فورين بوليسي: مصر لاعب قوي بين دول الشرق والغرب الأقوياء منذ عهد عبدالناصر إلي السيسي
قالت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية،ان القاهرة لاعب قديم مع دول الشرق والغرب وتسعي لتحقيق الفوز منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مؤسس الحرب الباردة الذي لم يمانع من لعب الكرة مع الدول القوية.
وفي عام 1955 تعب عبد الناصر من تسديد الكرات لواشنطن وتعليق صفقات الأسلحة، وتسبب في صدمة للغرب عندما اتجهت مصر للاتحاد السوفيتي، لشراء المعدات العسكرية عبر تشيكوسلوفاكيا ، وإشعال مخاوف من سباق تسلح في الشرق الأوسط.
مبادرات دبلوماسية للوصول لأفضل الصفقات
وأشارت المجلة إلي ان بعد 6 عقود تبحث القاهرة عن أفضل صفقة سياسية يمكن أن تحصل عليها مرة أخرى ، فتقوم بمبادرات دبلوماسية لموسكو وبكين مع الحفاظ على مؤيديها الأمريكيين والخليجيين المهمين.
وترى المجلة الأمريكية أنه كما حدث في عهد عبد الناصر، أصبحت القيادة المصرية محبطة من الولايات المتحدة، إذ رغم تحسن العلاقات بين الرئيس عبدالفتاح السيسي والرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وزيارة السيسي الرسمية إلى البيت الأبيض، إلا أن استراتيجية الإدارة الأمريكية طويلة المدى بشأن مصر لا تزال غير واضحة.
بناء علاقات جديدة مع روسيا والصين
وأوضحت المجلة أن هذه التوترات أثارت بداية جديدة للعلاقات مع كل من روسيا والصين وتمكن السيسي الخروج من مأزق أوباما من خلال اتفاقه مع روسيا للتعاون العسكري وصفقات الأسلحة التي عقدتها القاهرة مع موسكو علي نطاقا واسع، وتدفقت الأموال الصينية بشكل متزايد علي الاقتصاد المصري، مما يشير إلى أن الشراكة الاستراتيجية الشاملة المتفق عليها بين الدول في عام 2014 يمكن أن تطور الآن بشكل حقيقي.
ولقد طورت العلاقات المصرية الروسية التعاون العسكري بين البلدين واصبحت اقوي تحت عهد السيسي، وتجري تدريبات بحرية وعسكرية مشتركة بين القاهرة وموسكو منذ عام 2015، وفي اواخر عام 2017 تفاوضا البلدين علي اتفاقية للاستخدام المتبادل لقواعد القوات الجوية لكل منهما.
وكان السيسي أيضا مصدر ترحيب للدعم العربي لمآثر الرئيس فلاديمير بوتين لسياسته الخارجية في منطقة الشرق الأوسط، وأعطت القاهرة غطاء دبلوماسيا لدعم روسيا للرئيس بشار الأسد في سوريا، كما أنها زودت قاعدة للقوات الروسية من أجل تعزيز الزعيم المتمرد المناهض للاسلاميين خليفة حفتر في ليبيا.
السيسي أكد استقلالية مصر في قراراتها
وفي بعض الأحيان، عبر السيسي عن استقلالية مصر في اتخاذ القرارات المخالفة لموقف حلفائه، وأغضبت المملكة العربية السعودية من مصر في اكتوبر عام 2016 عندما صوتت لصالح مشروع قرار مجلس الأمن حول سوريا الذي صاغته موسكو وعارضته الرياض. وفي شهر مايو من هذا العام ، أشاد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بمصر لرفضها طلبًا أمريكيًا بنشر جنود في سوريا.
الكرملين ملء فراغ واشنطن
وأوضحت المجلة أن نمو العلاقات المصرية الروسية، أدي إلي عقد سلسلة من صفقات الأسلحة الروسية في ظل تردد الولايات المتحدة في تقديم المساعدات العسكرية لمصر مما سمح للكرملين في ملء هذا الفراغ، ووقعت روسيا صفقة بـ3.5 مليار دولار مع مصر عام 2014 وقدمت معدات عسكرية لمصر في العام الماضي بأكثر من مليار دولار.
نمو العلاقات الاقتصادية والعسكرية
وبجانب نمو العلاقات العسكرية، نمت العلاقات الاقتصادية وتعهدت روسيا ومصر بتطوير المنطقة الصناعية الروسية في قناة السويس، وخلال زيارة بوتين إلى القاهرة العام الماضي ، وافقت روسيا على تمويل مشروع إنشاء محطة طاقة نووية بتكلفة 21 مليار دولار بالقرب من العلمين والإشراف عليها، ولايزال المشروع في مرحلة مبكرة للغاية ، لكن الحكومة المصرية تتوقع أن يبدأ تشغيل المرفق من عام 2026.
الصين منقذ اقتصادي لمصر
وترى المجلة الأمريكية أنه رغم هذه المشاريع الكبرى، فإن الموارد المالية الروسية المتوترة تحد من قدرتها على التأثير الاقتصادي الحاسم في مصر، ولذلك فلا توجد سوى دولة واحدة بعيدة كل البعد عن الانهيار وهي الصين، التي تفوق روسيا في أهميتها الاقتصادية لمصر، وتعد بمثابة المنقذ وطوق النجاة للاقتصاد المصري.
ووفقا للمجلة، كانت بكين أكبر شريك تجاري للقاهرة منذ عام 2012، إذ قدمت 13% من إجمالي قيمة الواردات في العام الماضي وحده، أي ما يعادل تقريبا ضعف نظيرتها في ألمانيا، وهي المصدر الأعلى التالي لمصر.
واستفادت مصر من موقعها الاستراتيجي كحافز رئيسي لتوثيق العلاقات الصينية بشكل أكبر.
وقال الخبير في العلاقات الصينية-الشرق أوسطية في جامعة كولومبيا، جون تشن: “قناة السويس هي التي تجعل مصر استثنائية للصين”.
وتقع قناة السويس في قلب طريق الحرير البحري، وهو دعامة مبادرة الحزام والطريق التي يتبناها الرئيس الصيني شي جينبينج، وبدأت المبادرة في الأصل كمشروع اتصال أوروبي آسيوي قبل أن تتحول إلى مصطلح شامل لكل سياسة الصين الخارجية تقريبًا.
بيد أن فكرة طريق الحرير البحري الأصلي ركزت تحديدًا على طرق الشحن بين أوروبا والصين.
وصرح مسؤول مصري لوكالة أنباء الصين الجديدة “شينخوا” العام الماضي بأن الصين هي أكبر مستثمر حالي في قناة السويس، في حين تطور مجموعة تيدا الصينية منطقة اقتصادية خاصة في المنطقة.
الصين من أهم الدول التي تقيم مشاريع ضخمة في مصر
ووفقا للمجلة، بدأت الصين بضخ العملة الأجنبية في الاقتصاد المصري، وفي عام 2016 كانت الصين في المركز 23 من حيث ترتيبها في قائمة الدول الأكثر أهمية في الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر منذ عام 1970، ولكن تغير هذا الاتجاه فجأة، إذ أن الأموال الصينية تغذي الآن مجموعة كبيرة من المشاريع الضخمة في مصر.
خطة إدارة السيسي الطموحة
ومن بين هذه المبادرات، العاصمة الإدارية الجديدة، والتي وصفتها “فورين بوليسي” بأنها خطة إدارة السيسي الطموحة لنقل المركز السياسي للبلاد شرق القاهرة، ووافقت البنوك الصينية على إقراض الغالبية العظمى من مبلغ 3 مليارات دولار المطلوبة لبناء منطقة الأعمال المركزية في العاصمة، ومن المتوقع أن تضخ شركة تطوير الصين “فورتشن لاند” المدرجة في شانجهاي استثمارات بقيمة 20 مليار دولار إضافية في المدينة.
وخارج العاصمة الجديدة، خصصت الصين مليارات الدولارات لمشاريع حكومية مصرية مختلفة، بما في ذلك تجديد صناعة النسيج وبناء نظام سكك حديدية خفيفة للقاهرة.
وتوضح المجلة أنه رغم النفوذ المالي، من غير المرجح أن تحل الصين مكان الولايات المتحدة في مصر، إذ لا تزال القاهرة في الوقت الحالي تحافظ على علاقة جيدة بالولايات المتحدة من خلال الالتزام بمكافحة الإرهاب.
وتابعت بأنه في يوليو من هذا العام، أفرجت الولايات المتحدة عن 195 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر، وقال مصدر في وزارة الخارجية لرويترز إن دعم العلاقات الأمنية الثنائية ساعد على اتخاذ هذه الخطوة.
المسؤولين المصريين مؤهلين جيدا للأدورا الدبلوماسية
وترى المجلة أن المسؤولين المصريين مؤهلين بشكل بارز للعب أدوار دبلوماسية مختلفة، ويوازنون بعناية بين المتنافسين في كثير من الأحيان لتحقيق مكاسب قصوى، ومثلما فعل عبد الناصر عندما نجح في الحفاظ على علاقات متوازنة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي القوتين العظميين اللتين كانتا في حرب باردة، وصف السيسي هدفه الشامل في السياسة الخارجية بأنه “ترسيخ العلاقات بين القاهرة والقوى العالمية مع الحفاظ على عملية صنع القرار المصرية المستقلة”.