فورين بوليسي: سفاح نيوزيلندا وسفاح النرويج نتاج الشبكات المظلمة على الإنترنت
“الشبكة المظلمة التي ساعدت سفاح كرايست تشيرتش”، عنوان مقال مطول للباحث في مركز دراسات التطرف بجامعة أوسلو جاكوب أسلاند رافندال بمجلة “فورين بوليسي” قال فيه إن سفاح نيوزيلندا تأثر بسفاح النرويج أندريس بريفك إلا أن القاتل الحقيقي يترصد في الإنترنت.
وقال إن الهجمات الإرهابية التي نفذت في العقود الماضية نفذتها ذئاب متوحدة وخلايا صغيرة. والسبب واضح، فبناء جناح عسكري إرهابي لجماعة يمين متطرفة غير ممكن في أوروبا بسبب الرقابة الأمنية وغياب الدعم الخارجي وعدم توفر الملاجئ الآمنة.
وكمثال واضح هو فشل حركة اليمين المتطرف البريطانية “ناشونال أكشن” التي اعتقل أفرادها وحكم عليهم بالسجن بسبب التحضير لهجوم. وهو ما ترك جماعات اليمين المتطرف أمام خيارين: العمل بشكل علني وتجنب التصرفات غير القانونية أو العمل السري. ومن هنا فالطريقة المثلى لفهم الحركات المتطرفة هو البحث عنها في مواقع الإنترنت السرية والتي أصبحت الساحة المعاصرة للمتطرفين من كل الألوان بمن فيهم القاتل المنفذ للهجومين في نيوزيلندا حيث أعلن عن هجومه مقدمًا ونقله عبر الفيسبوك.
ويتساءل الكاتب إن كانت الحركة التي تضم ناشطين يعملون تحت الأرض ويستخدمون وسائل اتصال مشفرة واسعة وذات اتصالات عابرة للحدود القومية أم أنها محصورة في المكان الذي تعمل فيه؟ ولا أحد يعرف بالضبط الجواب، إلا أن النظرة إلى هجمات أخرى تقترح وجود تعاون عابر للحدود بين ناشطي اليمين المتطرف. فعلى المستوى القومي هناك دول تستقبل جماعات سرية مهتمة بالهجوم على الأقليات والأعداء السياسيين أو الحكومة. ومعظم هذه الحركات لديها اتصالات دولية مثل “ناشونال سوشيالتس أندرغراوند” الالمانية أو الحركة الإشتراكية القومية السرية.
ولديها 200 عنصر وقتلت ما بين 2000- 2006 ستة مهاجرين وشرطية وقامت بثلاثة تفجيرات على الأقل. وكشفت التحقيقات حصول خلايا الحركة على دعم مالي واسع. وفي الوقت الذي تعامل الرأي العام مع القتل وكأنه جرائم عادية إلا أن الناشطين أشاروا الى أنها من عمل الحركة بل وكتبوا أغاني عنها وأشعاراً. وهناك حركات مشابهة في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا وروسيا والتي تضاعفت فيها الجرائم العنصرية بعد عام 1990. وفي الغرب تعتبر السويد وألمانيا الأكثر تعرضاً للجرائم العنصرية وتتبعهما الولايات المتحدة وبريطانيا وإسبانيا واليونان. ونفذ الهجمات القاتلة أفراد أو خلايا مستقلة وجماعات جريمة منظمة وليست منظمات معروفة، كما في هجوم بيتسبرغ الأخير على معبد يهودي في الولايات المتحدة والهجوم المعادي للإسلام في “كرايست تشيرتش”.
وتواجه الديمقراطيات الغربية اليوم نوعين من عنف اليمين المتطرف، فمن جهة هناك الهجمات السريعة التي تستخدم فيها السكاكين والعصي واللكمات والأعمدة الحديدية. وهجمات كهذه لا تعتبر أفعالاً إرهابية. ومن جانب آخر هناك الهجمات المخطط لها وتستهدف أعداداً كبيرة وتخلف قتلى وهي نادرة.
وأصبح المسلمون الهدف الأساسي لهذه الهجمات بما في ذلك الهجوم الأخير في “كرايست تشيرتش”. وفي العادة ما يقوم المنفذ أو الخلية المستقلة بالتخطيط بعزلة وهذا لا يعني عدم البحث عن إلهام من أفعال وهجمات سابقة. فمهاجم كرايست تشيرتش استلهم في المانيفستو الذي نشره بريفك الذي قتل 8 أشخاص في العاصمة النرويجية أوسلو عام 2011 قبل أن يقتل 69 شخصاً في معسكر شبابي بجزيرة قريبة من العاصمة وذلك في يوليو 2011.
وكان هجوم بريفك استثنائياً من ناحية حصيلة القتلى ولكونه أصبح متطرفاً عبر الإنترنت. وكان أول هجوم ينفذه اليمين المتطرف استخدم فيه السلاح الأوتوماتيكي والقنابل. وهو ما فعله منذ هجوم كرايست تشيرتش حيث حمل معه القنابل في السيارة واستخدم بندقية اتوماتيكية في الجريمة. وكان بريفك أول من صنع قنابل مستخدمًا نترات الامونيوم والذي استخدمه مفجر أوكلاهوما عام 1995.
ولم يحصل بريفك على دعم خارجي لعمله إلا من بعض الأصوات في روسيا التي دعمت أفكاره وليس عمله. وبعد المجزرة حصل على دعم من مدون على الإنترنت أصبح لفترة ناطقه الرسمي. واتضح لاحقاً أن معظم المعجبات بالمجرم النرويجي كن فتيات انجذبن إليه لاغراض رومانتيكية وليس لجريمته. ولم تظهر أي محاولات لنسخ تجربة بريفك وإن حدثت فالمشابهة بسيطة. منها محاولة الجنرال في الحرس الوطني الذي خطط لقتل سياسيين وصحافيين في الولايات المتحدة، إلا أنه اعتقل قبل تنفيذ خطته.
واحتفظ هذا الجنرال بنسخة من مانيفستو بريفك. وهذا واضح في عملية كرايست تشيرتش التي لم يخف منفذها إعجابه ببريفك. لكن التشابه بعيد، فالمجرم النرويجي أخذ معظم مواد البيان الذي تركه من الإنترنت خلافاً للمجرم الأسترالي الذي كتب المانيفستو الذي جاء في 74 صفحة. ويرى الكاتب أن هجوم نيوزلندا يذكرنا أن الهجمات التي تنفذ في الديمقراطيات الغربية على يد أفراد اليمين المتطرف هي أعلى من تلك التي يلهمها الإرهاب “اللإسلامي”.