فورين بوليسي: لا مفرَّ لأمريكا من بقائها في الشرق الأوسط
يبدو أن العلاقات الأمريكية المتشابكة بمنطقة الشرق الأوسط جعلت تفكير واشنطن في الخروج منها أمراً صعباً، لا سيما بعد التطورات الأخيرة حول احتمالية نشوب حرب بين إيران وأمريكا، بسبب تهديدات طهران بإغلاق مضيق هرمز.
وبحسب تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الأمريكية، فمنذ ما يقارب 16 شهراً مضت، أطلق جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي حينها، عملية تصحيح مسار للوزارة (البنتاجون). فبعد 17 عاماً من الحرب في الشرق الأوسط، سيصبح تنافس القوة العظمى مع روسيا والصين هو الأولوية، وليست الحرب على الإرهاب.
لكن هذا الأسبوع، أمر البيت الأبيض مجموعة حاملة طائرات هجومية تعمل بالبحر المتوسط وقوة مهام من القاذفات، بالانتقال إلى منطقة القيادة المركزية الأمريكية، في استعراض صارخ للقوة، مصمَّم لمواجهة ما وصفه باتريك شاناهان، القائم بأعمال وزير الدفاع، بأنه «تهديد ذو مصداقية» من إيران بمهاجمة القوات الأمريكية.
بعد أيام، ألغى وزير الخارجية، مايك بومبيو، رحلة مقررة إلى ألمانيا، ليجري زيارة غير مجدولة للعراق، لمناقشة التوترات مع طهران. الآن، يُقال إن الولايات المتحدة تفكر في إرسال طائرات هجومية إضافية، وإعادة بعض بطاريات صواريخ باتريوت إلى المنطقة.
إيران هي التحدي الكبير لواشنطن
تعكس الحركة الاستثنائية للقوات الأمريكية، التي أعلن عنها جون بولتون، مستشار الأمن القومي، أحد صقور الموقف الأمريكي من إيران، التحديَ الذي يواجهه البنتاغون في تحويل التركيز إلى الاستعداد للحرب القادمة، في حين لا يزال غارقاً في القتال الحالي.
وقالت بيكا واسر، محللة السياسات في مؤسسة راند: «على الرغم من كل محاولات الإدارة الأمريكية للتقليل من الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط، توضح الخطوة الأخيرة مدى صعوبة تخلي الولايات المتحدة عن المنطقة، وتحرير الموارد، للتركيز على روسيا والصين».
وقد أحبط التركيز المستمر على إيران، رغم أن المحور الأساسي المعلن لوزارة الدفاع هو روسيا والصين، عديداً من المراقبين والمسؤولين السابقين. وأشارت واسر إلى أن وزارة الدفاع تصنف إيران باعتبارها تهديداً من الدرجة الرابعة في استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018، وهي أحدث وثيقة إرشادية للبنتاجون.
وقال مسؤول سابق في وزارة الدفاع: «إنه هذا العالم الموازي، حيث تُمثل إيران تهديداً مماثلاً (لروسيا والصين)»، مضيفاً: «إنهم يعبثون في الشرق الأوسط وفي كل مكان، لكنهم يستغلون طاقتهم في المسار الخاطئ بدلاً من توجيهها إلى الصراع الحقيقي».
وأعرب المسؤول السابق عن أمله في أنه بمجرد تأكيد تولي شاناهان منصب وزير الدفاع بصورة دائمة، فإن التوازن سوف يتحول مرة أخرى إلى منافسة القوى الكبرى، بحسب المجلة الأمريكية.
تفاصيل نشر القوات الأمريكية تسربت!
تسربت تفاصيل نشر القوات الأمريكية، بشكل متقطع، من البنتاجون هذا الأسبوع. وأصدر شاناهان، الذي قال في يومه الثاني بمنصبه في يناير 2019، إن الصين على رأس أولوياته، أخيراً، بياناً بشأن هذا التحرك، بعد يومٍ كاملٍ تقريباً من إعلان البيت الأبيض عنه أولاً.
وقال شاناهان: “نطالب النظام الإيراني بوقف كل الاستفزازات»، مضيفاً: «نحمّل النظام الإيراني مسؤولية أي هجوم على القوات الأمريكية أو مصالحنا».
صدر القرار عن الجنرال كينيث ماكنزي، القائد الجديد للقيادة المركزية الأمريكية، لكنه ترك للبيت الأبيض الإعلان عنه، وفقاً لمسؤول بوزارة الدفاع. طلب ماكنزي قوات إضافية في المنطقة عقب «مؤشرات حديثة وواضحة على أن القوات الإيرانية ووكلاءها كانوا يستعدون لمهاجمة القوات الأمريكية»، وفقاً لما قاله النقيب بيل أوربان المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية.
وقال شاناهان للمشرعين، خلال جلسة استماع يوم الأربعاء 8 مايو 2019، إن البنتاغون تلقى مؤشرات من «معلومات استخباراتية موثوق بها للغاية» عصر يوم الجمعة 3 مايو 2019. ومع ذلك، لم تُقدم الإدارة بعدُ تفاصيل عن تلك المعلومات الاستخباراتية أو من أين أتت.
الورقة غير المتوقعة في التصعيد بين طهران وواشنطن
وبحسب المجلة الأمريكية، كان ماكنزي ورقة غير متوقعة في تصعيد التوتر الأخير بين واشنطن وطهران. تولى زمام المسؤولية بالمنطقة الأشد اضطراباً في العالم خلفاً للجنرال جوزيف فوتيل في مارس، بعد أن شغل منصب رئيس الأركان المشتركة في البنتاغون تحت الوزير ماتيس منذ عام 2017.
لكن ماكنزي أوضح وجهة نظره الأربعاء 8 مايو 2019، خلال خطاب ألقاه في واشنطن، كاشفاً عن موقف متشدد بشأن طهران. لقد كرس قرابة نصف الخطاب، الذي دام 30 دقيقة، لإطلاق تحذيرات من إيران ومن نشاط إيران «الخبيث» وطموحها في أنحاء العالم، مشيراً إلى أن طهران مسؤولة عن مقتل أكثر من 600 من أفراد الخدمة الأمريكية بالعراق، ومُصدراً تحذيراً صريحاً للنظام.
وقال ماكنزي عن نشر القوات: «بينما لا نسعى إلى الحرب، يجب على إيران ألا تخلط بين نهجنا المتعمد وعدم استعدادنا للتحرك».
البعض عبروا عن شكوكهم في أن بيان بولتون كان أكثر من مجرد لفتة رمزية، وأشاروا إلى أن حاملة الطائرات «يو إس إس أبراهام لينكولن» قد شرعت بالفعل في عملية انتشار مجدولة بالبحر المتوسط، ومخطط لها في النهاية أن تتوجه إلى القيادة المركزية الأمريكية.
لكن البنتاغون عجّل بوصول حاملة الطائرات، متخطِّياً زيارة مخططة لميناء سبليت في كرواتيا، لينهي «غياب حاملات الطائرات» غير العادي، عندما لم تكن هناك أي حاملة طائرات للولايات المتحدة موجودة بالخليج.
ويُعتبر نشر قوة مهام القاذفات أيضاً خطوة مهمة. على الرغم من أن القاذفات تجوب عادةً بسهولة داخل المنطقة وخارجها، فإنَّ سرب B-1 المتمركز في قاعدة العديد الجوية بقطر، غادر في مارس 2019 ولم يُستبدل بعد، وهو تحوُّل غير عادي نسبه كثيرون إلى هزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) على أراضيه.
وأكد مسؤول ثانٍ بوزارة الدفاع أنَّ نشر القوات، التي ستتألف من أربع طائرات تنطلق من قاعدة باركسديل الجوية في لويزيانا، لم يكن مخططاً له من قبل.
«استعراض للقوة غير مبرر»
وبحسب المجلة الأمريكية، فإنه خارج إيران، قال هانز كريستنسن، مدير مشروع المعلومات النووية في اتحاد العلماء الأمريكيين، إنَّ نشر فرقة المهام يُمثل إشارة إلى روسيا والصين حول القدرات الهجومية لقوة القاذفات الأمريكية. ومع ذلك، أضاف: «من الواضح أن هذا أمر مبالَغ فيه، واستعراض قوة سببه هوس الإدارة بإيران».
في مقال نُشر حديثاً بمجلة Foreign Policy الأمريكية، أكد إلبريدج كولبي، الذي شغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع للشؤون الاستراتيجية وتطوير القوات عامي 2017 و2018، أن الاستعداد لحرب مع روسيا أو الصين لا يعني تجاهل التهديدات الأخرى لمصالح أمريكا، بل إنه يعني فقط أنه ينبغي للولايات المتحدة تحديد الكَمّ الأمثل من القدرات لمواجهة كل من تلك التهديدات بفاعلية.
وكتب كولبي: «على الولايات المتحدة متابعة تطلعات إيران نحو الهيمنة الإقليمية، لكن ليس عليها الإطاحة بالجمهورية الإسلامية»، مضيفاً: «لا تحتاج الولايات المتحدة طائرات من طراز F-22 لمهاجمة ملاذات الإرهاب، أو كتائب قتالية بأكملها لتقديم المشورة لجيوش الشرق الأوسط، الطائرات من دون طيارٍ الأرخص ووحدات تقديم المشورة والمساعدة يمكنها الاضطلاع بهذا».
بناءً على هذا المنطق، قد يكون إرسال مجموعة هجومية كاملة لحاملة طائرات وقوة مهام القاذفات للرد على تهديد لم تكشف عنه إيران، خاصةً عندما تكون القوات الأمريكية في المنطقة تواجه استفزازاً متكرراً من النظام ووكلائه، قد يكون مبالغاً فيه.
وشدد ماكنزي على أن نشر القوات مثال على ما يسميه الجيش «التوظيف الدينامي للقوة»، ويعني قوة تتسم بالمرونة الكافية للاستجابة السريعة لأي طارئ في جميع أنحاء العالم. «يرسل هذا إشارات إلى حلفائنا وخصومنا بأن الولايات المتحدة يمكنها إبراز القوة حيثما نحتاج إليها».
لكن في نهاية المطاف، يعكس إعلان بولتون غير المتوقع نكسة لمحور منافسة القوى الكبرى، على حد تعبير واسر.
وقالت: «إنه يقوّض في نهاية المطاف الأولويات الرئيسية لوزارة الدفاع في استراتيجية الدفاع الوطني -روسيا والصين- بالمخطط العام، إذ إن الموارد والاهتمام مُعرقلة في الشرق الأوسط».