثر من 30 جائزة، من بينها 4 جوائز أوسكار؛ هي:
أوسكار أفضل تصوير سينمائي، وأوسكار أفضل تأثيرات بصرية، وأوسكار أفضل خلط أصوات، وأوسكار لأفضل مونتاج صوتي.
كما رُشح الفيلم لأكثر من 60 جائزة أخرى، وحقق إيرادات تعدت 823 مليون دولار مقابل تكاليف إنتاج قُدرت بـ160 مليون دولار.