فوز أردوغان العابر للحدود سيجعله متحكماً في المشهد التركي لسنوات وربما لعقود مقبلة
ألقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خطاباً أمام آلاف المؤيدين له في أنقرة بعد إعلان فوزه في الانتخابات الرئاسية التركية، وقال إن الديمقراطية هي التي انتصرت وأن تركيا « مثالٌ يحتذي به باقي العالم ».
ألقى أردوغان خطابه من شرفة مقر حزب العدالة والتنمية في أنقرة على حشد كبير من المؤيدين الذين كانوا يهتفون ويلوحون بالأعلام وقال: « تلقينا الرسالة التي أرسلت إلينا عبر صناديق الاقتراع، وسنقاتل أكثر بفضل القوة التي منحتمونا إياها عن طريق هذه الانتخابات ».
وبحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية أشارت في تقرير لها إلى أن أردوغان بدأ خطابه بالاعتذار على تأخره عن إلقاء الخطاب من الشرفة، وأوضح أن السبب وراء ذلك يرجع إلى إصابة طفل صغير وسط الجموع في إسطنبول حيث كان يتحدث إلى الشعب قبل خطابه هنا واضطر للذهاب للتحدث مع عائلة الطفل.
تعهد بمكافحة الإرهاب
تحدث أردوغان عن التزامه بـ »محاربة المنظمات الإرهابية »، و »الصمود في القتال من أجل تحقيق حرية أكبر للأراضي السورية » وزيادة « المكانة الدولية » لتركيا، وقال: « تركيا لا تملك أي لحظة لتهدرها، ونحن نعلم ذلك ».
وقال: « سيلوح علمنا بحرية أكبر، وسينعم كل مواطن بالسلام »، وذلك قبل أن يقود الحشد في هتاف: « أمة واحدة ، علم واحد، بلد واحد، دولة واحدة ».
وقال أردوغان مساء الأحد 23 يونيو مع أن صناديق الاقتراع كانت لا تزال قيد الفرز: « حمّلنا الشعب مسؤولية المهام الرئاسية والتنفيذية. أتمنى ألا يقضي أحدهم على الديمقراطية بالتشكيك بهذه الانتخابات ونتائجها ليواري فشله ».
وأعلن محرم إينجه المرشح الخاسر أمام رجب طيب أردوغان تقبله الهزيمة، لكنه حض الرئيس التركي على أن يكون رئيساً لجميع الأتراك.
أفادت وكالة الأناضول الرسمية أنه من مجمل 99% من الأصوات التي جرى فرزها، فاز أردوغان بنسبة 52.54% من الأصوات، في حين أن مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض، محرم إينجه، حصل على 30.68%.
حصل مرشح الحزب الموالي للأكراد، المعروف باسم حزب الشعوب الديمقراطي، على 11.67% من الأصوات، متجاوزاً بذلك عتبة الـ10% اللازمة لدخول البرلمان لفترة ثانية على التوالي. أدى ذلك إلى إضعاف الأغلبية المؤيدة لحزب أردوغان الحاكم، حزب العدالة والتنمية، ولكنه لم يحقق الأرقام المطلوبة لإسقاط تلك الأغلبية خاصة بعد النتائج المفاجئة للحلفاء الوطنيين لحزب العدالة والتنمية.
كتب نائب رئيس وزراء تركيا، محمد شيمشك، في حسابه على تويتر عن النتائج: « يمهد هذا الطريق من أجل تعجيل سير الإصلاحات ».
سلطات جديدة بيد أردوغان الآن
من المقرر أن يتولى الفائز بالسباق الرئاسي سلطات جديدة غريبة بالكاد جرت الموافقة عليها في استفتاء أجري عام 2017 شابته مزاعم بالاحتيال. تشمل تلك السلطات السيطرة التامة على مجلس الوزراء والتمتع بسلطة تعيين كبار القضاة والمسؤولين، بما في ذلك نواب الرئيس غير المنتخبين. إضافة إلى أن الرئيس ستكون له سلطة إصدار تشريعات يتم التعامل معها مثل القوانين.
ستمكن تلك السلطات الفائز من تغيير المشهد السياسي التركي لسنوات وربما لعقود مقبلة، إذ سيبقى في الرئاسة حتى عام 2028 إذا فاز في الانتخابات مرة أخرى. بينما تعهد مرشحو المعارضة بإلغاء النظام الرئاسي في حال فوزهم.
وكان أردوغان قد دعا في وقت سابق لإقامة انتخابات مبكرة على أمل استباق تفاقم الأزمة الاقتصادية وأن يتمكن من مباغتة المعارضة. بدا أنه أحرز الفوز في السباق الرئاسي بسهولة والبرلمان أيضاً عن طريق التحالف مع الوطنيين، إذ برز في صورة القائد الأعلى الذي يحارب الأعداء الخارجيين من داخل تركيا وعبر الحدود في سوريا، والمنتصر على الجماعات الإرهابية.
حملة قوية للمعارضة
لكن المعارضة قادت حملة انتخابية قوية قام فيها مرشحها الرئاسي بجذب حشود من مئات الآلاف في مسيرات داخل أكبر مدن البلاد، مثل إسطنبول وإزمير وأنقرة، قاطعاً البلاد ذهاباً وإياباً بعشرات من المسيرات.
وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات نسبة استثنائية وصلت إلى 87% من الناخبين، مُتجاوِزةً بذلك نسبة المشاركة في استفتاء العام الماضي.
وتحدَّث مسؤولو المعارضة عن مخالفات بمجرد بدء ورود النتائج، فأعلنت وكالة الأناضول التي تديرها الدولة النتائج الأولية قبل أكثر من ساعتين من المتوقع، وكشفت تفوقاً كبيراً لأردوغان وتحالفه الحزبي في البرلمان على حد وصف الغارديان.
تراجع هامش التفوق مع الوقت، لكنَّ ذلك أدَّى إلى اتهامات من جانب المعارضة بأنَّ الوكالة الإخبارية التابعة للدولة كانت تقوم بعملية تلاعب للتأثير على مراقبي الانتخابات كي يغادروا مراكز فرز الأصوات مبكراً.
وطيلة معظم فترة عملية الفرز، نُشِرَت تقديرات متنافِسة لعدد الأصوات من كلٍ من المعارضة والوكالة التي تديرها الدولة، أظهرت تقديرات المعارضة فوز أردوغان بأقل من 50% من الأصوات، فيما أظهرت تقديرات الوكالة فوزاً صريحاً من الجولة الأولى.
كان يمكن للنتيجة الأولى أن تؤدي إلى جولة ثانية تُعقد في الثامن من يوليو/تموز، وهو احتمال كان سيشكل ضربة نفسية لأردوغان، حتى إذا كان أقرب إلى الفوز في تلك الجولة أيضاً.
وقبل أن يعترف المرشح المعارض بفوز أردوغان كان حزبه ذو التوجه العلماني، وهو حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه إينجه، قد بدأ في الطعن بعملية إحصاء الأصوات، وتوجيه اتهامات بأن أقل من 40% من صناديق الاقتراع قد فُتحت، وأن عديداً من الدوائر الانتخابية لإينجه لم تُحص بعد.
ونصح إينجه المراقبين على عملية إحصاء الأصوات بأن يبقوا في لجانهم الانتخابية حتى إتمامها كي يقفوا حائلاً ضد أي غش انتخابي.
ومع ذلك، استقبل أردوغان التهاني لفوزه في السباق الانتخابي من زعيم المجر القوي فيكتور أوربان.
وتقول الصحيفة البريطانية إن أردوغان تعرض إبان حملته الانتخابية لجملة من الانتقادات بزعم أن الانتخابات تجري في جو غير متكافئ، فأحد المرشحين الرئاسيين، وهو صلاح الدين ديميرتاش، يقود حملته الانتخابية من زنزانته في أدرنة، حيث يُحاكم بتهم تتعلق بالإرهاب.
واعتُقل آلاف الأشخاص أو صُرفوا من وظائفهم منذ محاولة الانقلاب التي وقعت في 2016، ضمن حملة أمنية طالت أتباع فتح الله غولن، المتهم بتدبير الانقلاب من منفاه في بنسلفانيا.